ارشيف من :آراء وتحليلات

أربعة أسباب وراء تأخر تحرير الأنبار من ’داعش’

أربعة أسباب وراء تأخر تحرير الأنبار من ’داعش’

تزامنت زيارة المنسق الخاص للتحالف الدولي جون ألن الى العراق مع حراك واضح باتجاه تحرير مدينة الرمادي والمناطق الاخرى في محافظة الأنبار من تنظيم داعش الإرهابي بعد شهور من  التلكؤ والمماطلة والعرقلة، وهذا التزامن لم يأتِ مصادفة، مثلما يتحدث ساسة ومراقبون عراقيون خلف الكواليس.

  قبل خمسة شهور سيطر تنظيم داعش الإرهابي على مدينة الرمادي ومناطق اخرى بطريقة بدت مشابهة الى حد كبير مع سيناريو سقوط محافظة نينوى في العاشر من حزيران/يونيو 2014، ولعل مجمل المعطيات والمؤشرات ذهبت الى ان واشنطن لم تكن بعيدة عما حصل في الرمادي كما انها لم تكن بعيدة عما حصل في الموصل، بقاعدتي عين الأسد والحيانية اللتين يتواجد فيهما الأميركان، كانتا على مرمى حجر من الرمادي، وان الخبراء والمستشارين العسكريين المرابطين في القاعدتين المذكورتين كانوا على تواصل مع قادة وآمري القطعات العسكرية العراقية الذين انسحبوا من مواقعهم وسهلوا للدواعش دخول الرمادي دون عناء. الى جانب ذلك،كان لدى الأميركان معلومات وأرقام شافية ووافية عن الموقف الميداني في الأنبار، ناهيك عن ان سلاح الجو الأميركي الذي كان يتحرك في إطار التحالف الدولي بدا اما متفرجا من بعيد لما يجري على الارض ، او داعما لوجستيا أساسيا لداعش، والحقائق والارقام بهذا الشأن ليست قليلة ولا عابرة.

   وقد لا يختلف اثنان على حقيقة ان واشنطن هي التي ساهمت بشكل او باخر بسقوط الرمادي بيد تنظيم داعش الإرهابي قبل عدة شهور، وهي ذاتها التي عرقلت استعادتها من قبضة ذلك التنظيم لحسابات وأسباب ترتبط أساسا بمصالحها واجنداتها الخاصة، ومن يتحالف معها او يتبع لها من القوى الدولية والإقليمية.

أربعة أسباب وراء تأخر تحرير الأنبار من ’داعش’

لماذا وضعت واشنطن ملف الأنبار على الرف ولماذا تحركت الآن؟

 وهناك أربعة أسباب رئيسة - قد تلتقي جميعها عند نقطة واحدة - دفعت الادارة الأميركية الى إبقاء ملف تحرير الأنبار من تنظيم داعش على الرف، وهي:

أولا: عدم الرغبة في القضاء على تنظيم داعش نهائيا، والاكتفاء بإضعافه لمستوى معين يتيح لواشنطن استخدامه كورقة ضغط ومساومة مع هذا الطرف او ذاك، وهو ما أفصحت عنه واشنطن بصورة او باخرى، ناهيك عن ان مصاديقه على الارض عديدة.

ثانيا: ابقاء ملف الارهاب في العراق مفتوحا، ما يعني بقاء الاوضاع السياسية متأزمة ومحتقنة، والتقاطعات والخلافات بين الفرقاء السياسيين قائما، وهو يساعد واشنطن ويوفر لها الارضيات والمناخات المناسبة للحضور والتدخل والتأثير.

ثالثا: تحجيم ومنع الحشد الشعبي من المشاركة الفاعلة والمؤثرة في محاربة تنظيم داعش، وقد توجست واشنطن كثيرا واصابها القلق، بعدما اثبت الحشد الشعبي في معارك تحرير مدينة تكريت من الدواعش انه رقم صعب في الميدان، ويرى صناع القرار في واشنطن ان تحجيم الحشد الشعبي يعني تحجيم "المكون الشيعي" بعناوينه المختلفة من جانب، ومن جانب اخر قطع الطريق على ايران والحؤول دون تمددها في الجغرافيا العراقية كما يزعمون.

رابعا: ان حلفاء واصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة وجهات وشخصيات عراقية تعد بقاء الحال كما هو عليه في الانبار ونينوى ومدن عراقية اخرى على ما هو عليه افضل من طرد داعش منها، وهؤلاء الحلفاء والاصدقاء والاتباع، يلحون ليل نهار على الولايات المتحدة الاميركية بعدم الذهاب بعيدا في الحرب ضد داعش، وكذلك تجنب اتخاذ أي خطوة من شأنها ان تقوي ايران وتعزز نفوذها في المنطقة.

  ومن يتأمل قليلا يجد ان هذا الفريق على اختلاف عناصره، هو الذي اوجد تنظيم داعش ومختلف الجماعات الارهابية التكفيرية في العراق، وبعدها في سوريا وليبيا واليمن ودول اخرى، ومع ادراكه للاخطار الكبرى التي تسببها الا انه مازال يصر على ضرورة توظيفها بطريقة سلبية وسيئة ضد خصومه.

  وبما ان تلك الاسباب لم تنتف، فإن هذا يستدعي منطقيًّا عدم حصول تبدل في الموقف الاميركي حيال ملف الانبار، وابقاءه على الرف الى اشعار آخر، بيد أن أمرًا خطيرًا جعل واشنطن تتحرك، وترفع بعض - ولا نقول كل - العراقيل امام التقدم باتجاه الرمادي، وجعلها ترسل منسق التحالف الدولي جون الن الى بغداد، وليصرح منها بعيد وصوله إليها ولقائه وزير الداخلية العراقي محمد الغبان بأن "تحرير كبرى مدن الانبار، الرمادي، في القريب العاجل، وان قوات التحالف الدولي تعمل على تدعيم عمل وزارة الداخلية وقواتها القتالية لا سيما الشرطة الاتحادية كونها تقوم بدور أساس ومحوري في عمليات تحرير المدن من عصابات داعش".

 الامر الخطير بنظر واشنطن الذي اربكها الى حد كبير، ودفعها الى اعادة ترتيب اوراقها واولوياتها، هو الدخول الروسي القوي على خط محاربة تنظيم داعش في سوريا، الذي كانت له نتائج ايجابية ملموسة خلال ايام قلائل، لم يحقق تحالف واشنطن الدولي ولو جزءا صغيرا منها، وهو الذي ضم عشرات الدول، وبدأ حربه المزعومة ضد داعش منذ اكثر من عام.

  وفي هذا السياق، فإن واشنطن وكل حلفائها فشلوا في منع موسكو من التدخل العسكري في الملف السوري، الذي بدا مدروسا بدقة ومنسقا بعناية مع اطراف وقوى دولية واقليمية مؤثرة، ولعل القراءات الاولية، تؤكد ان الضربات الروسية القاصمة لتنظيم داعش ستنعكس سلبا على وضع التنظيم في العراق، الذي تعد الاراضي السورية قواعد ومنطلقات وخلفيات مهمة له. وهذا ما يربك حسابات واشنطن، يضاف إلى ذلك احتمالات توسع العمليات العسكرية الروسية ضد داعش الى الاراضي العراقية بعد التنسيق مع الحكومة سيجعل واشنطن في موقف حرج للغاية، وهذا ما راحت تلوح بوادره مبكرا من خلال تصريحات ناقدة بشدة للاميركان من قبل ساسة عراقيين من عناوين سياسية مختلفة، ودعوات ومطاليب واسعة للاستعانة بموسكو ونفض اليد عن واشنطن.

 قد تبدي الولايات المتحدة الاميركية جدية في ضرب داعش في الانبار، من باب "مرغم اخوك لا بطل"، بيد انها ستعجز عن اثبات مصداقيتها، لانها ستبقى تبحث عن تفاهمات ومساومات مع موسكو خلف الكواليس، اذ انها لن تستطع ردع الاخيرة، وانها لا تريد ترك العراق، بل العكس، تسعى الى تعزيز حضورها فيه، وكذلك انها لم تقرر بعد التخلي عن ورقة داعش واحراقها نهائيا.

2015-10-08