ارشيف من :نقاط على الحروف
بين ابو رخوصة وحيتان المال ... النظام الاحتكاري
لا يمثل نقولا شماس استثناء في الطبقة الاقتصادية الحاكمة . ما قاله هو لسان حال اعضاء نادي رجال المال والاعمال المتحكم بهذا البلد . انهم اعضاء "المافيا المزرعة" التي دأبت على امتصاص ثروات لبنان وحرمان شعبه منذ عقود طويلة . والنادي هو عبارة عن اسر وعائلات حددتها دراسات وكتب بثلاثين عائلة في اربعينيات القرن الماضي . وكتب في الستينات الباحث الاميركي مايكل هدسون عن استحواذ خمسين اسرة لبنانية للنشاط الاقتصادي في البلد الصغير .وفي العام 1952 وضعت السفارة الاميركية في بيروت تقريرتا بعنوان " الطبقة التجارية في لبنان وتقدير ثروتها " اشار الى 15 عائلة بارزة بلغ مجموع ثرواتها 245 مليون ليرة لبنانية اي ما يوازي 40% من الناتج القومي اللبناني للعام 1948 . وفي السبعينيات كثر الكلام عن سيطرة اربعين اسرة على ثلث رؤوس اموال الشركات المساهمة في لبنان وعلى سبعين في المئة من مبيعاتها وعلى نصف تجارة الاستيراد والتصدير . وكانت ثلاث اسر فقط تسيطر على 30 بالمئة من سوق الادوية والمواد الطبية ويحتكر 20% من الاسر الاربعين على 85 %من استيراد المواد الغذائية .
اما بقية العائلات فقد احتكرت القطاع المصرفي والتأمين والسياحة والنقل والمقاولات والعقارات .
لقد اختار معظم اعضاء النادي التحكم بالسياسة بطريقة غير مباشرة . فقد كان رجال الاعمال يمتنعون عن تولي مناصب السلطة مباشرة مكتفين بتوظيف افراد تابعين لهم في مواقع وزارية ونيابية . وقد مثل هؤلاء بامانة مصالح اصحاب المال والاعمال في البرلمان والوزارة والادارة .
حيتان المال
بعد الحرب الاهلية طرأ تغيير في عقلية اعضاء النادي . الارجح ان النموذج الذي قدمه رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري ساهم في هذا التغيير . شكل الجمع بين المال والسلطة اغراء لا يقاوم . قفز رجال الاعمال هؤلاء ليتبأوا المواقع السلطوية وليحكموا بشكل مباشر . حافظ البعض على التحفظ واختار البقاء في الظل . وربما لم يسعف الحظ كل الراغبين بالوصول الى المواقع السلطوية . فاختاروا ممارسة الحكم من خلال السهر على بنية النظام الاحتكارية . نقولا شماس احدهم . خروجه الى الواجهة من خلال تصريحه الاخير استدعته الضرورات القصوى . والضرورة عند هؤلاء هي مجرد المس او الاقتراب من مملكتهم وممتلكاتهم . يعكس نقولا شماس رغبة حيتان المال بالقيام بحرب استباقية .
على الرغم من ان الحراك لا يزال في بداياته وهو متواضع الى درجة لا تمكنه من تهديد المنظومة الاحتكارية ومن يدور في فلكها . الا ان القطط السمان لا يمكنها ان تتفرج حتى على حراك متواضع . استنفر هؤلاء . اشهروا اسلحتهم الطبقية والمذهبية .
واثناء قرع طبول الحرب التي ساهم فيها شماس بتصريحه الذي بات يعرف بـ" ابو رخوصة " . تبين ان الاحتكار الاقتصادي المتجذر في لبنان ما هو الا منهج ينسحب على الممارسة السياسية ومفهوم الوطن والشعب .
اللغة التي استخدمها شماس تستبطن الصورة التي يحملها اعضاء النادي للوطن ولهوية الشعب وللمشروع السياسي فضلا عن النظام الاقتصادي .. الوطن عند شماس هو ال100 كم مربع التي تتكثف فيها الاعمال الاقتصادية منذ ما قبل الحرب الاهلية وجاء مشروع الحريري الاقتصادي ليكرسها . عندما كان يرفع الحريري شعار " البلد ماشي والشغل ماشي" فهو كان يقصد احوال المئة كم مربع حيث الوسط التجاري وبعض مناطق الاصطياف والسياحة . عن المساحة نفسها يتحدث شماس . هواجسه تتركز في هذه الكلومترات لا اكثر ولا اقل .
اما الشعب اللبناني فيختزل بفئتين : المستهلكون المقيمون في هذه المساحة او الذين يمارسون سلوكهم الاستهلاكي هنا اضافة الى التجار والمصرفيين واصحاب الفنادق والمطاعم .
لا يقصد الشماس بطبيعة الحال المزارعين او الصناعيين الصغار او العمال والكسبة والموظفين والمياومين .لا تنطبق على هؤلاء المواصفات التي تخولهم الانتماء الى الوطن "المزرعة" الذي اسسه الشماس ومن يمثل ولا يزال يسهر هو واطراف سياسية على رأسها تيار الستقبل على سلامته .
.
اما العرب الذين يتحدث عنهم الشماس فليسوا الفلسطينيين ولا السوريين ولا حتى المصريين .؟ انهم اهل الخليج والاغنياء منهم تحديدا . . شماس نفسه كان عبر في احدى جلساته عن ترحيبه بالسفير السعودي في لبنان علي العسيري ووجه عبره التحية لابن عائلته الناطق باسم العدوان على اليمن . اهالي اليمن ليسوا محسوبين على العرب المطلوب ان تحافظ بيروت على وظيفتها وصورتها " المرموقة " في سبيلهم .
اما النظام الاقتصادي الذي يخاف عليه شماس فهو نظام الاحتكارات التي تتحكم في ايامنا بقطاعات المصارف والتجارة والترابة والتبغ والكسارات والنفط والدواء والمستشفيات والنقل والخلوي والمقاولات والنفايات ايضا .
اما النظام السياسي فهو الطائفي الاحتكاري . يحتكر الزعيم والافضل ان يكون رجل اعمال الناس . يحتكر السياسيون الامكنة . بيروت لفئة معينة . الاخرون دخلاء . من اجل ذلك استنفر تيار المستقبل وهو حارس بوابة النظام الاحتكاري ببعديه السياسي والاقتصادي العصبية المناطقية . حذر اهالي بيروت من غزو خارجي . استحضر نظرية المؤامرة . عمل على وهم الحاقدين على المدينة .
وفي مدينة حيتان المال وعصابة علي بابا الاحتكارية لا مساحة تتسع لسوق "ابو رخوصة "ولرواده الذين افقرتهم سياسات الشماس ومن يمثل . ليس لدى الناس الحقيقيين الذين يمثلون روح المدينة والوطن الا ان ينتزعوا ابسط حقوقهم من افواه الحيتان .