ارشيف من :آراء وتحليلات

السعودية تُهجّر السوريين.. ولا تستقبلهم!

السعودية تُهجّر السوريين.. ولا تستقبلهم!

يتساءل الأوروبيون لماذا لم تفتح السعودية وشقيقاتها في الخليج الأبواب لدخول آلاف السوريين الهاربين من إرهاب "الثورة"؟ يسألون لماذا علينا تحمّل تبعات "ثورة" موّلتها السعودية ورعتها سياسيًّا وعسكريًّا؟ ولماذا علينا فتح حدودنا فيما اكتفت السعودية الفاحشة الثراء بفتح أبواب مخازن أسلحتها وذخائرها وفتاويها؟

لا يكفّ الأوروبيون عن التساؤل كيف يمكن لرجال دين سعوديين أن يصدروا عشرات الفتاوى المتخصّصة في تكفير الغرب، في حين التزموا الصمت أمام المشاهد المأساوية لمئات السوريين أطفالاً ونساءً، وقد تحوّلوا جثثًا مرمية في العراء على شواطئ "بلاد الكفّار"، فيما بلاد الحرمين مقفلة في وجوههم!  

السعودية تُهجّر السوريين.. ولا تستقبلهم!


تساؤلات الناشطين الأوروبيين والعاملين في مجال الإغاثة، امتدت لتشمل بعض المسؤولين في بعض الدول الأوروبية، وخصوصاً الشرقية منها. تعتبر هذه الدول أن لا ناقة لها ولا جمل في الحروب الممتدة في أكثر من بلد في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا. تحمّل دولاً أوروبية "عريقة" مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا مسؤولية كبيرة في اندلاع الحرب في سوريا تحديداً، فضلاً عن الدول العربية المأزومة الأخرى. في الأساس، ترى هذه الدول أن السعودية تلعب دور "الدينامو" المغذي للخراب، خصوصاً في سوريا. السعودية صاحبة مصلحة أكيدة في خراب سوريا. إفراغ البلاد من ناسها، أحد أوجه الحرب على سوريا.

 

"السعودية لا تستقبل نازحين أو لاجئين بل تدعمهم في أماكن تواجدهم" بهذه العبارة يبرّر مَن يُسأل من المعنيين في المملكة عن موقف بلاده من أزمة النزوح السوري. يتحدّث هؤلاء عن أعداد من السوريين موجودة أصلاً في البلاد منذ ما قبل اندلاع الحرب في بلادهم عام 2011. في صلب نظرة السعوديين الى "الوافدين" الى بلدهم، تكمن المسألة الاقتصادية. مثلاً، الجواب الأكثر شيوعاً على لسان المسؤولين السعوديين عند الحديث عن "الوافدين" هو: "السعودية تُعيل ملايين الأسر العربية". نظرة الاستعطاف هذه لا تختص باللاجئين والنازحين فقط، بل تشمل كل عامل وموظّف وإداري وفنّي وتقني يعمل على الأراضي السعودية ويحصل على راتب من مؤسسة سعودية.

اليوم، وفيما مسارات التسوية السياسية آخذة في التبلور، وإنْ على وقع الحديد والنار، برزت مسألة النزوح السوري، بشكل مفاجئ ومكثّف، وأتت مصحوبة بحملة إعلامية صاخبة. السعودية التي نأت بنفسها عن مهمّة استقبال الفلسطينيين الهاربين من بطش الإرهاب الصهيوني، وقفت مرة أخرى على مسافة من إغاثة الهاربين من بطش الإرهاب التكفيري. في الحالة السورية، يبرز الدور السعودي أكثر وضوحاً ونفوراً. تقسيم سوريا الى مناطق نفوذ جغرافية، على أساس المذهب والدين، وخلق ملاذات آمنة لبعض الجماعات الإرهابية المدعومة من السعودية، يلزمه إفراغ الجغرافيا من بَشَرِها.

 في هذه الحالة، لا يمكن للسعودية الساعية الى تحقيق مكاسب في الأمتار الأخيرة، أن تلعب دور المسهّل أو الحاضن لشعب عملت على تهجيره لتحقيق مكاسب سياسية على حساب معاناته، هذا من جهة. أما من جهة أخرى، فالسعودية تخشى انتقال عدوى "الربيع العربي" على ربوع المملكة" مع آلاف السوريين المحمّلين بالأفكار الثورية التي غذّتها الآلة الإعلامية الخليجية على مدى السنوات الماضية. الخشية الرسمية السعودية هذه لها ما يبرّرها، فالمجتمع السعودي قابل للاشتعال في أي لحظة نتيجة الحرمان وغياب العدالة الاجتماعية وزيادة المطالب المحقة لدى شرائح واسعة. لا تنسى القيادة السعودية الحركات المطلبية التي نشأت مع اندلاع "الربيع العربي" في أكثر من بلد عربي منذ العام 2011. هي تعلم أنها نجحت في لجم هذه التحرّكات مرحلياً، وبالتالي فإن المخاطرة باستقبال شرائح واسعة من السوريين، ذات ميول ثقافية متعدّدة، قد تهدّد الاستقرار الهشّ الذي يشهده المجتمع السعودي الذي تتحكّم الوهابية المتزمّتة بمفاصله.

بلغة الأرقام، الأسباب الاقتصادية والمعيشية التي ساقتها الدول الخليجية لتبرير عدم استقبالها السوريين الهاربين من بطش الثورة، لا تبدو منطقية. الأرقام المنشورة تشير الى أن نسبة الأجانب في الدولة الخليجية مرتفعة جداً. فنحو 30% من مجموع سكان السعودية هم من الأجانب، و60% في الكويت و80% في الإمارات و90% في قطر، إشارة الى أن معظم العمّال الأجانب في الخليج هم من الآسيويين. في المقابل تقول الإحصاءات إن عدد اللاجئين، على خلفية الأزمات في المنطقة وخصوصاً سوريا، في دول الخليج، وتحديداً في السعودية والكويت والإمارات وقطر هي "صفر".

هذا الواقع، دفع المؤسسات الدولية العاملة في مجال إغاثة وغوث اللاجئين، الى استنكار اللا مبالاة السعودية تجاه هذا الأزمة الإنسانية. فقد اعتبر نائب مدير منظمة "هيومن رايتس ووتش" لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نديم حوري، أن "تقاعس البلدان الخليجية الغنية في الأزمة السورية مخزٍ". التقاعس المخزي هذا، يقابلة اجتهاد ملحوظ لتفريغ سوريا من شعبها والسعي، تحت ضغط الحاجة للإغاثة الإنسانية العاجلة، الى توطينهم حيث وصلوا. هذا بالضبط ما تم لمسه من زيارة المسؤولين الأوروبيين الرفيعين الى لبنان والأردن. وهذا ما حذّر منه رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي، قائلاً: إنّ "ملف هجرة السوريين مشروع سياسي منظم ذو أبعاد استراتيجية عميقة".

2015-09-16