ارشيف من :آراء وتحليلات

المهاجرون مهجّرون وفق أجندة تطحن الجميع

المهاجرون مهجّرون وفق أجندة تطحن الجميع

تثير قضية الهجرة الكثير من الأسئلة التي لا بد من الوقوف عندها بعقل بارد، في ظل حرارة موجة البكاء والتباكي التي صعّدت صورة الطفل إيلان، الذي كان مرمياً جثةً هامدة على شاطئ أوروبي، من لهيبها.

 

لا شيء يمنع من الحزن على إيلان، وعلى آلاف غيره قضوا غرقاً، وهم يقومون برحلتهم الأخيرة نحو الموت، مستقلّين القوارب المزدحمة بالبشر، الفارغة من أي أمل بالوصول إلى نقطة المبتغى.

على عكس ذلك، فإن الحزن هنا يصبح مضاعفاً مئات وآلاف المرات، فإيلان اسم لمع على صفحات الإعلام، وبرز في التغطيات التي لا أحد يدري ما الخلفيات وراءها، فيما البقية ممن ماتوا، رحلوا بلا اسم، وبلا هوية، وبلا حزن.

مات إيلان، وبعد فترة من الاستغلال، ومن الجعجعة بلا طحين، ماتت قضيته أيضاً. وبقيت الهجرة مستمرة، ومعها معاناة الآلاف الذين يعيشون التشرد في البحر والبر للانتقال إلى ما يعتقدون أنه برّ الأمان.

ومن أجل ذلك، لا بدّ من معالجة القضية بالعقل البارد، لأن المسألة ليست مسألة حدث حصل وانتهى، وإنما هي عملية مستمرة وستبقى كذلك ربما لفترة طويلة.

هنا يصبح من الواجب العودة إلى طرح الأسئلة، ولو بشكل مقتضب، لأنها كثيرة وكثيرة جداً.

المهاجرون مهجّرون وفق أجندة تطحن الجميع

ـ لماذا يرحل هؤلاء المهاجرون من بلادهم؟ ولماذا الآن؟ وهل صحيح ما تروّجه آلة الإعلام الغربية ـ العربية عن أن هؤلاء يفرّون من النظام في سوريا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا سجّلت المنظمات الإنسانية وجود العديد من الجنسيات العربية وغير العربية بين اللاجئين من ناحية، ولماذا سجّلت هذه المنظمات أيضاً من ناحية أخرى أن معظم الهاربين هم من مناطق لا يسيطر عليها النظام؟

ـ من يلعب لعبة تفريغ شمال سوريا من سكانها، ولمصلحة مَن؟ ولماذا يجب أن يكون عدد كبير من الفارّين هم من سكان المنطقة التي تسعى بعض الدول إلى جعلها منطقة أمنية أو منطقة محايدة أو منطقة آمنة، أو غير ذلك من التسميات؟

ـ لماذا يهاجر هؤلاء إلى أوروبا بالتحديد؟ وهذا السؤال يحمل في طياته في الحقيقة سؤالين باتجاهين مختلفين: لماذا أُقفلت كل الأبواب الأخرى في وجوه هؤلاء، ولماذا فُتحت أبواب أوروبا في وجوههم؟

ـ من هم المحرّضون على هذه الهجرة، ومن هم المروّجون لها، والمسهّلون والمخططون، ومن ثم المنفّذون من المزوّرين والمهرّبين؟ هل هم مجهولون؟ أم أنهم يحظون برعاية، وربما برعايات، من أجل تنفيذ هذا المخطط؟

ـ لماذا يضع المهاجرون ـ المهجّرون هدفاً واحداً نصب أعينهم، وهو ألمانيا، مع اختلاف نقاط الانطلاق وخطوط السير وأماكن الوصول الأولية؟ لماذا يسير هؤلاء تماماً كالفراشات التي يجذبها النور فتتهافت عليه ولو كان في هذا التهافت هلاكها؟ هل فقط لأن ألمانيا جذّابة، أم أن هناك من يدفعهم إلى هناك دفعاً؟

ـ سؤال مكمّل للسؤال السابق، ولكن من الجهة المقابلة: أي مصادفة تجمع بين تهافت هؤلاء اللاجئين إلى المانيا، وبين حاجة ألمانيا إلى مئات الآلاف من المهاجرين لتجديد شباب قوتها العاملة التي تكاد تتهالك تحت وطأة فقدان العنصر الشاب والفاعل فيها، وما السرّ في كون أكثر من ثلثي اللاجئين هم من عنصر الشباب الذكور القادرين على العمل، مقابل أقلية من كبار السن من ناحية، والنساء والأطفال من ناحية أخرى؟

ـ ما نهاية هذه القضية؟ بالأحرى، ما مصير هؤلاء اللاجئين؟ هل سيحتفظون بهويتهم وبخصائصهم الحضارية أم أنهم سيذوّبون في المجتمعات التي لجأوا إليها ليخسروا كيانهم فيما يربح مستضيفوهم قواهم وطاقاتهم؟

بالمقابل، هناك أسئلة أخرى أكثر تفصيلية، ولكنها أكثر خطراً أيضاً لا بدّ من طرحها على مثيري هذا الهرج، ومحرّكي هذه الأمواج من المهجّرين، ولا سيما من أولئك الجالسين في الغرف السوداء، يخططون ويرسمون ويتوقعون ويضعون السيناريوهات:

ـ هل توقع هؤلاء أي خطر يتلبّس بهم وببلادهم جرّاء هذه الموجات من الهجرة؟ هل فكّروا بها خارج نطاق المنفعة الاقتصادية والنتائج المادية؟

ـ ماذا سيحصل لو أن التنظيمات الإرهابية دسّت العشرات من عناصرها في صفوف اللاجئين ليقوموا بأعمال عنف وتفجيرات وهجمات على المصالح الغربية في الدول التي لجأوا إليها تنفيذًا لمخططاتهم الهادفة إلى إشاعة الفوضى في أنحاء العالم؟ هل يأمن الأوروبيون جانب هذه التنظيمات، ومن أين ينبع هذا الأمان؟

ـ ماذا سيكون مصير أوروبا لو ان هؤلاء اللاجئين رفضوا التخلي عن هوياتهم الثقافية وعملوا على فرضها في الأماكن التي لجأوا إليها، وأي صدام فكري وحضاري سيحصل بين الأوروبيين وضيوفهم في حال تحقق هذا السيناريو المخيف؟

إن الذين قدحوا زناد هذه  العملية الخطيرة على مستوى المنطقة والعالم، بدءًا من تفجير الأوضاع في سوريا وتسعيرها، مرورًا بتسهيل الهجرة و"تعبيد" طرقها، وصولًا إلى استقبال المهجّرين واستقطابهم، يلعبون لعبةً أكبر منهم بكثير، لعبة سيكون لها آثارها المدمّرة التي ستطحن الجميع، في كل مكان، على مدى العقود المقبلة.

2015-09-19