ارشيف من :آراء وتحليلات
ارتباك بعد عودة ’الوطني’ المُنحل في برلمان السيسي
تسببت نتائج المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب التي انطلقت في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2015، وأعيدت في 26 من الشهر ذاته بحالة من ارتباك المشهد السياسي داخل مصر، وفي سحب البساط من تحت أقدام أحزاب سبق أن سجلت مراكز متقدمة في انتخابات برلمان 2012 "المُنحل"، بحكمٍ من المحكمة الدستورية العليا - أعلى المحاكم القضائية في مصر.
المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، تنافس فيها المرشحون على شغل 213 مقعداً بالنظام الفردي، و60 مقعداً على نظام القوائم، تمكنت قائمة "في حب مصر" – ائتلاف يضم نحو 10 أحزاب سياسية أعلنت جميعها دعمها للرئيس عبد الفتاح السيسي، وتواجه اتهامات من قبل خصومها بأنها مدعومة من بعض أجهزة الدولة – من حسم جميع تلك المقاعد.
نتائج المرحلة الأولى التي أُجريت في 14 محافظة مصرية وأعلنتها اللجنة العليا للانتخابات، في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2015، أظهرت فوز نحو 84 عضواً مستقلاً، كانوا من المنتمين إلى الحزب "الوطني" المنحل – الذي كان يترأسه الرئيس المخلوع حسني مبارك قبل أن يتم إسقاط نظامه إثر اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الأول 2011 – وأظهرت تقارير إحصائية أن نواب الحزب الوطني السابقين فازوا بنحو 30 % من عدد المقاعد المُخصصة للانتخاب على نظامي الفردي والقوائم، البالغ عددها 286مقعداً، ما رجّح أن يسجل أعضاء "الوطني" المنحل حال اتحادهم أغلبية مجلس النواب المُقبل الأوسع من حيث السلطات في تاريخ البرلمانات المصرية حيث يتقاسم مع الرئيس الحكم.
كما أظهرت نتائج الانتخابات أمراً كان يتوقعه العديد من المراقبين، حيث حصل حزب "المصريين الأحرار" المدعوم بقوة من الملياردير المصري نجيب ساويرس، على 41 مقعداً، وهي النسبة الأعلى التي حصل عليها حزب سياسي من بين الأحزاب التي نافست في المرحلة الأولى، إذ فاز (36) من مرشحي الحزب على المقاعد التي جرى انتخابها بالنظام الفردي في جولة الإعادة، فضلاً عن (5) مقاعد فاز بها الحزب بنظام القوائم ضمن قائمة "في حب مصر".
حالة الصعود والهبوط التي أظهرتها نتائج المرحلة الأولى على كثير من الأحزاب السياسية، عززها فوز حزب "مستقبل وطن" – حزب سياسي نشأ في أعقاب ثورة 30 يونيو/تموز 2013 ويترأسه الناشط الشاب محمد بدران المعروف بقربه من مؤسسة الرئاسة – بـ(22) مقعداً، بينهم (6) نجحوا ضمن قائمة "في حب مصر"، وبقية المقاعد بالنظام الفردي، فيما حصل حزب "الوفد" – أقدم الأحزاب الليبرالية في مصر – على (22) مقعدا، الأمر الذي اعتبره الكثير من المراقبين انتكاسة للحزب، حيث فاز (17) مرشحاً بالنظام الفردي، و(5) ضمن قائمة "في حب مصر".
فاجعة حزب "النور" – أحد أبرز الأحزاب السلفية التي ظهرت في أعقاب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 وهو الذراع السياسي للدعوة السلفية المعروفة بفكرها ومواقفها المتشددة – تمثلت في خسارة الحزب المنافسة على نظام القوائم، أمام منافسه الأشرس قائمة "في حب مصر"، ولم يتمكن الحزب من الفوز إلا بـ(10) مقاعد بالنظام الفردي، في جولة الإعادة.
الخسارة التي مُني بها حزب "النور" بلا شك ستتسبب في تصاعد الاضطرابات والانشقاقات داخل الحزب، بعدما ضربته موجة انشقاقات خلال الفترة الماضية، منذ مشاركته في بيان عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، يوليو/تموز 2013.
ويبدو أن المرحلة الثانية من الانتخابات والتي تشمل 13 محافظة، أبرزها القاهرة والقليوبية والمنوفية وشمال سيناء، وتجرى في الخارج يومي 21 و22 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وفي الداخل يومي 22 و23 من الشهر ذاته، لم تختلف كثيراً في نتائجها عن المرحلة الأولى، فمن المرجّح أن يستمر النواب المستقلون في تسجيل أغلبية البرلمان، ويستمر أحزاب "المصريين الأحرار" و"مستقبل وطن" و"الوفد" في الصدارة.
ومن المتوقع كذلك ارتفاع عدد مقاعد حزب "النور" في المرحلة الثانية، حيث من المرجح أن يستنفر الحزب جميع قواته في تلك المرحلة لتعويض ما خسره في الجولة الأولى، وسوف تتمخض تحالفات سياسية داخل البرلمان المقبل خاصة بين حزبي "المصريين الأحرار" و"الوفد"، وربما يكون هذان الحزبان هما نواة هذا التحالف، الذي سيدخل بلا شك في مواءمات سياسية كي يصبح الظهير السياسي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لضمان عن الصدام في المجلس.
بينما استمر الغضب المكتوم من نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات التي أسفرت حتى الآن عن عودة عناصر الحزب "الوطني" إلى المشهد البرلماني مجدداً، مع ترجيحات أن تكون الأغلبية في البرلمان المقبل لأصحاب المصالح، كونه برلمانا مدعوما بقوة من رجال الأعمال القادرين ماليا، وممثلي القبائل والعائلات الكبيرة وبعض السياسيين.
أكثر الأصوات تشاؤماً مما تمخض حتى الآن من نتائج المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، يرى أن البرلمان المقبل هو برلمان أصحاب المصالح، برلمان سيكون عاجزا عن خلق حالة من الجدل السياسي الذي يثمر الحياة السياسية في مصر، وفي كل الأحوال ستظل ورقة حل البرلمان حبيسة الأدراج طالما التزم المجلس بسياق محدد ولم يشذ عما يريده النظام.
وحرص الرئيس عبد الفتاح السيسي على إتمام انتخابات "مجلس النواب" الاستحقاق الأخير من خارطة المستقبل، بعد حملة إلحاح خارجية عليه، خاصة أن مصر بلا مجلس نواب منذ 2012، وقد بلغت القوانين التي صدرت منذ ذلك الوقت وحتى الآن نحو 550 قرارا بقانون، في ظل غياب المجلس التشريعي.
ويبدو أن الرئيس السيسي أرجأ العديد من الزيارات الخارجية لحين إتمام استحقاق مجلس النواب، ومن بين الزيارات التي تم إرجاؤها زيارة المملكة المتحدة، التي بدأ السيسي زيارة رسمية لها اليوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وكذلك زيارة الولايات المتحدة الأمريكية التي من المتوقع أن تكون مع بداية العام الجديد.
وانعقاد مجلس النواب سيساعد في تحسين المشهد المصري خارجياً، حيث ربط العديد من الخبراء بين التعاقد على استثمارات جديدة وانعقاد مجلس نواب.