ارشيف من :آراء وتحليلات

اجتماع فيينا الدولي: محاربة الإرهاب قبل الاصلاح

اجتماع فيينا الدولي: محاربة الإرهاب قبل الاصلاح

أصبحت سوريا الملف الأكثر تعقيداً بين الازمات السياسية الحديثة في المنطقة، فالجميع متفقون على أن الحل العسكري للنزاع غير ممكن، وأن الحل لن يكون إلا سياسيا، ولكن هذا الحل الذي سيبنى على وقائع ونتائج ميدانية غير مكتملة لم تتحقق بعد، تعترضه كمية كبيرة من المشاكل والألغام عند النزول الى التفاصيل.

المشكلة تنطلق من هوّة واسعة بين الموقف الروسي القائل:"إن حكومة الرئيس بشار الأسد هي الحكومة الشرعية وتدعمه إيران في ذلك" وبين الموقف السعودي والفرنسي:" الذي يعتبر أن الرئيس الأسد فقد الشرعية وتدعمها واشنطن في ذلك لفظياً وليس فعلياً بسبب الاتفاق الكيماوي."

رغم هذه التباينات، العملية السياسية انطلقت وبدا البحث بالاليات . بالإضافة الى بيان فيينا والتصاريح المواكبة سرب من الكواليس ان الروس تقدموا بخطة الحل للخروج من الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من 4 سنوات، دون وضع روزنامة واضحة للتسلسل الزمني للخطوات التي اقرها البيان الصادر عن اجتماع فينا الذي حضرته الدول المعنية. وذكرت معلومات ان الإطار الزمني الذي اقترحه الروس يمتد من 15 شهرا إلى 18شهرا من تاريخ توقيع الاتفاق. وإن النقاش الجانبي بحث موضوع الوزارات السيادية وطرح الروس أنه يمكن أن تكون توافقية، ومن التكنوقراط.

ونقلت مصادر:"أن إيران حددت آليات للحل، تبدأ بقرار دولي إقليمي بتصفية الإرهاب في سوريا والعراق، بمشاركة حكومات هذه الدول، ومن ثم إطلاق عملية سياسية بالتوازي، لاحتضان من يقبل الحوار من المعارضين السلميين والمسلحين، في سبيل إيجاد أرضية تفضي إلى انتخاب مجلس شعب ورئيس جمهورية، من دون وضع فيتو على أي اسم، وأيضاً لتشكيل حكومة وحدة وطنية تساعد على إعادة إعمار سوريا وعودة اللاجئين".
دخول إيران الى "حلبة المفاوضات " يوازي دخول روسيا الى "حلبة الحرب"، لما يكتسب من مغزى سياسي ودلالات ومعانٍ أبرزها:
- صعود إيران الى "قطار الحل السياسي" مؤشر الى انطلاقة جديّة له، والى وجود إمكانات وظروف وصوله الى مراحل ومستويات متقدمة في غضون أشهر.

اجتماع فيينا الدولي: محاربة الإرهاب قبل الاصلاح


- لم يكن للمشاركة الإيرانية أن تحصل لولا الموافقة، الأميركية. وهذه ثمرة للاتفاق النووي ونتائجه وانعكاساته.
- مشاركة إيران مكسب لروسيا التي نجحت في تدويل الأزمة السورية وفي استدراج كل القوى الدولية والإقليمية المعنية بها الى حوار سياسي حولها دون وقف الحرب على أرضها. كما نجحت في تعزيز حضورها الدبلوماسي وموقعها التفاوضي، بأن أوجدت محورا رباعيا مساندا لها على طاولة المفاوضات قوامه روسيا - إيران - العراق - مصر في موازاة محور رباعي آخر يضم أميركا - فرنسا - تركيا - السعودية.

وتقول مصادر دبلوماسية في توضيح ذلك": يتفق الاميركيون مع الروس على ضرورة بقاء سوريا موحدة وعلى رفض تقسيمها، وعلى ضرورة القضاء على "داعش" والارهابيين وحل الأزمة سياسياً على أساس تطبيق بيان جنيف، وتنفيذ عملية انتقال السلطة بطريقة منظمة ومدروسة. لكن الأميركيين يختلفون مع الروس على مضمون عملية انتقال السلطة وطريقة تنفيذها ودور الرئيس الأسد فيها. "عقدة الأسد" عالقة ومن غير المتوقع أن تحل في وقت قريب، بحسب توقعات محللين سياسيين مراقبين لسير العملية السياسية.

هذا الاصطفاف الجديد في تغيير المسارات السياسية الدولية يحدث وسط الحديث عن بوادر تغيير في الاستراتيجية الأميركية لمحاربة "داعش" حيث أكد وزير الدفاع أشتون كارتر (في جلسة استماع أمام لجنة العلاقات المسلحة في مجلس الشيوخ):"أن التغييرات في الاستراتيجية الأميركية لمحاربة "داعش" تعتمد على ثلاث ركائز هي:
- معركة الرقة في سوريا ودعم القوات السورية المعتدلة هناك .
- معركة الرمادي في محافظة الأنبار غرب العراق. وتعزيز وتكثيف الضربات الجوية ضد معاقل "داعش" في كل أنحاء سوريا والعراق.
- ضرب مواقع النفط الخاصة بالتنظيم، التي تدعم البنية التحتية المالية له مع تحسين الجهود الاستخباراتية."
 ولمح وزير أميركي إلى أن تعزيز الضربات الجوية ضد "داعش" يمكن أن يشمل إرسال جنود على الأرض." وبدات تظهر طلائعه مؤخرا .

 من جهته اعتبر لافروف أن قرار أمريكا ارسال قوات برية الى سوريا يزيد من أهمية التعاون العسكري بين الجيشين، وقال :"نأمل أن تكون لدى دول الشرق الأوسط ثقة أكبر بعضها ببعض، وأن يكون هناك توافق أكبر في شأن سوريا".

مصادر دبلوماسية رأت أن الرئيس بوتين لم يكشف كل أوراقه خاصة بعد أن بات أمر هيئة الأركان وإدارة الحرب بأيدي الجنرالات الروس المنخرطين في القتال وفي إعادة تأهيل المؤسسة العسكرية السورية وهيكلتها.

وهذا ما دفع فابريس بلانش، الخبير في الأمور السورية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إلى القول:"إن الروس يعدون للبقاء في سوريا بطريقة دائمة. إنهم يريدون توسيع قاعدتهم البحرية في طرطوس واستعادة قاعدة الغواصات في جبلة وليس من المستبعد أن يتوسّعوا في محيط مطار اللاذقية لأغراض عسكرية".  

يمكن القول أن روسيا وإيران اغتنمتا الضعف الهيكلي الذي تمر به الولايات المتحدة بسبب حملة الانتخابات الرئاسية لتتقدم على الساحة السورية قبل ظهور إدارة أميركية جديدة. ومن خلال تأمين حضور دائم في سوريا، تعمل روسيا على تطويق تركيا، وبالتالي شل حركتها. لقد فرضت روسيا في النهاية نفسها شريكا أساسيا في الشرق الأوسط، في حين نفوذ الولايات المتحدة قد أخذ يخبو.  


 من نتائج التطورات الميدانية، نجحت روسيا وايران وسوريا في فرض اولوية محاربة الإرهاب في بيان فينا وتأجيل البحث بالإصلاحات الى مرحلة انتقالية لم تحدد بعد مدتها ولا بنودها بانتظار نتائج المعارك الميدانية. وهذا ما تظهره الأسابيع المقبلة.

2015-11-03