ارشيف من :آراء وتحليلات

على العهد: تفخيخ المزارع

على العهد: تفخيخ المزارع
كتب ابراهيم الموسوي

مرة جديدة تعود قضية مزارع شبعا المحتلة الى الواجهة، وتتزامن هذه العودة مع قرب إبرام صفقة التبادل بين المقاومة والعدو الاسرائيلي، وكذلك مع استمرار المفاوضات السورية ـ الاسرائيلية غير المباشرة وبرعاية تركية حول قضية الجولان المحتل.
تزامن الطرح المتجدد لقضية المزارع مع هذه التطورات يحمل دلالات كثيرة، ليس اقله الرغبة الاسرائيلي، وكذلك الرغبة الاميركي في تثمير زخم السياق التفاوضي على غير جبهة للخروج بانجاز ما ايضاً قبل اشهر من خروج بوش وطاقم إدارته من البيت الأبيض بعد سلسلة الهزائم الشنيعة التي منيت بها، ولا تزال تُمنى بها هذه الادارة في أفغانستان والعراق وسوريا مروراً بلبنان وصولاً الى فلسطين.
كان لافتاً الأداء المتواضع واللهجة الخفيفة التي استخدمتها وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس خلال زيارتها القصيرة الى بيروت، فهي تكلمت عن دعم لبنان في ظل العهد الجديد، وتكلمت ايضاً عن مزارع شبعا، وضرورة ان يستعجل لبنان بدء المفاوضات مع العدو الاسرائيلي تأسياً بسوريا كي يحصل على "هدية" وضع مزرع شبعا في عهدة لامم المتحدة بدلاً من بقائها تحت الاحتلال. اذاً وبحسب المنطق الاميركي فانه مطلوب من لبنان ان يفاوض "اسرائيل" كي يحصل على شبعا في عهدة الامم المتحدة وهو ما يمكن ان يرقى الى مستوى تفخيخ المزارع بشروط لتفاوض.
الواضح ان واشنطن وحلفائها الغربيين والعرب وأذنابها المحليين يريدون إعادة طرح قضية سلاح المقاومة على الطاولة مجدداً، ومن منظور جديد, فلم يجدوا أفضل من إعادة تعويم ملف مزارع شبعا، انطلاقاً من نظرية سحب الذرائع وأسباب الاحتفاظ بالسلاح، ولكن ما تغافل عنه هؤلاء مجتمعين قصداً، هو أن لبنان قد دخل في هذه التجربة سابقاً، دخل لبنان تجربة التفاوض مع العدو الاسرائيلي وكانت نتيجتها اتفاقية الذل والعار في 17 ايار 1983، كما ان هناك مسلسلاً طويلاً ومستداماً ومفتوحاً للتفاوض مع العدو الصهيوني لم يؤد إلا إلى الخسران ومزيد من الاستيطان والشروط التعجيزية والمماطلة والقتل على المسار الفلسطيني، يصلح هو ايضاً كنموذج لنتائج التفاوض مع هذا العدو.
ويالمقابل، فان لبنان جرَب المقاومة وخبر نتائجها التي جاءت بالتحرير المشرّف وبالسيادة الكاملة للشعب والدولة على أرضهما، وكذلك خبر تجربة المقاومة في فلسطين وما ادت اليه من تحرير لقطاع غزة، وإرساء لمعادلات جدية تعطي بعض المنعة والقوة للموقف الفلسطيني، فلم ينجرّ لبنان مجدداً إلى المفاوضات التي حددت نتائجها سابقاً، وهي غياب السيادة عن منطقة المزارع، ووضعها في عهدة الأمم المتحدة الى ما شاء الله.
قد تعود شبعا إلى كنف السيادة اللبنانية بالوسائل الدبلوماسية، وإذا حصل، فإنما يحصل بسبب المقاومة وما قدمته من تضحيات أثمرت تحريراً يليه تحرير، وفرضت على العدو أن يفكر بالإنسحاب من الأرض صاغراً وعن خوف، ولكن ما يجري طرحه اليوم لا يلبي طموحات اللبنانيين ودولتهم بالسيادة الكاملة، وما قدمته المقاومة من تضحيات جسام يزيد ثمنه كثيراً عما تعرضه رايس وغيرها من الزعماء الغربيين، ما يعرضه هؤلاء ،لا يرقى بأي حال إلى مستوى ما قدمته، ويمكن أن تقدمه المقاومة بفعل التحرير.
ربما على هؤلاء أن يعيدوا حساباتهم مجدداً، فدفتر حساب لبنان مع العدو الصهيوني مليء بالملفات، بدءاً بشبعا، والتهديدات والأطماع، ومن غير الانتهاء بقضايا اللاجئين.
الانتقاد/ العدد 1273 ، 17 حزيران/ يونيو 2008
2008-06-17