ارشيف من :ترجمات ودراسات
أوروبا... عندما تصر على تدمير ذاتها
الكاتب Edouard Limonov كاتب ورجل سياسة وزعيم حزب "روسيا الأخرى"
الموقع alterinfo
15 أيلول / سبتمبر 2015
العملية تسير على قدم وساق، إنها عملية التدمير الذاتي للغرب.الكاتب والرجل السياسي إدوارد ليمونوف يشرح العوامل التي تجعل الهجرة الحالية نحو أوروبا وتداعياتها شبيهة بـ 11 أيلول 2001.
بعد 11 أيلول 2001، تغير العالم. ولكن نحو الأسوأ.
وقد لاحظنا هذا التغير بوضوح في المطارات. فتفتيش المسافرين الذي يشبه تفتيش السجناء كما تشبه نقطة الماء نقطة ماء أخرى أصبح أمراً عادياً تماماً. لقد خبرتم ذلك بالتأكيد، ولا أريد أن أشرح لكم ما أنتم على علم به.
العالم أصبح أقل ديمقراطية على الأرجح. فمنذ مأساة 11/9، أصبحت الشرطة أكثر حضوراً، وازدادت الممارسات الشمولية في كل مكان: في الولايات المتحدة وفي أوروبا العجوز والغافلة.
وكي تعاقب الولايات المتحدة جهة ما على هجمات 11/9، عمدت إلى غزو أفغانستان - التي كانت تعيش بهدوء في نسختها السلمية من القرون الوسطى- بحجة أنها كانت تؤوي ابن لادن، وأن هذا المخرب السعودي كان قد شن هجمات إرهابية على نيويورك وواشنطن. وبهذا الخصوص، أعتقد شخصياً أن قائد تنظيم القاعدة اكتفى ببساطة أن ينسب إلى نفسه شرف تنفيذ أكبر عمل إرهابي في التاريخ.
لقد عشنا جميعاً في هذه السنوات الأربع عشرة المنصرمة في مناخ حريات متراجعة يميزها غياب للحرية شبيه بالممارسات التي يصفها جورج أورويل في كتابه "1984" والتي أصبحت متجذرة أكثر فأكثر في حياتنا. لم نصل بعد إلى الفاشية، بل إلى نمط خاص من أنماط الشمولية المتولدة بالتأكيد عن الخوف، الأمر الذي لا يجعل الأمور أكثر سهولة ويسراً.
وللتعويض عن تقليص حريات المواطنين السياسية وعن استحداث ممارسات قمعية، لجأت كل من أوروبا والولايات المتحدة -بطريقة مىيبة- إلى التركيز على الحقوق الثانوية للأفراد.
أقصد بالتحديد أن شغف حكوماتنا في أوروبا والولايات المتحدة بالحب وبالزواج بين أبناء الجنس الواحد، وحماسها الذي تجيش فيه المشاعر الإنسانية لحقوق المعاقين ولتبني الأطفال المرضى والأجانب، وما إلى ذلك، لأن القائمة طويلة، كل ذلك يسير جنباً إلى جنب مع تشدد الحياة السياسية وتعزيز سلطات الشرطة في الغرب.
وعلى هذه الوتيرة، سارت الأمور حتى السنوات الأخيرة. لكن السنوات 2013 و2014 و2015 حملت لنا مفاجآت جديدة، وستكون هنالك مفاجآت أخرى. فأوروبا هي اليوم أمام خيارين : إما أن تتجه نحو القومية النشطة المقترنة بمظاهر نازية أو فاشية، وإما أن تتغير بشكل كلي. لأن المشكلة المتمثلة باجتياح المهاجرية لأوروبا هي أسوأ ما واجهته أوروبا من تحديات في تاريخها كله.
ما هي طبيعة الوضع ؟
لقد تدهور نظام الدولة في العديد من البلدان المهمة نتيجة لسياسة العدوان التي تتبعها كل من الولايات المتحدة وأوروبا. فقد تعرضت أفغانستان والعراق وليبيا، وأخيراً سوريا، للهجوم من قبل الغرب. لكن الحروب التي يزعمون بأنها حروب من أجل "حقوق الإنسان" والصراعات العسكرية التي يثيرها الغرب كانت وما زالت عبارة عن اعتداءات مغلفة بغلاف جديد هو حقوق البشر وهدفها هو إخفاء طبيعتها بما هي أكل للحوم البشر.
بشكل مباشر أو غير مباشر، تمت زعزعة الاستقرار في إفريقيا، حيث أدت المواجهات بين "الطيبين" و"الأشرار"، كما في مالي التي تشكل المثال الأكثر سطوعاً، إلى تدمير أنظمة الدول في بلدان القارة.
من جهتها، عمدت أوكرانيا إلى تدمير دولتها بنفسها على ما يبدو. ولكن ألم يشجعها على ذلك كل من الأميركيين والبولنديين والهولنديين والألمان والفنلنديين والفرنسيين والبلطيقيين الذين تناوبوا الكلام في ساحة "ميدان"؟ ينبغي إذن أن نضيف أوكرانيا إلى قائمة الدول المدمرة. لقد قام اليانكي والأوروبيون بتحريض متظاهري "ميدان" بشكل منهجي ضد روسيا، حيث بات من المهم أن نستنتج بأنهم ما زالوا يكرهوننا بالقدر نفسه من الشدة مع أن روسيا لم تعد بلداً شيوعياً أو سوفياتياً. لقد بات من الواضح اليوم، وهذا ما لا نأمله على الأقل، أن عداءهم للشيوعية وللسوفيات لم يكن غير غطاء لعدائهم تجاه روسيا.
والآن، ها هي الشعوب والقبائل ترحل عن بلدانها المدمرة.
ولكن إلى اين ؟
الشواطئ الأميركية بعيدة جداً، ولا يمكن لمراكب سريعة العطب أن تجتاز المحيط.
أما جزيرة لامبيدوزا الإيطالية فهي غير بعيدة عن الشواطئ الليبية المدمرة. واليونان قريب بدوره.
لجهة داعش، يمكنها أن تكون غنية ومرعبة وماكرة، لكنها لا تمتلك الوسائل الضرورية لتنظيم نزوح أعداد كبيرة من اللاجئين. ولا أعتقد للحظة أن شياطين الجحيم هؤلاء قد أرسلوا مئات الألوف من اللاجئين باتجاه أوروبا. ليست داعش هي من أرسلهم.
معظم الذين يتدفقون على أوروبا هم رجال في مقتبل العمر، لأن الرجال يتمتعون بقوة لا نجدها عند النساء والأطفال. يمكنهم أن يتحملوا المصاعب والآلام المرافقة لرحلة يجتازون فيها بحاراً ثلاثة قبل الوصول إلى ألمانيا، قلب أوروبا الغنية.
من هم الذين يهربون من الحرب أو من الدمار والفقر. من هم الذين يهربون من تداعيات الحرب ؟ من الصعب أن نجري عملية فرز. حتى أكبر أستاذ في السوربون يعجز أمام مثل هذه المهمة. لأن الفئات الثلاث موجودة بين صفوف اللاجئين.
أنتم أيها الأوروبيون والأميركيون من ركل برجله عش الدبابير. فلماذا تشتكون الآن؟ الذنب ذنبكم! كي لا يتدفق اللاجئون إلى بلدانكم، يجب أن تجعلوا ظروف استقبالهم صعبة لا تطاق. لكنكم لن تفعلوا ذلك. لا لأنكم أناس طيبون. لأنكم في الحقيقة غير طيبين، ولكنكم تجدون أن من المهم بالنسبة لكم أن تظهروا عن أنفسكم صورة جميلة. صورة إنسانية بعد أن غسلتم أيديكم بدماء المواطنين في بلدان مزقتموها شر ممزق.
وكما في 11 / 9 / 2001، فإن المهاجرين سيغيرون العالم إلى الحد الذي تستحيل معه إمكانية التعرف إليه (صور محطات القطارات في بودابست قوية إلى حد الصدمة. هذه الوجوه التي نشاهدها في الصور وعلى أشرطة الفيديو هي وجوه الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا، لا وجوه أوروبا). لقد بدأوا بتغيير العالم بالفعل.
لا بد من واحدة من اثنتين.
إما أن يعتنق الناس في أوروبا ديناً جديداً وتصبح عيونهم سوداء وبشرتهم قاتمة. هذا لا علاقة له بالعنصرية (في حال رغب البعض بتوجيه هذه التهمة إلي)، ولكن مواطني ألمانيا سيصبحون شبيهين بمواطني الشرق الأوسط.
وإما أن تنشأ دول فاشستية تأخذ لنفسها مواقع خلف الأسلاك الشائكة والجدران والبنادق الرشاشة. ولا وجود لأي حل ثالث.
علمت للتو أن في روسيا 2،5 مليون لاجئ جاؤوا من أوكرانيا (2503680 شخصاً). لكن هؤلاء لا يمكن تمييزهم عن الروس. إذن استيعابهم لا يشكل مشكلة بالنسبة لنا. لنا ولهم العيون نفسها والبشرة نفسها والدين نفسه. ولا يجد الأوكرانيون أية مشكلة في الاندماج في روسيا. نحن إذن في وضع أفضل من الوضع السيء القائم في أوروبا والمحكوم بأن يأخذ الشكل الذي أخذه طيلة قرون خمسة.
هذا يؤلمني حقاً. أفضل أن أحتفظ بأوروبا العجوز. ولكن، يبدو أنه لم يعد يمقدورنا أن نختار، وأن أوروبا معادية لروسيا على كل حال. إذن، لتختف من الوجود !
سيرورة التدمير الذاتي للغرب غير قابلة للتوقف. إنها، على ما كان يقوله غورباتشوف "تسير إلى الأمام".
لقد شهدنا التدمير الذاتي للاتحاد السوفياتي، والآن جاء دور أوروبا. لكل طريقته في تدمير نفسه.