ارشيف من :آراء وتحليلات
الدخول الروسي ومتغيرات المشهد السوري
ليس دخول روسيا في الحرب السورية حدثاً عادياً في مجريات هذه الحرب التي وصفت في واحدة من أوصافها بالحرب الكونية على سوريا، وهي مستمرة منذ أكثر من أربع سنوات، كانت فيها مسرحاً لتدخلات دولية وإقليمية، واستجلابا للإرهاب المعولم إلى ساحتها ولا تزال، وفي كونية هذا المشهد الحربي كانت روسيا تدعو إلى تسوية سياسية تنهي الحرب، وتقدم للحكومة السورية الشرعية كل أسباب الصمود مع دعوتها إلى حوار جدي مع المعارضة، سواء في مؤتمر جنيف، أو في لقاءات الحوار، بين الحكومة السورية والمعارضة في موسكو...
دخول القوة الروسية الجوية والفضائية إلى مسرح عمليات الحرب، يشكل متغيرًا أساسيًّا في الأحداث والوقائع المتحلقة حول المشهد السوري وذلك من نواحٍ عدّة منها ما يتعلق:
1) بالوضع الروسي في واحدة من أكثر القرارات جدلاً، حول منح مجلس الأمن "البرلمان الروسي" صلاحيات للرئيس الروسي وحكومته بالتدخل خارج الأراضي الروسية، وذلك في نسبة تأييد عالية للقرار، معطوفاً على مباركة سياسية صريحة من الكنيسة الأرثوذوكسية هذا من ناحية الإجراءات الإدارية ذات المعنى السياسي الاستراتيجي بما يخص معرفة بوصلة التحولات الداخلية الروسية في تعيين دورها المرتبط بالحفاظ على مصالح، كما السلم والأمن الدوليين، في أماكن التوتر الخطيرة في العالم.
وكذلك يشير هذا المتغير إلى سياسة روسية جديدة، ليست على ما يذهب كثيرون في اعتبارها عودة إلى روسيا السوفياتية أو روسيا القيصرية، بقدر ما هي صورة عن متغير أساس في استراتيجيّة العلاقات الدولية.
2) بالعلاقات الدوليّة وأثر القرار الروسي، في تعيين صورتها وتوازناتها الاستراتيجيّة في نصف العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، وفيه يمكننا القول أن القرار الروسي في دخول الحرب السورية وقيادة الحرب على الإرهاب يشكل متغيّراً أساسياً في المشهد الاستراتيجي للعلاقات الدولية، هنا والآن، لكنها قادرة أن ترسم صورة وتوازنات جديدة، ترسي عليها مسألة المشاركة في إدارة شؤون هذا العالم.
ففي العلاقات الدولية، نجد أنفسنا أمام متغيّر لا يعيد العالم إلى زمن الحرب الباردة، وإلى الثنائية القطبيّة فحسب، بل إنه يلغي هذه الثنائية أصلاً، من أجل إرساء قواعد المشاركة الحقيقية، للدولة والشعوب ذات السيادة وحاملة القيم في إدارة شؤون العالم.
يوجد قاعدة، أذهب إلى تأكيد صحتها بالاستفادة من فلسفة التاريخ، في استقراء الأحداث والوقائع، وما كتب من سياسات ومواقف حولها، تتمثل بـ:
1- إذا وجدت قوتان كبيرتان، وهما في هذا المحل روسيا وأميركا، تستفيدان من ميزان القوى الدولي، واحدة في حالة هجوم والثانية في حالة دفاع، فإن الأحداث والوقائع بما فيها الحروب الإقليمية تجري على قاعدة حرب الاستنزاف والضغوط المتبادلة، وانتظار من يصرخ أولاً، ويهزم ويستسلم، وتتحدد على أساسه لعبة اقتسام النفوذ في هذه المنطقة أو تلك. ولكن إذا حصل وانتقلت القوة التي تقف في موضع الدفاع إلى الهجوم فإن الحرب يجب أن تتوقف... ويلزم البحث الجدي والمفيد عن حلول سياسية للأزمة.
هل الوضع الدولي بعد الدخول الروسي في سوريا هو في إطار هذه المعادلة؟
يحمل هذا السؤال إشكالية مركبة بكل ما في الكلمة من معنى، صادقة من ناحية وغير صادقة من أخرى، فإذا نظرنا إلى الوضع السوري ضمن التوازن الداخلي يمكننا القول أنه دخل معادلة هجوم الدولتين الكبرتين، وهو سائر إلى الحلول السياسية لا محالة، وهذه مسألة صادقة على يقين أن الحل السياسي في سوريا آتٍ وقريب؛ ولكن بعد القضاء بشكل تام على الإرهاب التكفيري وقواته التي تجمعت في سوريا قادمة في جهات الأرض الأربع.
في مسألة محاربة الإرهاب وتنظيف الساحة السورية منه، يبدو أن القوة الروسية هي اللاعب الدولي المؤثّر الآن. وأن أميركا ستتراجع إلى الوراء بخصوص محاربة الإرهاب على الأرض السورية، تاركة المجال، حراً لخصمها اللدود..
أما لو نظرنا إلى المسألة من ناحية توازنات العلاقات الدولية الراهنة، فإن المشهد يبدو غير عاديٍّ، ونتطلع إلى انقلاب حقيقي في أحوال هذه العلاقات...