ارشيف من :نقاط على الحروف

فلسطين والقاعدة واخواتها

فلسطين والقاعدة واخواتها

"أن تؤمن بالشيء وتعتقده موجوداً، ذلك لا يعني أبداً وجوده في الحقيقة، بل ما يعنيه هو وجوده في عقلك فحسب، أحياناً".
جورج برنارد شو (روائي ساخر بريطاني)

لم يشذ تنظيم القاعدة البتة عن اعتبار البعد التاريخي والسياسي لفلسطين رافعةً لعمله "العابر للحدود"، فهو ببساطة استمد من القضية المركزية (فلسطين) الكثير من الطاقة والدفع، مستعملاً مبدأ أساسياً في التعامل معها: الجذب والدفع، فهي قضية جاذبةٌ تجمع "المريدين" الراغبين بتحرير الأرض المقدسة من الصهاينة، ودافعة لأنها تدفع الحركة (أي القاعدة) بإتجاه تحقيق أهدافها والتي بشكلٍ أو بآخر تبتعد عن "تحرير" الأرض ولكن من ذا الذي يحاسب؟ في الجزء الثاني من قراءتنا للدراسة التي خرجت عن مؤسسة أبحاث الدفاع النرويجية (إسنا) للباحثين توماس هيجهامر ويوآس وايجمايكرز نتناول جوانب أخرى سلطت عليه الضوء في خضم البحث عما اذا كان "لفلسطين" ذلك التأثير الذي يعتقد بأنه "مركزي" و"محوري" في فكر "القاعدة "؟


نوعاً وليس كماً:
يشير الباحث الصهيوني في الشؤون "الجهادية" روفين باز (في العام 2002) إلى "أنه يبدو أن الفلسطينين ممثلون بشكل زائد في أوساط المنظرين المرتبطين بأشكال الإسلاموية العابرة للحدود"، دون إيضاحٍ بالطبع للآلية السببية وراء هذا التمثيل الزائد، مدرجاً عدداً من المنظرين الأساسيين بدءاً من تقي الدين النبهاني (مؤسس حزب التحرير)، عبدالله عزّام (زعيم الحركة العربية الأفغانية) وصولاً حتى أبو قتادة الفلسطيني وأبو محمد المقدسي. تبع ذلك الإطار الصحافي اللبناني حازم الأمين في كتابه "السلفي اليتيم: الوجه الفلسطيني للجهاد العالمي والقاعدة (2011)، وقدم مع المؤلف الفلسطيني الأردني مروان شحادة فكرة متماثلة، وهي أنَّ "غياب الانتماء الارضي-للجغرافيا- دفع العديد من الفلسطينين بإتجاه القضايا الأهم من التحرر الوطني. تورد الدراسة تأكيداً على هذه الفكرة ما كتبه زين العابدين محمد حسين (أبو زبيدة) المسهّل السابق لتنظيم القاعدة في المملكة العربية السعودية، الذي قال: "أنا فلسطيني ليس لدي وطن، لا جواز سفر ولا هوية، في حين أن اليهود يسرحون ويمرحون في بلادي". كل هذا تأخذه الدراسة بعين الاعتبار حينما تبدأ باحتساب عدد الفلسطينين المشاركين في الحركات الجهادية (كعدد) ثم تأخذ العينة الجمعية التي درسها مارك سيغمان في كتابه "فهم الشبكات الإرهابية" فتشير إلى أن هناك 8 فلسطينين من أصل 280، أو في "سجلات سنجار" (سجلات المقاتلين الأجانب مع القاعدة في العراق في العام 2006) وتصل إلى نتيجة مفادها أن عدد الفلسطينين كان هناك صفر مثلاً (من أصل 595 مقاتلاً أجنبياً)، وتصل الدراسة إلى حد قراءة الحرب السورية الحالية مفيدةً أنَّ 7 فقط من أصل 280 مقاتل (تم دراستهم كحالة لمن سقطوا قتلى في تلك المعارك). توضح هذه الأرقام وبدقة أن الفلسطينين ليسوا ممثلين تمثيلاً زائداً في الشبكات العابرة للحدود، وأن المشاركة المقترحة لهم هي ليست أكثر من مشاركةً "نوعية" وليس "كميةً" البتة.

لا ينتمون لفلسطين:
لاحقاً، تطرح الدراسة إشكالية أكثر أهمية، هل تنتمي شخصيات "كعبدالله عزّام"،"أبو محمد المقدسي"،"أبو قتادة الفلسطيني" إلى فلسطين؟ أي هل تنتمي إلى فلسطين قلباً وقالباً باعتبارها قضيتهم المركزية؟ أم أن هناك أمراً مختلفاً يدور في عقول من يعتبرون "العقول المفكّرة" للحركات السلفية التكفيرية العابرة للحدود؟ في البداية تتناول الدراسة حالة عبدالله عزّام بشكلٍ فردي وخاص ذلك أنَّ الرجل انتمى بشكلٍ فعلي للثقافة الفلسطينية كونه عاشها، فهو من أصل الأشخاص الثلاثة (المحكي عنهم) هو الوحيد الذي درس في فلسطين، وقضى معظم أوقاته فيها (من الولادة حتى سن 25)، فضلا عن أنه الوحيد الذي حارب عسكرياً الكيان العبري (بين الأعوام 1969-1970)، وكان واضحاً من خلال كتاباته أن عمله الجهادي –العابر للحدود- هدفه أولاً وآخراً تحرير "وطنه فلسطين" قبل أي شيءٍ آخر. تؤكد الدراسة أنه لو لم يتم نفي عزّام من الضفة الغربية في العام 1967، لكان ببساطة لم يرحل إلى أفغانستان للجهاد، وبقي في فلسطين مقاوماً بعيداً عن كل "الحركات الجهادية العابرة للحدود".

فلسطين والقاعدة واخواتها

فلسطين ...مجرد بروباغندا

على الجانب الآخر، يأتي أبو محمد المقدسي الذي يقر بأن تحرير فلسطين أمرٌ مهم، ولكنه ببساطة أقل أهمية من ضمان الحكم الإسلامي السليم في العالم الإسلامي، هو يؤيد الكفاح المسلّح ضد الصهاينة لكن ليس "بأي ثمن". وتبدو أفكار المقدسي بدقة حينما يشير إلى أنه "يفضل أن يترك فلسطين محتلة على أن تحررها حركتا حماس أو فتح". تزداد الدراسة غوصاً في فكر المقدسي حينما تشير إلى أن هناك رواياتٍ تشير إلى أنّه اختار اسمه "المقدسي" فقط لأن القدس هي أقرب مدينة كبيرة إلى المكان الذي ولد فيه (برقة)، وليس أبداً لأنه أراد التباهي أو الانتماء إلى "فلسطين". يلتقي المقدسي في ذلك الشأن مع "أبو قتادة الفلسطيني"، فهو لم يجعل القضية الفلسطينية أبداً محور حياته المهنية أو لإنتاجه الأيديولوجي، بل إنه ببساطة فضل القتال العابر للحدود على انتمائه الفلسطيني وعلى قضيته الأم، فهو – بحسب الدراسة - عابر للحدود، وللمصادفة فلسطيني لا أكثر ولا أقل. يأتي تحرير فلسطين أمراً هامشياً بالنسبة لـ"أبو قتادة"، ذلك أنَّ إقامة "حكم إسلامي صحيح" أكثر أهمية، ويصر على "الطهارة العقائدية" باعتبارها أساساً للدولة دوناً عن البراغماتية السياسية التي كان "يقبلها" عبدالله عزّام.
تخلص الدراسة إلى أن تأثير فلسطين، ليس أكثر من رافعةٍ تحفيزية تستخدمها الحركات السلفية التكفيرية العابرة للحدود في سبيل أن تستفيد على قدر استطاعتها من "البروباغندا" التي تؤمنها هذه القضية، فالعديد من الشباب المسلم لديه شعور قوي تجاه تلك الأرض المحتلة، وإن هذه العاطفة هي من العوامل التي تؤثر على قرار عدد كبير من الفلسطينين – غير المنتمين وغير الإسلاميين - للانخراط في تلك الحركات التكفيرية. إذا هي ليست أكثر من "ظاهرة تحفيزية" يتم الاستعانة بها للحصول على دماءٍ جديدة تدفع الحراك أبعد ليس أكثر.

2015-10-16