ارشيف من :أخبار لبنانية
الصحف الأجنبية: موسكو تتفوق على واشنطن في إدارة المنطقة
المشاركة العسكرية الروسية في سوريا هيمنت على الصحف الغربية، التي وصفت هذه الخطوة بانها قناعة روسية بضرورة التحرك ضد عالم القطب الواحد و الفوضى الناتج عن السياسات الاميركية، مؤكدة ان الرئيس الروسي بات هو الذي يحدد مسار الاحداث في المنطقة.
كتبت الباحثة "ماشا غيسين" مقالة نشرت في صحيفة نيويورك تايمز تطرقت فيها الى الرؤية العالمية لدى الرئيس الروسي فلادمير بوتين. وقالت الكاتبة ان بوتين يعتبر السلوك الاميركي بتصديره لما يسمى "الثورات الديمقراطية" التي تتسبب بالفوضى والعنف يشكل تهديداً للنظام العالمي تحت مظلة الامم المتحدة.
وحسب الكاتبة فان الايديولوجية الروسية تتركز على نظرية صراع الحضارات، ذلك الصراع القائم بين القيم التقليدية والغرب، حيث تسعى روسيا بهذا السياق الى حماية القيم التقليدية. وتحدثت الباحثة عن نظرة بوتين تجاه الولايات المتحدة على اساس ان الاخيرة قوة توسعية، حيث اشارت بهذا الاطار الى ما قاله الرئيس الروسي في خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة عن توسع حلف الناتو و"منطق المواجهة" الذي انتج "ازمة جيوسياسية كبرى" في اوكرانيا.
واعتبرت الكاتبة ان بوتين يرى ان هذا هو ما حدث في سوريا: "وقفت اميركا مع المحتجين الذين نزلوا الى الشوارع عام 2011"، و ان ذلك ادى حتماً الى الفوضى، ونوهت بطرح بوتين انشاء تحالف دولي ضد الارهاب من اجل محاربة داعش على غرار التحالف ضد هتلر، والذي يؤكد ان الحرب ضد الشر الاكبر دفع بالدول على مر التاريخ بوضع خلافاتها جانباً، وأضافت: "الحرب على داعش هو سبب وجيه لوقف الحديث عن اوكرانيا".
ورأت الكاتبة ان بوتين عازم على ان يتم الاعتراف بروسيا مجدداً على انها قوة عظمى، تساوي الولايات المتحدة على اقل تقدير لجهة تقرير مصير بلد مثل سوريا، مشيرة الى أن روسيا تريد من الغرب السماح لها بمواصلة تقسيم اوكرانيا و"عرض عضلاتها" - وفق زعمها - في اجزاء واسعة من المنطقة اليورو آسيوية.
من جانبه، اعتبر الصحفي الاميركي الشهير توماس فريدمان، في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" ان اوباما على صواب بعدم رغبته التورط بشكل اكبر في سوريا. وادعى ان التحرك الروسي الاخير في سوريا عمل "متهور وغبي" - حسب وصفه- وسيؤدي الى تعزيز العداء السني لبوتين، معبتراً ان السبيل الوحيد لنزول الرئيس الروسي من اعلى الشجرة هو ان تساعده اميركا على التوصل الى حل سياسي في سوريا.
الكاتب شدد على ضرورة تطابق الخطاب مع المصالح في سوريا، معتبراً ان مصالح اميركا حالياً تتمثل بالقضاء او احتواء التهديدين الاساسيين: داعش و ازمة اللاجئين، ورأى أن تحقق الديمقراطية المتعددة الطوائف في سوريا يتطلب مساعدة امريكا، مؤكدا أن ذلك لن يتم من خلال تسليح المزيد ممن اسماهم "المعارضين السوريين المعتدلين". وسأل: كم هو عدد العرب والمسلمين الذين ذهبوا الى سوريا من اجل الترويج للديمقراطية المتعددة الطوائف؟ ليجيب: صفر على ما يبدو.
وأكد أنه لا وجود لمعارضين سوريين معتدلين متمسكين بالمعتقدات ويحاربون من اجل الديمقراطية، على خلاف المسلحين "الجهاديين" الذين يتمسكون بمعتقداتهم وإن كانت مشوهة، واعتبر أن التوصل لوقف دائم لاطلاق النار سيؤدي الى وقف تدفق اللاجئين، وانه لو استطاعت واشنطن القيام بذلك تكون قد انجزت الكثير.
بدوره، قال محرر الشؤون الدفاعية في صحيفة "دايلي تلغراف" البريطانية "كون كوغلن" ان لقاء الرئيس الاميركي مع نظيره الروسي على هامش جلسات الجمعية العامة في نيويورك قد يذكر على انه نقطة التحول الاساس عندما يكتب عن "تاريخ تراجع النفوذ الاميركي في المنطقة".
ورأى الكاتب ان بوتين قد ملأ الفراغ الذي تركه اوباما جراء عدم استعداد الاخير اظهار القيادة الفاعلة بالتعاطي مع الازمة السورية، مشيراً في هذا السياق الى التدخل العسكري الروسي في سوريا الذي لا شك وانه تم عمداً بالتزامن مع جلسات الجمعية العامة.
وقال الكاتب ان خلافاً لاوباما، لطالما كانت لدى بوتين طموحات لجهة تقوية مكانة روسيا في العالم العربي. و من هذا المنطلق لفت الكاتب الى ان بوتين، الذي كان ضابطاً في جهاز الاستخبارات الروسية (كي جي بي)، على دراية تامة بالمعارك التي خاضها الاتحاد السوفياتي مع وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي اي) خلال فترة الخمسينيات و الستينيات من اجل الهيمنة على المنطقة وعلى مخزونات النفط في بلدان مثل ايران والعراق ومصر. كما اضاف الكاتب ان اهتمام بوتين الشخصي بمنطقة الشرق الاوسط قد ازداد منذ ان اصبح رئيساً عام 2000.
كما أشار الى ان اوباما قد اوضح خلال العامين الماضيين بان اولويته هي ابرام صفقة مع ايران، وان الدبلوماسيين الروس قاموا بهذا الوقت بنشاط يرمي الى تعزيز العلاقات مع البلدان العربية الغاضبة من ابتعاد اوباما عن حلفاء واشنطن التقليديين. واضاف انه في الوقت نفسه، قدم بوتين الدعم المتين لنظام الاسد، وانه هو الذي يتحكم بالاحداث في سوريا وليس اوباما، وذلك بعد تعزيز الدور العسكري الروسي هناك.
كذلك لفت الكاتب الى ان الامر الاكثر "اذلالاً" حتى لاوباما يتمثل بكون ايران تساعد الرئيس الروسي في مسعاه لانقاذ نظام الاسد، وذلك بعد مرور ثلاثة اشهر فقط على توقيع اتفاق بين واشنطن وطهران من المفترض ان يفتح عهدا جديدا من العلاقات بين البلدين.(حسب تعبير الكاتب)
و في هذا الاطار، استبعد الكاتب ان تغير ايران موقفها تجاه "القضايا الاقليمية مثل حماية الرئيس الاسد"، معتبراً ان استمرار بقاء النظام في دمشق يعد مسألة حيوية لجهة الحفاظ على مصالح طهران في المنطقة.
من جهته، اعتبر موقع "Defense One" الاميركي، المختص بالقضايا العسكرية، ان التدخل العسكري الروسي الاخير في سوريا كشف حدود استراتيجية الرئيس الاميركي "باحتواء النزاع عسكرياً بينما يبحث عن خروج سياسي لبشار الاسد". و نقل الموقع عن لسان مسؤول اميركي قوله بان تصعيد الموقف الروسي قد اجبر واشنطن على "اعادة التركيز على الحقائق على الارض".
كما رأى الموقع ان من خلال ادخال المعدات العسكرية الى سوريا، فان روسيا تساهم بتحديد المرحلة المقبلة من النزاع، وان هذا الحراك الروسي يظهر ان موسكو هي التي ترسم المنطقة حالياً، وليس واشنطن.
ونقل الموقع عن المسؤول الاميركي نفسه بان خطوات موسكو ربما تجبر الادارة الاميركية على اعادة النظر باتفاق مرحلي يبقي الاسد بالسلطة.