ارشيف من :نقاط على الحروف
الخاشقجي يترنح بين الغباء والوقاحة : هل هناك ما هو اسوأ؟
ينضح نص الكاتب السعودي جمال خاشقجي بالغباء والوقاحة؛ العبارتان اللتان أوردهما في مقالته التي تحمل عنوان "هل هناك ما هو اسوأ"، والتي نشرها يوم السبت الماضي في صحيفة "الحياة"، جاءتا في معرض اتهام الخاشقجي لخصومه. الا ان السحر انقلب على الساحر فبدت المقالة مزيجا من الوقاحة والغباء يضاف عليهما انفصال عن الواقع الى حد الهلوسة. في الحقيقة ان اول انطباع يتبادر الى ذهن القارىء بعد قراءة سطور الخاشقجي انه بالفعل ليس هناك ما هو اسوأ مما كتبه احد ابرز مستكتبي آل سعود.
هدف الكاتب هو شيطنة الطرف الروسي على خلفية حضوره العسكري في الساحة السورية. والغاية عند الخاشقجي تبرر الوسيلة، فلا ضير من تضليل الرأي العام وتحوير الوقائع ووضع الامور في غير سياقها المنطقي والطبيعي.
يطلق الخاشقجي الاحكام دون مواربة، يصف مؤيدي التدخل الروسي بـ"الف عربي وعربي يتبادلون انخاب العدوان على ارض عربية"، يراهن على الذاكرة المثقوبة. ويفترض بالرأي العام القارىء لنص الخاشقجي ان ينسى صراخه ومن خلفه ارباب نعمته الى حد السعار وهم يطالبون بعدوان اميريكي اوروبي على تلك الارض العربية نفسها. اما تبادل الانخاب فعادة بدأها وكرسها امراء ال سعود والعاملون في مؤسساتهم . لطالما رقص هؤلاء على اشلاء اطفال لبنان وفلسطين عند كل حرب كانت تشنها "اسرائيل". الخاشقجي نفسه ووسائل اعلام منظومته تعاطوا باحتفالية وقحة مع الغارات الاسرائيلية التي استهدفت دمشق وغيرها من الاراضي السورية. هل هناك "أوطأ" من موقف الخاشقجي هذا؟
يستخدم الخاشقجي في مقالته لغة الحزن والاسى، والسبب "خوفه" على الشعب السوري. لماذا ؟ لأن الروس بحسب وصفه " قبيحون في حروبهم" . يا الهي!.. إن القلوب الصغيرة لا يمكن ان تحتمل رقة قلب الكاتب السعودي. ما يسميه الكاتب "مأساة ثانية" ينتظرها السوريون ليست لهذا السبب فقط. الروس "لا يعيرون حقوق الانسان قيمة". احد ابواق ال سعود يحاضر في حقوق الانسان. المملكة التي أرادت أن تنتقم يومًا من خالد السعيد بسبب جريمة كبرى ارتكبها هي كتابة كتاب لم يعجب امراء العائلة المالكة فقررت تنفيذ حكم إذابته بالأسيد يبدو انها اصيبت مؤخرا بالحساسية تجاه حقوق الانسان. الامور لا تنتهي عند هذا الحد لأن الروس "يحرقون الارض وما عليها".. بالله عليك ماذا تسمي ما تفعله مشيختك في اليمن؟ هل تنفذ الطائرات السعودية ويوميا طلعات لنثر الورود على اليمنيين ؟! .
هل هناك ما هو اسوأ؟
بعد العواطف والدموع انتقل الكاتب الى الموضوع الاحب الى قلبه وزملائه وارباب عمله. ايران. يستحضر الكاتب مصطلحات لطالما حاربها وسخر منها . ينقلب على ذاته . لم تعد عبارات مثل "مقاومة المشروع ..." او "التحدي الاكبر" او "قلب العروبة النابض" توحي له بالخشبية . عند ذكر ايران لا بد من استحضار كافة العدة الممجوجة "نشر التشيع" . . يرتفع منسوب الوقاحة . يذكر الكاتب بما يسميه "محاضر اتفاق رئيس الاستخبارات السعودية الاسبق تركي الفيصل مع مستشار الامن القومي الاميركي زبيغنيو بريجنسكي عشية الغزو السوفياتي لافغانستان في كانون الاول 1979 واتفاقهما السريع وخلال ايام لاطلاق اخطر مشروع لمواجهة التهديد بـ"انه نموذج حري بالاميركيين ان يستعيدوه وهم يرون هيبتهم تتهاوى من اوكرانيا حتى دمشق " . وقاحة وغباء . لأن الكاتب قدم لفكرته هذه بعبارة "لا بد للسعوديين ان يقولوا للاميركيين" . يظهر الخاشقجي في موقع المتذاكي. يريد من خلال جملته هذه الايحاء للقارىء بان ال سعود يتكلمون مع الاميركيين بندِّية ومن موقع المؤنب والمطالب وربما المحاسب. هل يتخيل عاقل ان هذا الكلام الغبي له وجود في عالم الامكان. هل يمكن لأمير سعودي ان ينظر في عيني سيده الاميركي؟ هل في ارشيف العلاقات حادثة واحدة تنبىء بامكانية حصول مثل هذا الموقف؟ هل تسمح طبيعة العلاقات بين الطرفين باعتراض سعودي ؟ أوليس في كلام الكاتب البارز تناقضا؟ اولم يكن ما شهدته سوريا نسخة طبق الاصل عن التجربة الافغانية ومن قبل المصنع الاميركي السعودي نفسه؟أوليس في معلومات الخاشقجي اعتراف بدور امرائه في تصنيع الارهاب ودعمه وتمويله وتسليحه؟
بعد هذه النقطة يرتفع منسوب الغباء عند الكاتب، تصل الأمور الى حد المراهقة التي يتهم الكاتب بها "انصار بشار في بيروت والقاهرة وطهران". تصل مقالة الكاتب الى ذروتها. "السعودية ستقاوم" بدليل ان وزير خارجيتها الهمام " استخدم عبارة العمل العسكري كأحد الخيارين لاسقاط الاسد " . الا ان الامر مؤجل لحين اتمام المهمة "النبيلة " في اليمن ."وصول القوات اليمنية الى مشارف صنعاء فتترك اليمن لليمنيين وتمضي شمالا لتخليص سورية من القبضة الايرانية" . وكأننا نقرأ قصيدة شعرية استغرق ناظمها بالخيال والاوهام، قصيدة ركيكة لشاعر مراهق غير عارف بما يدور حوله. يبشر الخاشقجي بوجود "ألف طريقة وطريقة لإفشال المشروع الروسي - الإيراني في سورية"
وهذا ليس تهديدا بدليل ان السعودية "لمن لا يعرفها لم تهدد يوما بإلقاء اسرائيل في البحر او احراق نصفها" . لم يوضح الخاشقجي الواثق حتى الثمالة بقدرات بلاده العسكرية لماذا لم تهدد السعودية "اسرائيل"؟ لماذا لم تطالب واشنطن تجاه اسرائيل بما يريده منها تجاه روسيا؟ الارجح انها الواقعية ومعرفة حدود القوة؟ ولكن سياق المقال يوحي بسعودية قوية وقادرة على خوض الحروب في كل الاتجاهات وعلى اكثر من جبهة وضد قوى عظمى اقليمية كايران لا بل قوة دولية كروسيا؟ هل تعجز مثل هذه الدولة عن توجيه ولو تهديد لاسرائيل؟
أما قمة الوقاحة فتتكثف في خلاصة المقال اي في الختام. لم يتردد الكاتب في توصيف الصراع على انه "بين الحرية والاستبداد" . ليس هذا فقط . المستكتب لدى الدولة السعودية الوهابية الخارجة عن التاريخ يستحضر " قوة التاريخ التي تدفع نحو الحرية " . فجأة يتقمص احد الناطقين باسم اسوأ عائلة حاكمة في العالم شخصية فلاسفة الثورات العظيمة ويتحدث عن الحرية . الحرية المفقودة الاكثر شهرة في مشيخة ال سعود ينطق بها مستكتب لدى الامير . يستبق الخاشقجي مفاجأة القارىء ويتوقعها . وعلى طريقة وزير الاعلام العراقي الشهير " محمد سعيد الصحاف " يفجر قنبلته الفكرية الثورية " لن ابالغ ان قلت هذه حرب التحرير العربية الحقيقية ولا بد من ان ننتصر فيها " .
الاغلب ان الخاشقجي اصبح ابرز المنافسين للاعلامي المصري الاشهر اثناء النكسة احمد سعيد . كأنه كان يريد ان يكرر عبارة الاخير الشهيرة " ابشر يا سمك البحر ..."