ارشيف من :آراء وتحليلات

رياح الحرب الاهلية تتجه نحو غرب أوكرانيا (2/2)

رياح الحرب الاهلية تتجه نحو غرب أوكرانيا (2/2)

مع بداية نضوب الصناديق الوطنية والحسابات المالية لمختلف المؤسسات والمقاطعات، بدأت الازمة الاقتصادية والمعيشية تنعكس على "القاعدة الشعبية" او ما يسمى "الحاضنة الاجتماعية" للأحزاب والمنظمات الفاشستية والموالية للغرب التي كانت تلتف حول نظام بوروشينكو ـ ياتسينيوك، وبدأت جبهة الأحزاب والمنظمات التي كانت تدعم هذا النظام تتفكك، وتنهش بعضها بعضا سياسيا، وتفتش عن "مصادر رزق" جديدة ماليا.

"القطاع الأيمن" يشق طريق التهريب الى البلدان الأوروبية الاخرى

وكان اول المنشقين التنظيم الفاشستي ـ المافياوي المسمى "القطاع الأيمن" بزعامة النائب دميتريي ياروش. ووجد هذا الحزب مصدر تمويل لا ينضب، يتمثل في التهريب من أوكرانيا واليها في غرب أوكرانيا. وفيما كان ياروش وحزبه يقرع طبول الحرب ضد جمهوريتي "دونيتسك" و"غدانسك" وروسيا ذاتها، كان يعمل سرا على سحب "متطوعيه" من شرقي أوكرانيا، ويجمعهم ويوزعهم في مقاطعة "زاكارباتيا" في غربي أوكرانيا. وبالتعاون مع المسؤولين في أجهزة السلطة الفاسدة تم انشاء شبكة كاملة من قنوات التهريب من والى أوكرانيا. وتتمثل هذه الشبكة في شق وتأهيل انفاق ضخمة تتسع لمرور قوافل من التيرات. وانابيب عصرية (مع مضخاتها وعداداتها) لتهريب السوائل النافعة والمطلوبة كالسبيرتو، والبنزين وغيرهما. ومطارات خاصة للطائرات الصغيرة والطائرات الشراعية.

وعبر هذه القنوات يتم تهريب (من والى) كل شيء كالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، والعملاء والجواسيس وخبراء المتفجرات. ولوحظ ان ردة الفعل الغربية على انفضاح وجود هذه القنوات التهريبية كانت "ناعمة" جدا، مما يدل ان قيادة الناتو والاتحاد الاووبي وأميركا ضالعون او على الأقل موافقون على ذلك.

وهكذا فإن حزب "القطاع الأيمن" الفاشستي، بزعامة دميتريي ياروش، ضمن لنفسه:
أولا ـ مصدرا لا ينضب للتمويل بمليارات الدولارات.
ثانيا ـ مصدرا ثابتا للحصول على جميع أنواع الأسلحة والذخائر، والتدريب الخاص بها، من الدول الغربية.
وثالثا ـ اعترافا دوليا (غربيا) بـ"القطاع الأيمن" بأنه قوة سياسية ـ عسكرية فاعلة على الأرض، له حصته في كل حل سياسي للمسألة الاوكرانية.

رياح الحرب الاهلية تتجه نحو غرب أوكرانيا (2/2)

بوروشينكو يأخذ حصته

وكما ذكرنا سابقا دخل على خط المزاحمة او المشاركة في عمليات التهريب سياسيون تابعون لرئيس الجمهورية الأسبق يكتور شيفتشينكو. ودخل على هذا الخط أيضا رجل الاعمال المعروف والنائب في البرلمان ميخائيل لانيو، الذي يتهم بأنه من اشهر المهربين في المقاطعة، وهو من انصار بوروشينكو.

وفي أواسط شهر تموز الماضي وقع في مدينة موكاتشيفو في مقاطعة زاكارباتيا اشتباك مسلح بين عصابتين لـ"القطاع الأيمن" ولانيو، على خلفية المزاحمة في التهريب، وسقط قتيل هو المرافق الشخصي لـ لانيو. وتدخلت الشرطة النظامية، واقامت الحواجز لاعتقال عناصر "القطاع الأيمن"، فوقع اشتباك عنيف بين الطرفين أدى الى سقوط 10 جرحى ستة منهم من الشرطة. وعمدت عصابات "القطاع الايمن" الى إقامة الحواجز على كل الطرقات والمنافذ المؤدية الى مقاطعة زاكارباتيا، اضافة إلى نزع اعلام الاتحاد الأوروبي عن المؤسسات الرسمية ورفع اعلام الحزب مكانها. وفي ذلك تهديد سياسي واضح للاتحاد الأوروبي والناتو بعدم الانحياز الى جانب حكومة كييف ضد "القطاع الأيمن".

وقد مر الان شهران على تلك الاحداث. ولكن سلطات كييف الرسمية كلها، لم تجرؤ على اصدار أي قرار اتهامي او حتى قرار اجراء تحقيق بتلك الاحداث، يمس "القطاع الأيمن". كما ان قوات الجيش والشرطة اخذت تتجنب أي اصطدام مع هؤلاء. ولكن المطلعين يقولون ان هذا الوضع هو اشبه بوضع البنزين قرب النار، وان أي شرارة تهدد باندلاع الحريق في أي لحظة.

انشقاق جديد ومصادمات عنيفة في كييف

وأخيرا، وبعد مماطلة لعدة اشهر حاول فيها نظام كييف تحقيق تغيير ميداني على الأرض في شرق أوكرانيا وهو ما فشل فيه فشلا ذريعا بل وتحقق تغيير معاكس، قرر بوروشينكو دعوة مجلس النواب الاوكراني (الرادا) للانعقاد يوم الاثنين في 31 اب الماضي للبحث في التعديلات الدستورية كما يتطلب "اتفاق مينسك". ولكن بدلا من البحث في إقرار تعديلات دستورية تقضي بمنح "الجمهوريتين الشعبيتين" المعلنتين ذاتيا "دونيتسك" و"لوغاتسك" وضعية شرعية (status) في الدولة الأوكرانية، بصورة تضمن بقاءهما الشكلي داخل الدولة الموحدة، وفي الوقت ذاته يكون لهما استقلاليتهما في السياسة الخارجية، والمالية والاقتصاد، والثقافة والتعليم، والامن الداخلي، والدفاع. وهو ما تطالب به الجمهوريتان. ولكن بدلا من ذلك أقر البرلمان تعديلا دستوريا ينص على توسيع الصلاحيات اللامركزية للمقاطعات الأوكرانية عامة ومنها مقاطعتا دونيتسك ولوغانسك. الا انه اقر أيضا الموافقة على انشاء "الشرطة المحلية" من أبناء كل منطقة. وهو جزء يسير مما تطالب به الجمهوريتان.

وعبرت الجمهوريتان عن عدم مطابقة "الاصلاحات الدستورية" التي اقرها مجلس النواب (الرادا) لمفهوم "الوضعية الشرعية" (status) الذي يتضمنه "اتفاق مينسك". الا ان الجمهوريتين لم تذهبا في اعتراضهما الى درجة تهديد الهدنة الهشة السائدة على الجبهة، مع انه ارتفعت بعض الاراء التي تقول بأنه لا يوجد حل جذري لمسألة "الاستقلال الواقعي" لجهوريتي "دونيتسك" و"لوغانسك" الا بتحرير كييف ذاتها من قبضة العصابة الانقلابية ـ الفاشستية التي تسيطر عليها في الوقت الحاضر.


اعتراضات فاشستية على التعديلات الدستورية

ولكن الاعتراضات على قرارات البرلمان الاوكراني لم تأت فقط من "الشرق"، بل انه خلال انعقاد جلسة المجلس، كان  مبنى البرلمان يتعرض للتطويق من قبل مظاهرة نظمتها الاحزاب القومية المتطرفة: الحزب الراديكالي، وحزب "النجدة الذاتية" وحزب "سفوبودا" (الحرية)، المعارضة للتعديلات الدستورية. وشارك في المظاهرة حسبما نشرته الصحافة العالمية اكثر من 3000 شخص. ولفت نظر المراقبين التنظيم الدقيق للمتظاهرين، الذين قام حوالى الالف منهم بمحاولة اقتحام البرلمان، وهاجموا طوق رجال الشرطة الذين كانوا يحرسونه، ووقع بين المهاجمين وبين رجال الشرطة اشتباك عنيف، أدى إلى سقوط قتيل واصابة اكثر من 140 آخرين، غالبيتهم من رجال الشرطة. والاصطدامات التي حدثت في 31 اب يمكن ان تتجدد في أي لحظة كما تقول جريدة   Bloomberg الأميركية.  

وحصل التعديل الدستوري على أكثرية 265 صوتا، ووقع اشتباك بالايدي داخل قاعة البرلمان بين نواب الحزب الراديكالي المعارضين للتعديلات وبين انصار بوروشينكو. وعلى اثر التصويت على التعديلات الدستورية كما اقترحها بروروشينكو، الحاصل على دعم ميركيل واولاند، صرح النائب من الحزب الراديكالي يوري شوخيفيتش (وهو ابن احد ابرز الشخصيات التي تعاونت مع النازيين في الحرب العالمية الثانية المدعو رومان شوخيفيتش)، صرح ان أوروبا باعت أوكرانيا لارضاء بوتين.

بوادر ازمة حكومية


ولا بد ان نذكر هنا ان الأحزاب الثلاثة التي نظمت المظاهرة وصوتت ضد التعديلات الدستورية هي مشاركة في الائتلاف الحكومي. وهذا يعني ان ملامح ازمة وزارية حادة تلوح في الأفق أيضا. وقد هبطت شعبية رئيس الوزراء ياتسينيوك تقريبا الى حدود الصفر. وهذا ما دفعه الى توثيق علاقته مع بوروشينكو.

وجاءت الاحداث الأخيرة في كييف يوم الاثنين 31 اب الماضي، لتؤكد مرة أخرى الافلاس التام للسلطة الانقلابية في كييف، وبداية قيام الأحزاب الفاشستية واليمينية الموالية للغرب بنهش بعضها بعضا، في صراع مميت على تقاسم حصص المساعدات المالية الغربية التي تقدم لسلطة كييف العميلة واحزابها وعصاباتها، من اجل متابعة القتال ضد أعداء الفاشستية وانصار روسيا في شرق أوكرانيا.

 

للاطلاع على الجزء الأول

2015-09-17