ارشيف من :آراء وتحليلات
’ وجود روسي’ مميز في سوريا بالتفاهم مع ايران
الموقف الروسي الاخير في سوريا فرض معادلة جديدة، وأربك الدول التي ساهمت بشكل كبير بالأزمة السورية. وجعلتهم يعيدون حساباتهم، وبالتالي اصطفافاتهم في ضوء دخول القوات الروسية على ساحة المعركة في سوريا. فكيف سيتعاطى الأميركيون والاسرائيليون مع ھذا "الوجود الروسي" الذي فاجأھم من حيث لم يتوقعوا لا في التوقيت ولا في المكان ولا في الطريقة؟!
نجح بوتين في أن يضرب ضربته، وفرض نفسه لاعباً أول ومفاوضاً من موقع قوة في الملف السوري. فھو يريد الاستفادة من الأزمة السورية للحصول على تأثير ودور دولي. كما يريد استعادة مكانة روسيا ونفوذھا في الشرق الأوسط بعد تراجع الدور الأمريكي الواضح في علاج قضايا المنطقة الشائكة وخصوصاً الأزمة السورية، وبالتالي استدراج أوباما الى موقعه وسياسته بأن تكون الأولوية في سوريا لمحاربة "داعش"، وأن يكون النظام السوري وجيشه شريكاً في ھذه الحرب وجزءاً منھا، ودافعاً في الوقت نفسه الجميع للھرولة في اتجاھه.
فللمرة الأولى منذ عشر سنوات يشارك بوتين في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليس لإلقاء خطاب ھام وإنما للقاء الرئيس أوباما على ھامش ھذه الاجتماعات بعدما فرض أن تكون الأزمة السورية بنداً أول على جدول أعمال اللقاء، مما دفع الرئيس أوباما إلى الطلب من مسؤولي الأمن القومي إعداد خيارات حول كيفية التعامل مع التحركات الروسية في سوريا، ومن بين ھذه الخيارت فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية، مثلما حدث بعد الأزمة في أوكرانيا واستيلائھا على شبه جزيرة القرم. لكن فرض العقوبات الاقتصادية لم يغيّر من حسابات موسكو، إضافة أن الدول الأوروبية قد لا تكون متحمسة لفرض جولة جديدة من العقوبات، وھناك خيار زيادة دعم المعارضة السورية بمعدات عسكرية وتدريبية. لكن ھذا الخيار قد يدفع موسكو الى مضاعفة نشر قواتھا العسكرية ورفع درجة المواجھة، وبالتالي هذا الخيار ربما يحتوي على المزيد من النتائج العكسية التي لا ترضي الإدارة الأمريكية والرئيس أوباما، الذي لطالما ألصقت به تھمة الفشل في سوريا، ووصفت الأزمة السورية بأنھا لطخة سوداء في سجله وعهده، ولم تنفع كل الحجج التي ساقها لتبرير موقفه منها. وخصوصاً الآن بعدما أوجد الروس واقعاً جديداً ليفرضوا شروطھم في التسوية..
وجود روسي مميز في سوريا
فخلال مقابلة مع عدد من الشبكات الأميركية، سُجلت قبل اجتماع بوتين المرتقب مع الرئيس الأميركي باراك أوباما قال:"إن الرئيس السوري بشار الأسد يستحق الدعم الدولي لأنه يحارب تنظيمات إرهابية".
وأضاف بوتين في مقتطفات من مقابلة مع شبكتي "سي بي إس" و"بي بي إس" الأميركيتين بثها الكرملين: "في رأيي تقديم دعم عسكري لكيانات غير مشروعة يتعارض مع مبادئ القانون الدولي الحديثة وميثاق الأمم المتحدة." وأكد:"أنه يجب ضم دمشق الى الجهود الدولية لمحاربة "داعش"، وهو مطلب ترفضه الولايات المتحدة، وانتقد الخطط الأميركية لتدريب 5400 من المسلحين لقتال "داعش".
في وقتٍ دعا منتقدون أوباما الى تبني سياسة أكثر حزماً إزاء الشرق الأوسط وسوريا، حيث تقول الأمم المتحدة:" إن غياب سياسة أميركية واضحة أتاح لتنظيم "داعش" الفرصة للتوسع".
وعلى خط التصريحات السياسية المعلنة مؤخراً والتي فرضها التدخل الروسي في سوريا، قال رئيس الحكومة الفرنسية السابق فرنسوا فيون، أحد كبار زعماء المعارضة اليمينية، إن "الوقت حان لإعادة النظر في استراتيجيتنا الدبلوماسية والعسكرية"، موضحاً:"أن الخيار الأفضل في الوقت الحاضر ھو القيام بعملية واسعة بالتعاون مع روسيا وإيران للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية."
هذا التصريح جاء على خلفية تصاعد دعوات من صفوف اليمين المتطرف لحث الحكومة الفرنسية على الانفتاح على النظام السوري وعلى رئيسه، وتوسع الضربات الجوية الفرنسية لتشمل الأراضي السورية أيضا ضد "داعش".
هذا التغير بالمواقف للساسة الأوربيين والبيت الأبيض دفع حليفهم نتنياهو للهروع إلى موسكو للوقوف على الإجراءات الروسية الجديدة في سوريا التي بموجبھا تم جلب خبراء وأسلحة جديدة متطورة تخشى إسرائيل أن تصل الى أيدي حزب الله.
فتل أبيب التي أعلنت مؤخراً من أن التدخل العسكري الروسي في سوريا لا يقلقها ولا تتعاطى معه كتطور استراتيجي خطير يمس مصالحھا الأمنية والسياسية. وبالتالي فإن التدخل الروسي يھدف الى منع سقوط أو إسقاط نظام الرئيس الأسد .
كما أن روسيا اليوم بحسب تل أبيب ليست دولة معادية لإسرائيل، لا بل على العكس ھناك علاقات وثيقة أسسھا وزير الخارجية الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان مع الرئيس الروسي بوتين. وتحاول إسرائيل أن تطورھا الى علاقات استراتيجية مستفيدة من واقع وجود ما لا يقل عن مليون روسي ھم مواطنون في إسرائيل. والأهم من كل ذلك ان اسرائيل تفهم تماماً حدود اللعبة والخطوط الحمراء... فإسرائيل لن تھاجم القوات الروسية ولا المواقع السورية التي يتواجد فيھا الروس، وروسيا ستتفادى وصول أسلحة نوعية وكاسرة للتوازن الى أيدي حزب الله.
لكن الذي يقلق تل ابيب هو ارتفاع منسوب التدخل الإيراني والمدى الذي يمكن أن يبلغه مع ورود معلومات عن انضمام مئات من مقاتلين مقربين من ايران للقتال الى جانب النظام السوري، ومع وجود توجھات إيرانية الى فتح جبھة جديدة ضد إسرائيل من خلال ھضبة الجولان. فالإسرائيليون يدركون أن العودة القوية للدور الروسي في المنطقة ھو النتيجة المباشرة لضعف الولايات المتحدة وسياسة الرئيس أوباما... ويدركون أيضا أن خيارات إسرائيل العملانية محدودة بمعزل عن الخطة الأميركية في سوريا والمنطقة، وليس أمامھا إلا انتظار أو استدراج الولايات المتحدة لممارسة ضغوط مضادة تؤدي الى كبح الاندفاعة الروسية، والى وضع ضوابط وقيود للخطة الروسية - الإيرانية في سوريا...
لكل هذه الأسباب وجد نتنياهو نفسه انه مضطر إلى التحاور مع بوتين للحصول على مزيد من التطمينات التي تجلت في رد الرئيس بوتين:" نعيّ أنه يجري إطلاق قذائف على إسرائيل، ونستنكر هذه الاعتداءات. وأعلم أن هذه القذائف تطلق من منظومات محلية الصنع. أما سوريا فنعلم أن الجيش السوري موجود في حالة لا تسمح له بفتح جبهة جديدة. وهدفنا الرئيس هو الدفاع عن الدولة السورية. ومع ذلك، أتفهم قلقكم ويسرني جدا أنكم وصلتم إلى هنا، لمناقشة جميع هذه القضايا بشكل مفصل"
في حين أكد نتنياهو :"ان اسرائيل لا تتدخل في سوريا وهي ليست جزءاً من الازمة السورية، الا اننا جزء من الشرق الاوسط، وشاهدنا الروس يصلون الى هناك، و«كان من المجدي ان اقوم بهذه الزيارة كي امنع التصادم المحتمل بين القوات الاسرائيلية والقوات الروسية"
وعلى خلفية لقاء بوتين – نتنياهو ، ورد في تقرير القناة العاشرة الاسرائيلية في صدر نشرتها الاخبارية المركزية:" ان قدرة العمل لدى الجيش الاسرائيلي في سوريا تقلصت". وقدرت هذه المصادر ان هامش المناورة الكبير نسبياً، الذي كانت اسرائيل تتمتع به في السنوات الاخيرة في ظل الحرب في سوريا، آخذ بالتقلص بعد التدخل الروسي هناك".
وبحسب المصادر نفسها، «لا يبدو ان بإمكان اسرائيل من الآن وصاعداً، أن تشن هجمات في منطقة دمشق، خشية ان يفهم الروس ذلك على انه خرق لسيادة الرئيس السوري، بشار الاسد، كما ان توجيه ضربات الى شحنات نقل السلاح من سوريا الى حزب الله، يجب من الآن وصاعداً ان تكون فقط على الحدود اللبنانية"
ولفتت الى ان لروسيا مصالح في سوريا وفي المنطقة اكبر بكثير من المشاكل الاسرائيلية، «اذ أن هدف بوتين هو الحفاظ على نظام الرئيس الاسد، وهو غير مستعد للتضحية بمصالحه وهامش حرية عمله، مقابل ما تطلبه اسرائيل».
وفي النهاية موسكو تسعى الى حفظ موقع سياسي وجغرافي لها على الخارطة السورية والاحتفاظ بوجودھا على المياه الدافئة"، إضافة الى "خلق توازن في النفوذ مع تركيا المتأھبة للتدخل أكثر في شمال سوريا"، خصوصا وأن الاتفاق الأميركي - التركي على المنطقة الآمنة دفع بروسيا للتحرك وحجز منطقة لھا تماثلھا.
وھناك نقطة يضيء عليھا محللون وترتبط بقضية حفظ موقع اقتصادي للشركات الروسية من غاز المتوسط المنتظر استخراجه قريبا في سوريا وقبرص ولبنان وإسرائيل، فضلا عن منع خط أنابيب الغاز الذي حُكي عنه في العام 2012 ، ويمتد من إيران الى العراق، وصولا الى البحر المتوسط عبر البادية السورية. وازاء ھذه القضية تعتبر روسيا أن لھا مصلحة بالتواجد على الأرض من اجل تقاسم النفوذ مع ايران وهي مصدر منافس لروسيا بالغاز الى أوروبا.
وبالتالي فإن التدخل العسكري الروسي في سوريا جاء انتقاماً من بوتين ورد على الخديعة الأميركية الأوروبية في ليبيا بخديعة مضادة في سوريا، والعنصر الأبرز في ھذه الخديعة ليس عنصر المفاجأة والمباغتة فحسب وإنما في تحديد ھدف التدخل العسكري المباشر في محاربة "داعش"، مثبتاً بوتين بذلك أن سوريا ليست ليبيا وأن ما حدث معه ھناك لن يتكرر ھنا، وبذلك خلط بوتين الأوراق من جديد، لكن هذه المرة على الطريقة الروسية ومن منظار مصالحها في الشرق الأوسط والأبيض المتوسط كقوة استراتيجة عسكرية، فوجودها في ساحة المعركة السورية سيؤدي بالتأكيد إلى خلق توازنات جديدة ورهانات وحصان الحل لأزمات المنطقة مستقبلاً....انطلاقاً من سوريا وبالتفاهم مع ايران وهذا ما برز من خلال اللجنة الأمنية المشتركة في بغداد والتي تضم ايران وروسيا والعراق وسوريا .