ارشيف من :آراء وتحليلات
ماذا فعلت روسيا لنا؟
اياد حرفوش
ليس بوتين عربيا لأطالبه بعدم التطبيع مع الدولة العبرية وعدم لقاء قادتها! وليس مسلما لأطالبه بالاهتمام بالقدس المحتلة! هذا خلطٌ متعمد بين الحليف والشقيق! وبين واجبات ومقومات كل منهما، خلطٌ تعمدته صحف خليجية عندما التقى "بوتين" بنتنياهو في 21 سبتمبر/أيلول الماضي! وألقت اتهامات حول تحالف موهوم بين روسيا والولايات المتحدة وكيان العدو، ثم تناولت التدخل العسكري الروسي في سوريا بهذا السياق، لتقول أنه يتم لصالح الولايات المتحدة و"إسرائيل"! حقاً؟ ألهذه الدرجة تؤلمكم الضربات الناجعة والموجعة التي تتلقاها صنائعكم التكفيرية في سوريا؟ والمليارات التي هدرتموها عليها؟ لدرجة التخريف من فرط الألم؟ تلك الاتهامات بالعموم أوهن من الرد عليها، وإنما أكتب اليوم للرد على سؤالهم: لماذا يعجب القوميون العرب لهذه الدرجة بروسيا ويهللون لدورها في المنطقة؟ ولماذا يعجبون ببوتين؟
أما الدور الروسي، فنحن لا نقول أن روسيا تقدم ما قدمته بالأمس واليوم منةً أو تفضلاً!! نعم، كانت دائما ككل دولة رشيدة تعمل لخدمة مصالحها وأمنها القومي، وهذا لا يعيبها! (إنما يعاب من ينفذ أوامر سادته بغض النظر عن مصالحه وأمنه!) ولكن؛ وهل تقوم صداقة الشعوب والدول إلا على أساس المصالح المشتركة والتهديد المشترك؟ هكذا كان حال العرب مع الاتحاد السوفياتي أمس ومع روسيا الاتحادية اليوم، يجمعنا تهديد مشترك من قبل الرأسمالية العالمية المستغلة وصنائعها! ومصلحة مشتركة في تعداد الخيارات الاستراتيجية لدول الإقليم، ومن ثم وجود مصالح روسية معها، تماما كما هو الوضع اليوم. أين المشكلة؟ ولماذا لا يعترض أحدكم عندما يتكرر الحديث الأبدي عن الصديق الأمريكي الذي لم يكن أبدا صديقا ولا صدوقا؟ لن أعدد هنا اختلاف موقف السوفياتي عن الأمريكي من بناء السد العالي، ولا الدور الروسي إبان العدوان الثلاثي، ولا توريد منظومات الصواريخ والمقاتلات المتطورة في حرب الاستنزاف استعدادا لحرب أكتوبر، وسأكتفي بجانب واحد تشهد به مكتبة مجلس الأمن ذاتها، هو تاريخ الفيتو السوفيتي/الروسي منذ عام 1946 ولليوم!
استخدم الروس حق الفيتو 102 مرة، أكثر من نصفها كان اعتراضا شكليا على انضمام دول مقابل اعتراض الولايات المتحدة على انضمام بعض الجمهوريات السوفياتية، ولكن بين قرابة 42 فيتو تمثل مواقفا سياسية، ينفرد الشأن العربي بأربعين بالمئة منها (16 مرة) كانت لصالح العرب بصورة مباشرة! وأهمها:
- في 22 يناير ثم 29 مارس 1954 فيتو سوفياتي مرتين ضد مقترحات الولايات المتحدة وفرنسا المنحازة للصهيوني فيما يخص مياه نهر الأردن
- في 13 أكتوبر 1956 فيتو ضد شكوى إنجلترا وفرنسا ضد مصر حول تأميم قناة السويس.
- في 18 ثم 22 يوليو 1958 فيتو مرتين ضد إدانة مجلس الأمن للجمهورية العربية المتحدة بناء على خطاب من لبنان والأردن حول ما اعتبرتاه تدخلا في شأنهما الداخلي من قبلها.
- في 3 سبتمبر 1963 فيتو ضد مقترح فرنسي وأمريكي بإدانة سوريا في احتكاكات حدودية مع الكيان الصهيوني، ثم في21 ديسمبر 1964، ثم في 4 نوفمبر 1966 فيتو مرتين ضد مقترحات بإدانة سوريا من جديد.
- في 29 فبراير 1984 فيتو سوفياتي ضد اقتراح فرنسي بوضع قوات متعددة الجنسيات بصورة دائمة في بيروت.
- في أكتوبر2011 ثم 4 فبراير 2012، ثم 19 يوليو 2012، ثم 22 مايو 2014، فيتو روسي صيني أربع مرات ضد قرارات تمنح مشروعية لضرب الدولة السورية تحت مظلة مجلس الأمن!
في المقابل، استخدمت الولايات المتحدة وإنكلترا وفرنسا حق الفيتو 44 مرة دعما للكيان الصهيوني ضد العرب! كان النصيب الأوفر منها (38 مرة) للولايات المتحدة منفردة! وكان أهمها خمس مرات استخدمته فيها ضد قرارات تخص حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره!! فهل من العقل - فضلا عن العدل - أن يهاجمنا السعداء بصداقة الحليف الاستراتيجي لعدونا، بسبب اعتزازنا بمن كان دائما حليفنا؟ ما لكم.. خيبكم الله كيف تحكمون؟
لقد ذاق العرب بعد نهاية الحرب الباردة من الخراب والعذاب ما لم يذقه غيرهم، ومن هنا كان الإعجاب بالرجل الذي أخرج بلاده من أزمتها وأخرج العالم بالتبعية من زمن القطب الواحد! ولست أدعي أني خبير بالشأن الروسي، ولكن ما أعلمه ويعلمه العالم يكفيني لأعجب به! فقد وصل بوتين للسلطة عام 1999، في بلد سيطرت عليه مافيا الفساد فباعت أصوله التصنيعية العملاقة بثمن بخس خلال حكم سلفه "يلتسين"، وأثقلته ديون خارجية قاربت 140 مليار دولار! وطن صار مهددا بفقد الجمهوريات الجنوبية وبضياع حقوقه التاريخية في شبه جزيرة القرم! فماذا فعل "بوتين"؟ وقف في مؤتمر صحفي في 11 فبراير 2005 ليعلن للعالم استعداد روسيا لسداد 115 مليار دولار متبقية من ديونها قبل موعدها! وفي2008 تجاوز احتياطي النقد الأجنبي 600 مليار دولار، ومازال لليوم فوق 200 مليار رغم العقوبات الاقتصادية لأكثر من عام وتدني أسعار النفط، وانخفضت معدلات السكان تحت خط الفقر من 25% إلى 9%، ومعدلات البطالة من 15% إلى 5%! هذا ما حققه "بوتين" للاقتصاد الروسي! وما حققه في السياسة والمكانة الدولية لا يقل أهمية! فقد حسم الصراعات الداخلية لصالح وحدة أراضي روسيا الاتحادية، وحسم صراع القرم لصالحه في 2014! وقدم الدعم المؤثر للمواطنين الروس في إقليمي دونيتسك ولوجانسك بأوكرانيا ومازال! وقف أمام الغرب اليورو-أمريكي الذي استهان بروسيا بعد الاتحاد السوفياتي وأثبت للجميع أنه خصم صعب المراس، وأن روسيا دولة كبرى ورقم صعب في المسرح الدولي! هذا ما قدمه "بوتين" لوطنه، فماذا قدم شانئوه لأوطانهم غير التضليل والتهويل من قدرات أمريكا وقدرية التحالف معها؟
نعم، روسيا حليف ولها مصالح تعمل لخدمتها، وليس لأجل سواد عيوننا، وليس مطلوبا منها غير ذلك، لكنها في النهاية وبواقع الحال كانت في كثير من الأحوال خيرًا للعرب من كثير من المستعربين!