ارشيف من :آراء وتحليلات

صُنع في المملكة الوهابية

صُنع في المملكة الوهابية

نفى مفتي عام المملكة العربية السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ أن تكون المؤسسات التعليمية في المملكة والمناهج المعتمدة فيها هي التي تقف وراء الأفكار التي تلقاها التكفيريون، مؤكدا أنها كانت من تجمعاتهم ومحيطهم الراعي لمثل هذا الفكر الإرهابي الذي يستبيح الدماء، لا سيما دماء الأقرباء، لافتا إلى أنهم تلقوها خارج المدارس وبعيدا عن المناهج.


كلام المفتي، الذي يرأس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية في المملكة، قلل من مسؤولية المؤسسات التعليمية عن الانحراف الفكري عند هذه الجماعات، مستبعدا أن يكون قصور المناهج تسبب في انحراف بعض الشباب بوجودهم ضمن تنظيم "داعش" الإرهابي.

وكان آل الشيخ قد اكد في تصريح لصحيفة "الوطن" أن هذا الفكر الإرهابي الداعشي لا يختلف عن تنظيم القاعدة، إلا أن الدواعش يتفننون في جرائمهم، مشيرا إلى أنهم لا يترددون في قتل أقربائهم.

على ان كلام المفتي لم يكن هو الاول فقد سبق ان قال هذا الامر في مناسبات عدة وكذلك فعل أقرانه من "علماء الوهابية"، لكن يبقى السؤال يتمحور حول صحة براءة تلك المؤسسات التعليمية والمناهج الدراسية في المملكة من إنتاج هؤلاء التكفيريين.

صُنع في المملكة الوهابية

الإجابة ليست معجزة، ويكفي أن نجول بنظرة سريعة على الكتب الدراسية المتبعة في المملكة بمختلف مراحلها التعليمية لندرك الإجابة السريعة عن مثل هذا التساؤل.  ولا نعني هنا الكتب الدراسية المعتمدة في المدارس الدينية بل المدارس التربوية المدنية، دون أن نغفل عن أن التعليم الديني في المدارس الوطنية يتولاه رسميا "الهيئة الدينية الوهابية الرسمية".

ففي كتاب "التوحيد" الذي يدرس في مراحل دراسية متعددة، تبدأ من الصفوف الابتدائية وصولا الى المرحلة الثانوية، تلاحق التلميذ فكرة الشرك والامثلة التي تضرب عليه. ومن الملاحظ ان معظم الامثلة تتجسد فيما يطلق عليه اسم " البناء على القبور" وتقديس الاموات، وهي صفة لا تقتصر على الشيعة الامامية بل تطال جل المذاهب الاسلامية، حيث تنتشر مقامات الانبياء والاولياء الصالحين في طول العالم الاسلامي وعرضه. وجميع هؤلاء مشركون من وجهة نظر الوهابية. بل ان بعض الدروس عندما تضع صورا توضيحية تختار تلك التي تشابه الى حد كبير "المقامات" التي تنتشر في مصر وايران وسوريا.

كما يلاحظ في بعض سنوات الدراسة أن لفظة "شيعي" غالبا ما تردف بكلمة "صفوي" في محاولة لإظهار ان الشيعة هم نتاج فكر صفوي، في اشارة الى مرحلة من مراحل الحكم في ايران.

على ان هذا التحريض الوهابي على بقية المسلمين، وتحديدا الشيعة منهم، لم يقتصر على الكتب الدراسية بل تعداه الى قبول اطروحات جامعية تهدر دم المسلم الشيعي كما حصل في الاطروحة الشهيرة التي اطلق عليها اسم "السيف الباتر لأرقاب الشيعة الرافضة الكوافر، لعلي بن أحمد الهيتي (ت1029هـ) – دراسة وتحقيق محمد موسى حجازي السويطي"، وكانت هذه الاطروحة قد اثارت الاستنكار الواسع ما دفع بجامعة ام القرى التي استقبلت هذه الاطروحة الى سحبها من موقعها الالكتروني.

وبغض النظر عن كل ما تقدم، فقد فات مفتي المملكة ان التكفير الممنهج في المملكة لباقي المذاهب الاسلامية لم يعد يقتصر على الكتب والمناهج التعليمية، بل تعداه الى وسائل الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب والمموَّل من السلطات الدينية والسياسية في المملكة. وتكفي متابعة بسيطة لمحطات التكفير (محطة وصال نموذجًا) لنعرف من أين يتخرج هؤلاء التكفيريون. إضافة ان من يطلع الصحافة السعودية سيجد ان وصف شعب الجمهورية الاسلامية الايرانية بانهم "مجوس" يكاد لا تخلو منه وسيلة اعلامية، فهل وصف الشعب الايراني المسلم بـ"المجوس" هو عمل خارج اطار التكفير؟

نعم ان جميع الجماعات التكفيرية من "داعش" الى "القاعدة" واخواتهما هي صناعة وهابية سعودية بامتياز، وحيثما ذهبنا ووجدنا تكفيريين فإننا سنجد في وجوههم العلامة الفارقة: "صنع في المملكة الوهابية".

2015-10-09