ارشيف من :آراء وتحليلات

ماذا وراء كلام الاتحاد الأوروبي عن قصف قوارب اللاجئين؟

ماذا وراء كلام الاتحاد الأوروبي عن قصف قوارب اللاجئين؟

لا ينبغي للعالم أن يستغرب أو أن يتعجب، فيما لو تم الكشف بعد شهر أوسنوات عن أن صورة الطفل السوري الذي ألقته الأمواج على أحد الشواطيء التركية هي نتاج، بشكل أو بآخر، لعملية تلاعب هدفها جذب الانتباه إلى مشكلة اللاجئين السوريين، تمهيداً لعدوان يقوم به الاتحاد الأوروبي على سوريا.

ولا حاجة للتذكير هنا بأن التلاعب والكذب هما من أساسيات سياسات العدوان التي يعتمدها محور الشر الذي تقوده الولايات المتحدة.

ولا حاجة للتذكير أيضاً بمسؤولية أوروبا والغرب عن خلق هذه المشكلة الناشئة أولاً، عن عملية الإفقار الممنهج التي طبقتها القوى الاستعمارية، وما تزال تطبقها، بحق شعوب العالم المغلوب على أمره. وثانياً، عن الحروب التي تشنها القوى ذاتها أو تثيرها هنا وهناك. وثالثاً، عن حاجة بلدان الغرب إلى اليد العاملة الرخيصة وإلى "السكان" في ظروف استفحال ظاهرة شيخوخة المجتمع الغربي. وأخيراً، لا آخراً، عن الجاذبية التي ما تزال المجتمعات الغربية تتمتع بها في أعين الكثيرين من سكان البلدان الفقيرة، رغم اقتراب أسطورة الرفاه والازدهار في الغرب من نهايتها المرشحة لأن تكون كارثية جداً.

رهانات أوروبية فاشلة

 ومع ذلك، ما يزال السعي الغربي إلى الاستثمار المتعدد الوجوه والأشكال في مسألة الهجرة مستمراً . وقد وصل الرهان الأوروبي على الاستتثمار السياسي في مشكلة اللاجئين، وخصوصاً السوريين منهم، إلى حد تصويرها وكأنها تشكل خطراً على وجود أوروبا من أساسه. لجهة الخلافات التي تفجرت في أوروبا بين مؤيد ومعارض لاستقبال اللاجئين، أو لجهة اعتبارها تهديداً  لمنطقة شينيغن أو حتى لهوية أوروبا المسيحية.

ماذا وراء كلام الاتحاد الأوروبي عن قصف قوارب اللاجئين؟

ومن المهم التذكير هنا بأن جهوداً أوروبية حثيثة تبذل منذ أشهر بهدف استصدار قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع يجيز العمل بكل السبل من أجل منع تدفق اللاجئين إلى أوروبا. وبانتظار صدور هذا القرار، اتفق عدد من بلدان الاتحاد الأوروبي على الشروع بالإعداد لعمل عسكري بهدف وقف تدفق اللاجئين.
ويتراوح هذا العمل العسكري بين قصف القوارب التي تستخدم في نقلهم لمنعها من الإبحار قبل صعود اللاجئين إليها، وبين قصفها وهي محملة باللاجئين، أو بالتدخل العسكري المباشر لملاحقة  المهربين الذين يعملون في نقل اللاجئين داخل أراضي البلدان المستهدفة.


والأكيد أن مجرد ظهور أفكار من نوع قصف القوارب المحملة باللاجئين يسمح بإساءة الظن وبالشك في ما يقدم على أنه أسباب تفسر وفاة سبعين لاجئاً سوريا داخل شاحنة تبريد على حدود النمسا، أو غرق الآلاف منهم في مياه المتوسط.

وفي الوقت نفسه، لا ينبغي تصديق كل ما يشاع عن المخاوف الأوروبية من تدفق اللاجئين. فإذا كان من الصحيح أن قوى متطرفة تعلن عن رفضها لاستقبالهم أو تطالب بطردهم، فإن قوى أخرى تعمل على إدارة المشكلة بحيث يستمر التدفق بالنسب التي تنسجم مع مقدار الحاجة إليهم.
أو تستجيب لحاجة جهات كالكيان الصهيوني والولايات المتحدة لاستخدام مشكلة المهاجرين في تعزيز مشاعر العداء للعرب والمسلمين، وبالتالي في  زعزعة الاستقرار داخل أوروبا، والغرب بشكل عام.

دفاع عن النفس

وعلى أي حال، يبدو أن قضية ملاحقة مهربي اللاجئين والتي قدمت على أن مسرحها قد يكون السواحل الليبية لم تكن غير تغطية على مشروع عدواني آخر.
وقد تم التمهيد لهذا المشروع عبر حملة بروباغندا وضعت أوروبا في موقع المتضرر والمدعو بالتالي إلى ممارسة حق الدفاع المشروع عن النفس. وعلى طريقة الحرب الكاذبة على داعش، تم تحديد العدو الذي تنبغي ملاحقته على أنه "المافيات" العاملة في تهريب اللاجئين وفي ما يقدمه الغربيون على أنه حرص من قبلهم على منع عمليات اتجار بالبشر. .
ولما كانت المافيات خفية وغير ظاهرة، في حين أن عمليات التهريب تتم بواسطة قوارب صيادي الأسماك، أصبحت القوارب، والصيادونً، وعمق الأراضي التي ينطلق منها اللاجئون هي الهدف الملموس الوحيد للعمليات العسكرية العدوانية التي تم الاتفاق عليها بين العديد من بلدان الاتحاد الأوروبي.

ولما كانت موجات اللاجئين تضم أعداداً ملفتة من السوريين، بات من المؤكد أن سوريا هي التي يسعى الاتحاد الأوروبي إلى استهدافها بمشروع عدواني "جديد" أو "إضافي".


لماذا الاتحاد الأوروبي ؟ ببساطة لأن الولايات المتحدة -التي لم تجرؤ العام الماضي على المضي قدماً في مشروع عدوانها العسكري المباشر على سوريا- لا تجد غضاضة في دفع سياسيين فاشلين من أمثال فرانسوا هولاند و ديفيد كاميرون، أو حكام تركيا والأردن وقطر والسعودية، إلى السقوط في عش الدبابير السوري.

والواقع أن مشكلة اللاجئين قد استخدمت كمبرر لقيام الجهات المذكورة بإطلاق عمليات عسكرية مبرمجة منذ أشهر تحت ستار محاربة داعش بهدف كسر التوازن العسكري في سوريا لصالح التنظيمات الإرهابية ومشروع تقسيم سوريا.


لكن معطيات جديدة وضعت سوريا وكامل المنطقة أمام مفاجآت كبرى مع الإعلان عن الدخول العسكري الروسي على مسرح الأحداث.

 

 

2015-09-22