ارشيف من :نقاط على الحروف
تغريدات الحريري ...والعيش في جلباب السعودية
يحار المرء من اين يبدأ في التعليق على تغريدات الحريري حول حادثة حجيج منى . التغريدات التويترية وضعت الرجل في موقع حرج . السبب ببساطة ان الحريري نطق بما لا يفقهه ، وهذا من اصعب المواقف التي يمكن ان يوضع فيها مسؤول سياسي .
تناول الحريري في تغريدته موضوعا هو من اكثر القضايا الاشكالية على المستوى الديني . القضاء والقدر. لبس الرجل جلباب رجل دين ليتحدث عن ان رد الفعل المناسب على فاجعة منى هو ارجاعها الى القدر المحتوم الذي لا يمكن تغييره . فالمطلوب اذن الصمت والتستر وعدم التساؤل حول الاسباب وعدم المطالبة بالمحاسبة.
فلنتخيل ان كلام الحريري جاء في مقابلة تلفزيونية يجريها صحفي يتمتع بالحد الادنى من المهنية وهذا يفترض بطبيعة الحال ان لا يكون الصحفي من جماعة "البايرول" وان لا تكون المؤسسة الاعلامية من مؤسسات الوهابية السعودية . سيطلب الصحفي بطبيعة الحال من الحريري تقديم توضيحه او فهمه او شرحه لمقولة "ان لمكة رب يحميها" . هل تنبىء ثقافة الحريري ومسيرته المهنية والشخصية انه سيكون قادرا على اعطاء الاجابة المناسبة ؟ بالطبع لا .
ماذا لو ذهب الصحفي المفترض ابعد من ذلك وسأل الحريري عن السبب الذي منعه من اعتماد نفس المنهجية في مقاربة مقتل ابيه ؟ اولم يكن لرفيق الحريري رب يحميه ؟ ولماذا لم يضع الحريري الابن الاغتيال في خانة القدر المحتوم الذي يستدعي وفق منطقه التسليم وعدم المساءلة فضلا عن المحاسبة ؟
المشكلة اذن التي تظهرها التغريدة وغيرها من التصريحات والبيانات التي تصدر عن رئيس الورزراء السابق ان الاخير دون مستوى مستشاريه وهذا يشكل مقتلا للسياسي . يبدو واضحا ان التغريدات والبيانات لا يكتبها الحريري او على الاقل لا يوحي لكتبته بمضمونها وتوجهها .
سعد الحريري يعيش في جلباب ال سعود
وهذه لم تكن حال ابيه المتقدم على المحيطين به في العلاقات والمعارف والخبرة والتجربة .. يسجل للحريري الاب ذكاؤه ودهاؤه اضافة الى شبكة علاقات عربية ودولية ساهمت في صناعة صورته ودوره .
معاناة الحريري الابن لا تقتصر على المستشارين فقط . مضمون التغريدة يعكس عمق الازمة مع العائلة المالكة السعودية وامرائها . عوارض هذه المعاناة تظهر بوضوح وفي اكثر من مناسبة و من خلال تقارير صحفية عديدة تتحدث عن التناقضات المالية والسياسية والشخصية التي تحكم العلاقة بين الطرفين .مضمون التغريدة الاخيرة يظهر الحريري ملكيا اكثر من الملك . وسعودي اكثر من السعوديين . مزايدا حتى على اعضاء العائلة المالكة .يسعى سعد الحريري لتحسين شروط اعتماده لدى الامراء الجدد . يتحدث بلغتهم ويتقمص منطقهم ويعيش في جلبابهم .يتحدث دون اي تردد عن من يصفهم بالقيادة التي نذرت شبابها وشعبها لخدمة ادارة الحاج !!! مرة جديدة يبدو الحرير منفصلا عن الواقع . الا يعلم بحوادث الحج العديدة والمتكررة التي ادت الى مقتل الالاف من الحجيج خلال العقود الماضية ؟ ام انه يتماهى مع الامراء الذين تبادلوا التهاني على حسن سير لمراسم هذا العام بالرغم من تسجيل حادثتين مأساويتين وليس واحدة ؟
حسم الحريري امره بتبني اسلوب ال سعود الديكتاتوري والرافض للحقائق والمزايد على الوقائع الى حد الوقاحة . يظهر الحريري في تغريدته حساسية مفرطة تجاه اي رأي اخر مختلف كما تجاه اي ملاحظة او تساؤل . اين المشكلة في طرح مشاركة الدول الاسلامية لادارة شؤون الحج ؟ يعتبر الحريري ان المطالبين بهذه النقطة الموضوعية والمنطقية والمحقة ذهبوا بعيدا . ما هي نظرة الحريري للبعد والقرب ؟ ووفق اي معيار يصنف الطروحات ؟
الجواب لا يمكن فصله عن المنطق الديكتاتوري للحريري الذي لم يكلف نفسه عناء التعليق على القضية التي كان ينتظر الكثيرون من اللبنانيين (ابناء بلده الثاني ) التعليق عليها وهي قانون الانتخاب وفق النسبية . تجاهل الحريري الامر وذهب بعيدا ومرة جديدة الى قضايا هي في صلب اهتمامات وطنه الام والامراء الحاكمين فيه . يستحضر الغارات على الحوثيين خارج اي سياق منطقي انما ضمن محاولة يائسة لشرعنة العدوان السعودي على اليمن .كذلك مقاربته للملف السوري .
يتجاهل الحريري ان لسوريا ايضا رب يحميها . وقد كرس لها مقاومون ابطال استطاعوا اداء المهمة على احسن وجه وهذا ما يغضب الحريري ومرجعيته السعودية . اما مكة فلا شك ايضا ان لها رب يحميها ولكن هناك من خان الامانة الالهية فعبث بارواح الحجيج . يعرف الحريري جيدا هؤلاء الخونة . يشاركهم مجالسهم . ومنهم صبية لا يمنعهم استهتارهم ورعونتهم عن التسبب بقتل الانفس المحترمة وهؤلاء لا يؤتمنون على حج وحجيج .