ارشيف من :نقاط على الحروف
قراءة في كتاب ’النّـــاصح’
إعداد: الشيخ حسن أحمد الهادي
بطاقة تعريف:
اسم الكتاب: النّاصح (ممّا عُلِّم رشداً: العبد محمد تقي البهجة)
الناشر: مركز حفظ ونشر تراث المرجع الأعلى الشيخ محمد تقي البهجة- قم المقدسة.
الطبعة: الأولى/1436هـ .ق.
عدد صفحات الكتاب: 424 صفحة من القطع الكبير
التعريف الشكلي بالكتاب:
في الشكل يتضمن الكتاب إضافة إلى مقدمة بعنوان: "ادخلوها بسلام آمنين"، العناوين الآتية:
1.ذواتا أفنان وتحوي:
-حياة طيبة: نبذة عن سيرة سماحته (البالغ مناه).
-إلى سبل السلام (منهج سماحته في سواء الصراط).
2. "الحدائق" وهي سبعٌ:
-الحديقة الأولى، تجارة مربحة (البرنامج العباديّ اليوميّ لسماحته).
-الحديقة الثانية: عَسَلٌ مُصَفَّى (الرسائلُ والمكتوباتُ).
-الحديقةُ الثالثةُ: ينابيع الحكمة (من مُحاضراتٍ لسماحَتِهِ).
-الحديقة الرابعة: مشكاة (من بيانات سماحته).
-الحديقة الخامسة: زُهُورٌ مَنثُورَةٌ (مِن حِكَمِهِ المُوجَزَةِ).
-الحديقة السادسة: شِفَاءُ الصُدُورِ (تُوصِيَاتُ سمَاحتِه للحَوَائِج.
-الحديقة السابعة: رِيَاحٌ لَوَاقِحُ (الأسئلةُ والأجوبةُ).
لماذا: "النـــاصح ممّا عُلِّم رشداً"؟
اسم اختاره أحد الخواص لسماحة الشيخ "العبد" كما يحب أن يسمّي (قده) نفسه، ومعنى الناصِح في اللغة الخالِص الصافي1، ورجل ناصِح أي نقيّ القلب.
وعندما يُطلق الاسم على كتاب نعني أنّ صاحبه فيه هذه الخصال، فهو ناصِح لنفسه من جهة، وناصح ومعلّم لغيره- من خلال سلوكه ووصاياه- من جهة أخرى.
أمّا رشداً؛ فالرشد هو الهدى والصواب2، قال تعالى: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} (سورة الكهف، الآية 66).
محتوى الكتاب:
يشرح الكتاب بإسهاب السيرة العلمية للشيخ البهجة؛ الذي بدأ دراسته في بلدته (فوهن)، فأنهى في حوزتها ومسجدها المقدّمات، ثم سافر إلى كربلاء المقدسة لإكمال مسيرته العلمية، وبقي فيها أربع سنوات. وفي العام 1312هـ سافر إلى النجف الأشرف، وسكن في إحدى مدارسها، وكان عمره- آنذاك- قرابة 18 عاماً.
أكمل دروس المكاسب والرسائل عند أكابر العلماء، ومنهم: آية الله السيد محمود الشاهرودي. ودرس عند آية الله العارف السيد القاضي الذي لقّبه بالفاضل الجيلاني. ثمّ شرع في دراسة البحث الخارج عند: آقا ضياء الدين العراقي، والميرزا النائيني، وآية الله الشيخ محمد حسين الأصفهاني (الكمباني)، وآية الله الشيخ محمد كاظم الشيرازي، وآية الله السيد أبو الحسن الأصفهاني.
وقد درس الإشارات والتنبيهات والأسفار الأربعة؛ وهي دروس عالية في الفلسفة والعرفان عند أكابر الأساتذة والمتخصّصين.
وجد ضالته عند العارف الأوحد السيد القاضي؛ فحضر درسه ولازمه حتى قال فيه(السيد القاضي): "لقد أبدى الشيخ البهجة ترقيات استتنائية".
نبوغه العلميّ:
برز الشيخ البهجة بعلمه ونبوغه وجدّيته في التحصيل، حتى أنّ أستاذه الشيخ محمد كاظم الشيرازي أفتى عليه بوجوب أن يطرح كل ما يدور في ذهنه من إشكالات ومداخلات أثناء الدرس.
ولهذا يذكر كثير من المعاصرين أنّه قد أُشيرَ إلى سماحته بالبنان؛ لعلمه، وفضله، وورعه. ونُقل أنّ السيد القاضي نفسه شوهد يقتضي بالشيخ البهجة عدة مرّات في الصلاة.
عودته إلى إيران ومتابعة تحصيله العلميّ:
عاد سماحة الشيخ البهجة إلى إيران عام 1364هـ.؛ ليعالج مرضه الذي ألمّ به. وبعد فترة تزوّج، وقرّر العودة إلى النجف. لكن قبل عودته سافر إلى قم لزيارة السيدة المعصومة، وهناك – وبعد عدة شهور- تتالت عليه الأخبار الحزينة بوفاة السيد القاضي وبعض كبار أساتذته في النجف، ومنهم: آقا ضياء الدين العراقي، والشيخ محمد حسين الأصفهاني الغروي.
فشاءت الظروف أن يبقى في قم؛ حيث شارك في درس الخارج عند السيد البروجردي، مع أنّه كان مجتهداً، وكان عضواً في لجنة استفتاءاته.
وقد باشر التدريس في قم، وبرز واحداً من الأساتذة الكبار الذين أوصى العلماء، ومنهم الإمام الخميني بحضور درسه. حيث كانت له منهجية علمية خاصة وجديدة في طرح المباحث الفقهيّة والأصوليّة.
الفقيه المجتهد: ابتهاج الفقه بالفقيه البهجة
عند الكلام عن فقاهة عالم وزهده وتقواه وورعه ينبغي التأنّي والدّقة في ذلك حتى لا يضيع حقُّ من له حقّ على المؤمنين من الفقهاء والربّانيين من العلماء، فتراث العلماء أمانةٌ لا ينبغي أن تقف عند يد من وصلت إليه، بل ينبغي نشرها، كونهم حجّة بيننا وبين الإمام الحجّة المنتظر. والشيخ البهجة - وفي الفترة التي استقرّ بها في مهد الولاية والعلم، أي النّجف الأشرف – كان حائزاً قصب السّبق في هذه الأمور العلميّة.
في هذا السّياق ينقل آية الله السيّد أحمد الفهريّ (قده):
"بالمشيئة الإلهيّة والربوبيّة، إنّ تَمَحُّضَ وتوغّلَ سماحتِه بالدّرس والتّدريس صار باعثاً لأن يصل سماحته درجة الاجتهاد الرّفيعة قبل زملائه الذين وردوا إلى الحوزة معه بنفس الفترة".
ثم يضيف السيّد الفهري (قده): "أذكر أنّني طلبت منه يوماً أن يدرّسني كتاب رسائل الشيخ الأنصاري (قده)، فقال لي في مَعْرِض الاعتذار: لقد قال لي آية الله العظمى الشيخ الكمباني. نابغة العصر ذاك، والأجدر في أكثر العلوم: إنّ التقليد حرام عليك ويجب أن تعمل باجتهادك، لذلك أتحرّى المسائل التي هي مورد ابتلاء لديّ، ولا مجال لديّ لأُقدِم على عملٍ آخر".
كانت دروسه ذات فوائد جمّة ودقائق وظرائف علميّة استثنائيّة متميّزة، وفي ذلك يقول آية الله الشيخ مصباح اليزدي:
"إنّ آية الله سماحة الشيخ البهجة هو جامع تدقيقات المرحوم الشيخ محمد تقي الشيرازي (قده) (عن طريق أبرز تلامذته، وهو الشيخ محمد كاظم) وكذلك جامع ابتكارات المرحوم النّائيني (قده) والمرحوم الشيخ محمد حسين الأصفهاني (قده)، وجامع تربية المرحوم السيّد علي القاضي (قده).
هذه الشخصيّات العظيمة كانت سبباً في تشكيل شخصية هذا الإنسان العظيم الذي جمع كثير من الخصال العظيمة من هؤلاء الأساتذة، وهذا الإنسان هو نعمة عظيمة علينا في هذا العصر وفرصة ثمينة للناس، كي يستفيدوا من جميع لحظات عمره الشريف".
علاقته بأهل البيت(عليهم السلام):
كان سماحة الشيخ البهجة يواظب على زيارة العتبات المقدسة صباحاً ومساء في كربلاء والنجف. وكان يكثر من زيارة مسجد السهلة، ويبيت فيه الليل وحيداً حتى الصباح مواظباً على صلاة الليل والنوافل.
وفي إيران، نُقل أنّه كان يزور السيدة المعصومة(عليها السلام) يومياً، وفي فصل الصيف كان يجاور الإمام الرضا(ع) في مشهد، وكان يزور المقام مرتين يومياً.
خصوصية الرسائل القصيرة والتوصيّات:
يُلاحظ القارئ أنّ كتاب "الناصح" يضم مجموعة من الرسائل والوصايا لسماحة الشيخ البهجة؛ تندرج في الحديقة الثانية من الحدائق، بعنوان: "عسلٌ مصفّى". أمّا الرسائل فهي مكتوبة بخط سماحته؛ بناءً على طلب الناس والطلبة والمقرّبين.
أمّا الوصايا فقد وردت في موضوعات محدّدة مثل: الحفظ، الشفاء، زيادة الرزق، إبطال السحر... وغيرها. وقد تميّزت بأنّها: قصيرة، معبِّرة، عميقة، وسهلة وتستند إلى تراث علميّ وعرفان عمليّ اكتسبه سماحة الشيخ من أهل البيت(ع)، ومن ورعه وتقواه وعرفانه.
الأثمار البهجيّة (النتاج العلمي):
في خضمّ هذه النّشاطات لم يغفل هذا العبد الصالح جانب تدوين وتصنيف نظريّاته العلميّة وآرائه الفقهية. وله في هذا المجال مؤلّفات عديدة في الفقه والأُصول، لكنه كان يمتنع عن طبع أكثرها.
ومن جملة مصنّفات هذا العالم الكبير:
-"مباحث الأصول" دورة أُصولية كاملة.
-حاشية على مكاسب الشيخ الأنصاري (قده)، إلى نهاية المباحث الخاصّة بالمتاجر.
-دورة فقهيّة تحت عنوان "بهجة الفقيه" تشمل كتاب الطهارة والصلاة والزكاة والخمس.
-حاشية على كتاب ذخيرة العباد للمرحوم الشيخ محمد حسين الغروي (قده).
-حاشية على مناسك الشيخ الأنصاري (قده).
وله أيضاً تصنيفات أدبيّة وشعريّة في ثلاثة مجلّدات، وهي في الكلام، والعرفان، وغيرها.
ومن جملة ما طبع من كتبه في حياته وبإلحاح ومباشرة بعض تلاميذه هي:
-"وسيلة النّجاة" يشتمل هذا الكتاب على آرائه الفقهيّة في بعض أبواب الفقه تعليقاً على متن كتاب "وسيلة النّجاة" تأليف أستاذه آية الله السيّد أبو الحسن الأصفهاني، وطُبع منه المجلّد الأوّل بموافقته.
-"جامع المسائل" دورة فتاوى فقهيّة، وهي حصيلة جهوده طيلة 25 سنة من عمره منذ تصدّيه للمرجعيّة وهي دورة نادرة من نوعها، وطبعت في 5 مجلّدات عام 1413هـ.ق.
لماذا لم يعطِ كتبه لأي ناشر؟
امتنع عن الموافقة على طباعة معظم كتبه، وكان يقول لهم هناك تصانيف أعاظم العلماء لا تزال بصورتها الخطية فبادروا إلى طباعتها...، عند ذاك يأتي دور هذه.
ولم يطبع منها إلا الرسالة العملية نتيجة كثرة الإلحاح، وبعد وفاة كبار العلماء. وكان يقول لهم دائماً: الآخرون موجودون ليحملوا هذا الثقل على عاتقهم حتى لا يطبع رسالته العملية.
أخيراً، قد يكون من الصعب، بل ومن غير الممكن وصف الشخصية التي لم يكن لأحد طريقٌ للنفوذ فيها، والطريق مغلق على الجميع، حتى أنّ سماحته كان يجعل المقرّبين في عدم الاطلاع على أسراره مثل البعيدين، وكان سماحته يهرب من الإجابة والبيان ليس فقط حول النقاط المهمة في حياته وإنما عن الجنبات العاديّة فيها!
عبارات نجدها على الغلاف الخلفي للكتاب، كتبها أشخاص مقرّبون من سماحة الشيخ البهجة... وهي كافيةٌ لتشير إلى أنّ الكتاب- على اختصاره- بمنزلة أستاذ لمن أراد السير والتقرّب إلى الله- تعالى- وفق منهج القرآن وأهل البيت(عليهم السلام).