ارشيف من :آراء وتحليلات
خطة لشرعنة ’داعش’ تحت شعار مكافحة الارهاب
بعد الاجواء المكفهرة والفوضى العارمة التي اشاعتها آلة البروغاندا الغربية عبر التفنن في المتاجرة بشعارات "الدمقراطية" و"الحريات العامة" و"حقوق الانسان" و"الحقوق القومية" و"الحقوق الدينية"، توالت الهزائم للحلف الموالي لأميركا بدءا من تونس وليبيا ومصر وصولا إلى العراق وسوريا واليمن. وامام هذا الفشل اضطرت الجبهة الغربية التي تقودها اميركا الى تغيير تكتيكها، فادعت ظاهريا انها ضد الإرهاب، وادخلت "داعش" و"جبهة النصرة" على لائحة المنظمات الإرهابية الى جانب "القاعدة"، وتظاهرت بغسل يديها من مشروع ما يسمى بـ"دولة الإسلام في العراق والشام".
كما ذهبت هذه الجبهة ابعد من ذلك وشكلت ما سمي "التحالف الدولي" الذي ضم 60 دولة، لشن حرب جوية ضد المنظمات الإرهابية و"الدولة الداعشية". ولكن المسؤولين الاميركيين، وعلى رأسهم باراك أوباما، صرحوا ان هذه المهمة تتطلب سنوات طويلة قد تصل الى 20 او 30 سنة. ومنذ اكثر من سنة مرت على تأسيس التحالف الدولي ضد "داعش" قامت الطائرات الحربية بأكثر من 2600 غارة جوية. ولكنها ليست فقط فشلت في تقليص او اضعاف وجود تلك الدولة، بل على العكس، فإن "الدولة الداعشية" تمددت وترسخت اكثر خلال هذه المدة. وبناء على المعطيات الواقعية لا بد لنا هنا من ان نقدم الملاحظات التالية:
ـ1ـ ان اميركا وحلفاءها ليسوا عاجزين عن توجيه ضربات حقيقية للمنظمات الإرهابية و"داعش". ولكن اميركا كانت ولا زالت غير جادة في محاربة الإرهاب الذي اوجدته هي نفسها.
ـ2ـ ان قسما كبيرا من الضربات الجوية للتحالف الموالي لاميركا كان يهدف الى "رسم حدود" الدولة الداعشية، في مناطق التماس بين هذه الدولة وبين مناطق سيطرة قوات الجيش السوري او الجيش العراقي او المنطقة الكردية. أي ان الضربات كانت تمثل تحذيرا ضمنيا وواقعيا للقوات النظامية السورية والعراقية والكردية من التقدم باتجاه "الحدود الداعشية"، حتى لا تقع تحت ضربات "النيران الصديقة" لغارات التحالف الغربي، عن "غير قصد" (طبعا!).
ـ3ـ وجهت، ولا تزال توجه، بعض الضربات الى بعض كوادر المنظمات الإرهابية والدولة الداعشية، لاجل تصفيتهم والتخلص منهم، لان هؤلاء الافراد كانوا يمثلون ضباط ارتباط بالمخابرات الأميركية والإسرائيلية والتركية والخليجية، التي كانت تشرف على تمويل وتجميع عناصر وتدريب وتسليح المنظمات الإرهابية، ومن الافضل ان تدفن اسرارهم معهم، وان يستلم المسؤوليات كوادر جديدة تعتقد ان الدولة الداعشية هي دولة مستقلة ولها "ارضها الخاصة" و"شعبها الخاص" و"مؤسساتها الشرعية الخاصة"، أي تماما كما جرى في فلسطين حيث نشأت "أجيال إسرائيلية" تعتقد ان "إسرائيل" "وطنها" وهي "دولة مستقلة" عن اميركا وأوروبا الاستعمارية التي بدونها لا وجود لإسرائيل.
ـ4ـ لقد استخدمت الغارات الجوية للتحالف الدولي بقيادة اميركا، من اجل استكمال تسليح وتمويل المنظمات الإرهابية والدولة الداعشية وايصال المزيد من "المستشارين العسكريين" و"المتطوعين الأجانب" اليها. إذ انه بالتزامن مع تلك الغارات، لم تكن المنظمات الإرهابية والدولة الداعشية تضعف، بل على العكس، كانت تزداد عددا، ويتحسن اداؤها القتالي، وتظهر لديها أسلحة جديدة لم تكن تملكها سابقا. وقد شهد بعض رجال الحشد الشعبي العراقي بأنه في ظل الغبار وزوابع الدخان المصطنع وانفجار المفرقعات الصوتية التي كانت تلقيها طائرات التحالف، كانت تحط هيليكوبترات مجهولة تفرغ حمولاتها ثم تعود فتطير، او ان الطائرات كانت تنزل بالـ"باراشوتات" صناديق فيها ما فيها.
ـ5ـ قبل ان تطلع اول طائرة لقصف مواقع المنظمات الإرهابية اخذ القادة السياسيون والعسكريون الغربيون، ولا سيما الاميركيون، يتسابقون لاعطاء التصريحات بأن الحرب ضد المنظمات الإرهابية ستستمر طويلا وربما عشرات السنين. واذا كانت الحرب النفسية والحرب الإعلامية، ولا سيما في عصرنا، هما جزء لا يتجزأ من الحرب بمعناها العسكري والستراتيجي العام، فهذا يعني ببساطة متناهية ان القادة الغربيين كانوا يطمئنون المنظمات الإرهابية والدولة الداعشية ان لا خطر عليها ولا هم يحزنون، وان كل الحملات الغربية المعادية للارهاب ما هي سوى بروباغندا وديماغوجيا وذر للرماد في العيون.
ـ6ـ لا يزال العالم كله يذكر ان تركيا طالبت بإلحاح ومرات عدة، ودعمتها في طلبها اميركا والناتو والاتحاد الأوروبي، بانشاء ما يسمى "منطقة آمنة" على امتداد الحدود التركية ـ السورية، بحجة إيواء اللاجئين السوريين، كما جرى سابقا في شمال العراق وليبيا. ولكن روسيا كانت تصرُّ على ان أي قرار يتعلق بالاراضي السورية ينبغي ان يتخذ ضمن أطر الشرعية الدولية، او بموافقة ومشاركة الحكومة الشرعية السورية. وكان بإمكان التحالف الدولي اتخاذ قرار خارج اطر الشرعية الدولية، كما في صربيا سنة 1999، ثم في العراق وليبيا، والان في اليمن. ولكن تركيا، الجارة لروسيا، فضلت ان لا تتحمل تبعات الغضب الروسي.
عليه، يمكن الاستنتاج ان قرار التحالف الدولي حول محاربة الارهابيين، ما هو إلا قرار فعلي لمساعدة الدولة الداعشية على التكون في دولة "مستقلة" و"قائمة على ارضها"، وتبرئة تركيا من انها كانت مركز التجمع الاولي للجيش التكفيري الذي انطلق من الأراضي التركية لمهاجمة سوريا والعراق، وتنطبق عليه كل مواصفات "الغزو الاستعماري الخارجي"، وتبرئة اميركا وحلفائها الأوروبيين والإسرائيليين والخليجيين من تمويل وتسليح وتدريب المنظمات الإرهابية. ومن ثم إعطاء الوقت الكافي (عشرات السنين) للدولة الداعشية كي تنفصل على الأرض عن الدولتين السورية والعراقية.
فبعد ان تنتزع هذه الدولة شرعية وجودها، يجري تسليحها شرعيا من قبل اميركا وحلفائها، بكل الأسلحة المتطورة حتى القنبلة النووية، وتبادر هي الى شن الحرب على الدول العربية الهزيلة، "بقية سوريا" و"بقية العراق" ولبنان ودول الخليج وتضمها اليها، وتبادر الى الاتحاد مع "الشقيقة الكبرى تركيا"، لانشاء "السلطنة العثمانية الجديدة"، طبعا فوق جثث الاكراد المعارضين واليونانيين وبقايا المسيحيين العرب، واخيرا التحالف مع "إسرائيل" لتوجيه السلاح ضد روسيا، بدعم كلي من الغرب الموالي للاميركيين، وطبعا ليس بدون مباركة الفاتيكان.
ولا شك ان النهاية المنطقية لهذا السيناريو كان سيكون اندلاع الحرب العالمية النووية، لان روسيا ـ بكل صبرها وغفرانها لكل من سبق واساء اليها ـ قد أصبحت مصممة على ان "لا تغفر لهم لانهم يدرون ماذا يفعلون"، وان لا تسمح بأن يبقى حجر على حجر في العالم الغربي و"العثماني الجديد" كله اذا مُسّت شعرة في ذيل دب روسي نائم بسلام في جحره في اقاصي سيبيريا.
ومن هنا جاء تدخل روسيا، بالتفاهم التام مع جارتها الإسلامية الصادقة ايران، ومن ضمن مقتضيات القانون الدولي، وبطلب رسمي من الحكومة الشرعية السورية، وبموافقة الحكومة الشرعية العراقية، وبدعم علني او ضمني من قبل الفصائل الشريفة للمعارضة السورية، ـ جاء لـ"يقطع دابر الشر" من أوله. وهذا ما ينبغي التوقف عنده بشكل خاص.