ارشيف من :آراء وتحليلات
باكستان وأفغانستان.. قصة تاريخ مأزوم
فجوة الثقة بين الجارتين باكستان وأفغانستان ليست جديدة، ولا هي المرة الأولى التي يصل فيها الطرفان إلى طريق مسدود، على الرغم من الدعوات الدولية والأممية لردم الهوة بين البلدين، لما في ذلك من مصلحة عالمية خصوصاً في سبيل محاربة الإرهاب وتقويضه، لكن من السطحية اختزال أزمة العلاقات الباكستانية – الأفغانية بمشكلة الثقة بينهما، فهناك ملفات أكثر أهمية وحساسية بالنسبة لباكستان من قضية الثقة، التي هي بحسب الرؤية الباكستانية لاحقٌ لسابقٍ أولي، أو نتيجة تأتي بالتبع بعد معالجة ملفات الحدود، المياه والعلاقة مع الهند.
نعم، وبدرجة أقل أهمية تأتي مسألة اللاجئين الأفغان، فالثقة المهزوزة بين الجارتين، التي لطالما كانت العلاقة بينهما رهينة متغير دولي وإقليمي، كالاحتلال السوفياتي لأفغانستان والأمريكي لأفغانستان بذريعة ما يعرف بالحرب على الإرهاب.
سنة 1893 وقع وزير الخارجية البريطاني ديوراند مع الأمير عبد الرحمان خان في أفغانستان على اتفاقية تقسيم حدود، قضت بتقسيم البشتون الى نصفين، نصف في الموطن الأم أفغانستان والنصف الآخر فيما يُعرف الآن بجمهورية باكستان الإسلامية، يفصل بينهما حدود تمتد على طول 1640 ميلا تُعرف بخط ديوراند الفاصل.
تخشى باكستان وبشكل جدي من أن تُحرك أفغانستان ملف الحدود في المحافل الدولية، خصوصاً وأن المدة الزمنية للاتفاقية (100 عام) قد انتهت منذ 22 سنة،كما أن هناك بعض الأصوات بدأت تعلو مطالبة بإعادة الحدود إلى ما كانت عليه قبل توقيع الاتفاقية، وكان من أبرز المطالبين الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، ما يعني أن الحدود الأفغانية ستصبح على نهر السند الذي يمر وسط باكستان، ما تنظر إليه باكستان بقلق شديد وعلى أنه تهديد يمس الأمن القومي الباكستاني.
بالإضافة إلى ذلك، إن عدم وجود اتفاقية تقاسم مياه بين باكستان وأفغانستان يزيد الطين بلة، مع إعلان أفغانستان نيتها بناء 12 سداً على نهر الكابول الذي يدخل إلى باكستان من خلاله 17 مليون فدان إلى المناطق الشمالية في باكستان، لكن بعد بناء السدود ستنخفض حصة باكستان من مياه نهر كابول إلى 16-17 % ، هذا من جهة .
ومن جهة أخرى، تشتكي باكستان من القنصليات الهندية في المحافظات الحدودية في أفغانستان المتاخمة لباكستان، وهذا ما يثير حفيظة باكستان، التي تعتبر الهند العدو التقليدي والأول لها، ووجود هذه القنصليات ليس إلا لدعم الأعمال الإرهابية والتخريبية داخل باكستان لزعزعة الأمن والاستقرار فيها ما ينعكس مباشرة على مؤشر النمو الاقتصادي.
باكستان وأفغانستان قصة تاريخ لا يفقه الدبلوماسية، تاريخ جاف كطبيعة المناطق الممتدة على طول خط ديوراند القاحلة والجبلية القاسية، قصة تاريخ مأزوم، لعل على الجامعات أن تخطو خطوة جريئة نحو التأسيس لعلم تاريخ الأزمات كما خطت الجمهورية السورية نحو تأسيس ما سُمي فقه الأزمة.