ارشيف من :آراء وتحليلات

’داعش’ و’القاعدة’ والصراع على ’المشروعية’

’داعش’ و’القاعدة’ والصراع على ’المشروعية’

في التسجيل ما قبل الأخير له، شن زعيم تنظيم "القاعدة"، ايمن الظواهري، هجومًا على تنظيم "داعش" وزعيمه "أبو بكر البغدادي"، وشكك في أدلتهم الشرعية التي أقاموا على أساسها ما يسمى بـ "دولة الخلافة" في العراق أو سورية.

وباستثناء سوريا، يمر تنظيم "القاعدة" بأشد مراحل الضعف على مستوى قياديي المرحلة الحالية، حيث يواجه صراعات شديدة ميدانية واستقطابية مع تنظيم "داعش" الذي بدأ في جذب واستقطاب الجماعات التي بايعت "القاعدة"، لتبايع "البغدادي"، أميراً لها.

ورغم اعتراض "الظواهري" في تسجيله ذاك على ما قام به البغدادي، إلا أنه يستشعر خطورة الوضع، ودعا إلى الوحدة في قتال قوات الرئيس السوري بشار الأسد، ومن أسماهم بالنصيرين، حيث قال في التسجيل الصوتي على الإنترنت، إنه لا يعترف بهذه الخلافة، ولا يراها خلافة على منهج النبوة، بل هي إمارة استيلاء بلا شورى، ولا يلزم المسلمين مبايعتها، وأنه لا يرى أبو بكر البغدادي أهلاً للخلافة، وان القاعدة تحملت الكثير من الأضرار بسبب أبو بكر البغدادي وأعوانه، وفضل عدم الرد عليهم بأقل قدر ممكن خشية إشعال نيران الفتنة، بيد أن البغدادي وأعوانه، حسب قول الظواهري، لم يترك لهم خيارًا آخر عندما طالبوا جميع "المجاهدين" بنبذ ولائهم للجماعات المنتمين إليها والإعلان عن ولائهم لخلافة داعش المزعومة"، إلا أنه اختتم حديثه قائلاً: على الرغم من أخطاء (داعش) الكبيرة، فانه لو كان في العراق أو في الشام لتعاون معهم في قتال "الصليبيين والعلمانيين والنصيريين والصفويين"، رغم عدم اعترافه بشرعية "دولتهم"، ناهيك عن خلافتهم، لأن الأمر أكبر منه ومن زعمهم إقامة الخلافة.

’داعش’ و’القاعدة’ والصراع على ’المشروعية’

وقد تعرض الظواهري منذ توليه زعامة تنظيم "القاعدة"، عقب مقتل أسامة بن لادن عام 2011، لانتقادات من قبل قادة التنظيم المنافس، غير أن تعليقاته الجديدة من الممكن أن تعكس الضعف المتزايد لتنظيم القاعدة، الذى طغى عليه "داعش" بعد سنوات من حشد المسلحين من جميع أنحاء العالم.

قد يفهم من كلمة الظواهري هذه انها محاولة للمصالحة مع تنظيم داعش، او على اقل التقادير مسعى لتقاسم النفوذ والمناطق فيما بينهما، ضمن قاعدة "درء المفاسد وجلب المنافع". لكن الواقع ان كلا التنظيمين يحملان "عقيدة" لا تتسع للآخر. على أن الامر لا يقتصر على عقيدة اقصائية بل تتعداه الى مصالح متضادة. اذ ان حجم الاستقطاب ممن لا يحملون فكرا "تكفيريا" ضعف الى حد كبير، فيما تتجه المنافسات الاستقطابية بين الطرفين الى قواعد الطرفين أنفسهما. ومن الآليات المعتمدة في هذه العمليات القتل والاقتتال.
لذا من الطبيعي أن يعلن الظواهري ما أعلنه، لا سيما بعد بيعته للملا اختر منصور كأمير للمؤمنين خليفة للملا محمد عمر زعيم طالبان.

من هنا تبدو رسالة الظواهري تحمل في طياتها بعدين اساسيين:
الاول: عقائدي يبرر بيعة اختر منصور بسبب عدم اكتمال عناصر خلافة البغدادي بين أهل الحل والعقد واهل الشورى.

الثاني: سياسي عملي يتعلق بقيادة الظواهري نفسه على رأس تنظيم "القاعدة"، بعد غيابات متتالية له في ظل تطورات هامة ومصيرية تحف بالتنظيم الام للجماعات "الجهادية".
والواقع أن خطاب الظواهري مليء بالدلالات من قدرة تنظيم داعش على الاستقطاب بسبب الحملة الرمزية من الغرب عليه، ما يعطيه دعما معنويا بين هذه الجماعات، تحت عنوان "المظلومية". ولهذا كان اكثر العناوين اللافتة في كلمة الظواهري اعلانه انه لو كان في العراق والشام لقاتل الى جانب داعش. لكن لا ينبغي الخلط بين القتال الى جانبه والقتال تحت رايته. وذلك اشارة من الظواهري إلى ان الصراع مع داعش هو صراع فرضه التنظيم نفسه عليهم بسبب محاولات احتكاره "للمشروعية الجهادية".

ومهما يكن من أمر، فان كلام الظواهري هذا هو تكرار لرسائل سابقة وجهتها قيادات اخرى في القاعدة منها قيادة القاعدة في شبه الجزيرة العربية والتي تلاها آنذاك الناطق باسمهم الشيخ حارث النظاري قبيل مقتلة باسابيع عدة.

صحيح انه يمكن القول أن الامر عبارة عن حرب للاستقطاب تتخذ في كل مرة شكلا مختلفاً باختلاق الظروف والاوضاع التي تحيط بكل طرف من الاطراف المتصارعة، لكن الاصح ايضا انها حرب المشروعية في تمثيل من يسمى بـ"الجماعات الجهادية" بالدرجة الاولى.

2015-09-18