ارشيف من :آراء وتحليلات

روسيا في سوريا.. والبحث عن الدور المصري المفقود

روسيا في سوريا.. والبحث عن الدور المصري المفقود

أعلن الديوان الملكي السعودي الأسبوع الماضي، إلغاء زيارة كانت قد قُررت مسبقاً بناء على دعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي للملك سلمان لزيارة مصر قبل ما يربو عن الشهر، إلغاء الزيارة أتى كإشارة لاستمرار التباين بين موقفي الرياض والقاهرة بشأن عدة ملفات على رأسها الأزمة السورية وسيناريوهات حلها. مسلسل استمرار التجاذبات بين البلدين تفاقم منذ تولي الملك سلمان ومنظومته الحكم، حيث فضلت الرياض ترتيب أولوياتها في السياسة الخارجية على إعادة الاعتبار لجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة، وتعزيز التعاون بينها وبين الدوحة وأنقرة، وذلك على حساب علاقتها بالقاهرة، التي يرى النظام الجديد أن الرياض حليفته الأهم على مستوى المنطقة، وربما العالم.
 
حلحلة هذا التوتر بدأت منذ ما يقارب الشهرين بزيارة بناء على دعوة من السيسي لمحمد بن سلمان، ولي وليّ العهد ووزير الدفاع، في إطار تأكيد القاهرة لموقفها ومشاركتها في العدوان على اليمن في ظاهرها وتأكيدها على عدم توتر العلاقات الظاهر بين البلدين، لكن دافعا جديدا للزيارة ظهر وهو البحث عن دور لمصر في بلورة ما سُميَ بالمبادرة الروسية لمحاربة تنظيم داعش في سوريا بتحالف يضم كلا من الرياض ودمشق وموسكو.

روسيا في سوريا.. والبحث عن الدور المصري المفقود

والواقع أنه رغم حفاوة الاستقبال ومانشيتات الإعلام المصري المحتفية والمطمئنة لمدى قوة العلاقات المصرية-السعودية، فإن الصورة المُصدرة لم تكن تعكس الواقع المتململ بين الجانبين وهو انتفاء الرؤية الكاملة والواضحة بشأن مشتركات البلدين الآنية على الساحة الإقليمية في سوريا واليمن، وحتى مع وجود المبادرة الروسية، فإنها لم تسهم في إنهاء التباين بين البلدين، خاصة وأن مواقف القاهرة منذ بداية العام تشدد على استراتيجية شاملة تتضمن سوريا وليبيا واليمن والعراق، وهو ما يتعارض مع تناقضات الرياض الدرامية التي سايرتها القاهرة حتى وصل بها الأمر إلى المشاركة في عدوان اليمن في جبهة واحدة مع جماعة الإخوان والدول الداعمة لها؛ قطر وتركيا.

 التحدي والاستجابة
 
إضافة الى ما سبق، إن المقترحات "العربية" بشأن الأزمة السورية، مثل استراتيجية عربية موحدة لمحاربة الإرهاب، أو القوات العربية المشتركة، لم تكن مناسبة للشأن السوري وبعيدة عن تعقيدات المشهد هناك، بالإضافة إلى التثبيت بأنها ظاهرة إعلامية في النهاية ظلت حبيسة أروقة جامعة الدول العربية، دون أن تملك دافعا أو مؤثرا أو فاعلية. وبالتالي كانت المبادرة الروسية ومآلاتها الأولية النشطة والفاعلة أدت إلى تنحية كافة هذه المقترحات، وأصبح الأمر حالياً مشاركة أطراف عربية مثل مصر والسعودية فيها –وهو أمر بديهي- وبين تلكؤ وبطء هذه الدول في الاستجابة للمتغيرات التي أحدثتها موسكو على الساحة السورية في الأسابيع الأخيرة والتي جعلت الولايات المتحدة وأوروبا يتنازلان عن المطالبة برحيل الأسد كشرط لحل الأزمة.

 بعيداً عن تفسيرات الإجراءات الروسية الأخيرة التي صاحبت مبادرة موسكو، وخاصة العسكرية، ومدى تفاوت استجابة وردود فعل الأطراف المعنية بالأزمة السورية، فمن المؤسف أن التجاوب المصري مع ما يحدث حالياً على هذا الصعيد يعكس مدى ضبابية الرؤية السياسية المرحلية، والمقيدة بامتنان فارغ للرياض التي لا تملك أساسًا رؤية عقلانية تجاه سوريا، وبالتالي فإن الموقف المصري حتى وقت قريب لم يكن على مستوى الحدث، وهو أقرب إلى الحياد السلبي دبلوماسياً وسياسياً، فبخلاف إشارات التقارب الإعلامية في العلاقات المصرية-السورية، فلا يوجد خطوة ايجابية بارزة تجاه المبادرة الروسية وفعالياتها إلى الآن.

في المقابل، تستمر الرياض في النظر إلى القاهرة على أنها تابع لا حليف؛ فمصر خارج أية مشاورات إقليمية ودولية تجريها السعودية بشأن أي من الملفات المهمة كسوريا واليمن. وهنا كان من المفترض والبديهي أن تستغل مصر المبادرة الروسية في توسيع هامش مناورتها السياسية مع السعودية أولاً، وثانياً كبحث عن دور إقليمي فاعل، حتى على مستوى محددات مصالحها شرقاً في سوريا وغرباً في ليبيا، خاصة وأن مكونات الرؤية السعودية أخذت في التلاشي، وآخرها مسألة النظام السوري الذي تتمسك الرياض برحيله، فحالياً حتى الموقف الأميركي بهذه المسألة قد تغير، وهو ما يعني أن الرؤية السعودية ككل قد فُرغت من مضمونها، وسبب التباين الرئيس بين القاهرة والرياض حول سوريا، وهو بقاء الدولة السورية ووحدة أراضيها، أصبح بلا جدوى ويبقى فقط تخريج الموقف الجديد في صورة تحفظ ماء وجه المملكة، ولكن هذا لا يبرر التباطؤ المصري وانتظار موقف سعودي واضح المعالم.

من ناحية أخرى فإن القوى الدولية لم تلتفت إلى تخبط الفاعلين الإقليميين وعلى رأسهم السعودية لبلورة مقترحات ومبادرات للأزمة السورية، فاستغلت موسكو أخطاء الإدارة الأميركية المتتالية في المنطقة وخاصة سوريا وفشل استراتيجية محاربة داعش، وبنت عليها مبادرتها الأخيرة التي أساسها محاربة داعش، وما تبعها من تشديد على موقف التمسك بالنظام السوري والطفرة العسكرية للتواجد الروسي في سوريا، لكن هذه المبادرة تحتاج إلى تطبيق إقليمي فاعل، سواء ميدانياً مثل الدولة السورية والجيش السوري وإيران وربما حزب الله، أو سياسيا عبر تأمين غطاء إعلامي مقبول، وهو الدور التي يتوجب أن تضطلع به دول مصر والسعودية.
 
واستنادا لما تقدم، يتوجب على القاهرة تحديد موقف متكامل واضح المعالم تجاه ما يحدث في سوريا يتجاوز التلميح والإشارات والرسائل غير المباشرة. ولذلك على مصر إن أرادت المحافظة على مصالحها المسارعة في اللحاق بالقاطرة الروسية المنطلقة، وعدم الالتفات إلى الموقف الضبابي المتخبط للسعودية. ولكن حتى الآن لا يبدو أن مصر ستخرج من هذا القيد قريباً، وبالحد الأدنى ستلزم سياسة اللعب في المنتصف ومسافة آمنة من الجميع، وهو لا يتناسب مع متطلبات اللحظة الحالية. بعبارة أخرى للكاتب السياسي المخضرم، محمد حسنين هيكل بسؤاله عن دور مصر الإقليمي حالياً: "ماذا نفعل.. نحن أمام ناس تائهة.. العصر طرح حقائق جديدة ومتغيرات جديدة.. ونحن خياراتنا كما هي، لم تتغير، ولا تصلح لمسايرة المتغيرات الجديدة".

2015-09-23