ارشيف من :نقاط على الحروف

بين ’شيطنة’ المقاومة وتضخم الأدوار الاعلامية..

 بين ’شيطنة’ المقاومة وتضخم الأدوار الاعلامية..

لا يمكن فصل ما أثارته قضية رفع حزب الله لدعوى قضائية بحق احدى المذيعات عن مسارين اثنين؛ الاول يرى ان ما يجري يأتي في سياق الحملة المستمرة والمستدامة لتشويه صورة المقاومة وشيطنتها. لم تعد القضية سرا. خرج المنخرطون عن اي تحفظ. تعمل ادوات هذا المشروع دون خجل أو حياء. تتداخل ادوار وسائل الاعلام والاعلاميين والمذيعات بدوائر استخباراتية واجهزة امنية وتقارير سفارات ووزراء ونواب مقيمين ومغادرين وحتى "طافشين". يسعى هؤلاء دون كلل او ملل لالصاق التهم وتلفيق القضايا بحق المقاومة ورموزها وقيادييها وحتى بيئتها الشعبية الحاضنة، دون الاستناد الى اية ادلة حسية دامغة. والهدف وضع المقاومة في مرمى الاتهام وإشاعة انطباعات معينة لدى الرأي العام الذي ينقسم الى قسمين في هذه الحالة . قسم مصدق واخر مشكك . تتحول المقاومة عندها ولدى جزء من الجمهور الى متهم حتى يثبت العكس وتثار حولها التساؤلات التشكيكية .

الحملة تصاعدية لا تهدأ ولا تكل. لا يمكن ترك اي مناسبة او تفصيل دون الانقضاض على المقاومة والاستماتة لشيطنتها. حتى لجوء حزب الله الى اجراء طبيعي وعادي ومنطقي لوضع الامور في نصابها الصحيح مثل الاحتكام الى القضاء ليعطي كل ذي حق حقه، يمكن تحويله الى منصة للتهجم والتضليل. تتجمع الوجوه ذاتها ومعظمها من ضيوف المذيعة المفضلين واصدقائها وحتى كارهيها (بحكم عداوة الكار). الاجتماع على هدف واحد وهو العداء للمقاومة "لا يفسد في الكره قضية" . لا يمكن تصديق ما يردده معظم هؤلاء عن مبدأيتهم في الدفاع عن الحرية الاعلامية والا فما تبريرهم لغيابهم عن التضامن مع زملاء لهم في المهنة رفعت عليهم دعاوى من جهات سياسية حليفة لهم . لم يرفع هؤلاء لافتة تضامن ولا تكبدوا عناء الوقوف على قارعة الشارع بانتظار خروج الاعلامي في المنار او الاخبار من غرفة التحقيقات .  

 

لا يخلو مشهد التضامن مع الذات الكارهة للمقاومة من الكاريكاتور . يحضر المسؤول الاعلامي للقوات اللبنانية . الجهة التي حطمت الرقم القياسي في رفع الدعاوى على الاعلاميين ووسائل الاعلام . يتضامن الاخير مع استهداف حزب الله يستغل المناسبة ليكيل الاتهامات ضد المقاومة . لا يبدو زملاؤه في حزب الكتائب اكثر خجلا وحياء . الرئيس الشاب للحزب العجوز لم يتردد في المطالبة بإقفال وسائل اعلام او منع صحفيين من مزاولة المهنة عند كتابتهم لمقالات لم تنل اعجابه. المكتب الاعلامي الكتائبي اصدر بيانا تضامنيا مع المذيعة ووجه تهمة استهداف الحرية الاعلامية لحزب الله ! حتى الوزير نهاد المشنوق الذي لم تمض عشرة ايام على مقاضاته احد الصحافيين في جريدة الاخبار غرد معربا عن هول المفاجأة التي أصيب بها عند معرفته "بجريمة رفع دعوى" ضد المذيعة المشهورة .
من المتضامنين ايضا فئة ذهب فيها التطرف الى حد الكلام عن رفض مطلق  للجوء الى القضاء لمحاسبة الاعلام . لمن يلجأ المتضررون اذن من السلطة الرابعة؟ الا يدرك هؤلاء ان تعسف الاعلام وممارسته للعنف الرمزي لا يقل خطورة على الحريات الاعلامية نفسها والانتظام العام والحريات الشخصية من تعسف السلطات الامنية والعسكرية والسياسية ؟ ومن اين يأتي هؤلاء بنظرية الحرية المطلقة للاعلام ؟

 بين ’شيطنة’ المقاومة وتضخم الأدوار الاعلامية..

سلطة الاعلام


للاجابة على هذا السؤال لا بد من التطرق الى المسار الثاني للقضية الاساس، موضوع المقالة . اذ  لا يمكن فصل الضجة المثارة حول القضية المرفوعة من قبل حزب الله ضد المذيعة عن دور الاعلام ووظيفة الاعلاميين . لا شك ان العالم العربي عامة ولبنان خاصة يشهد حالة "استكبار اعلامي"  ناتج عن حالة تضخم بالادوار اصابت الحالة الاعلامية. يكفي ان تمنح "الاقدار" او "الصدف" او "الاموال" او " اجهزة مخابرات "  او " دولة بترودولار" منبرا اعلاميا لمتطفل حتى يمنح نفسه حق التضليل والاساءة واشاعة الاوهام والاكاذيب واقامة المحاكم واصدار الاحكام بطريقة مبتذلة ومسفة. يمنح هؤلاء انفسهم حقوقا ويعتبرونها مكتسبة ويمنعون اي طرف من مجرد مناقشتها. من هذا الواقع  انطلقت فورة البرامج الصفراء الفضائحية التي غزت الشاشات. تطرح هذه البرامج مشاكل الناس بخفة بعيدا عن المهنية. تدخل بيوتا فتفضحها وتسيء اليها دون مراعاة لحرمة ودون اي رادع اخلاقي او قانوني .

في هذا السياق يمكن وضع ما ورد في منشور المذيعة الموجهة ضدها الدعوى القضائية وبنسخة المبتذلة. المذيعة المرتبطة باجهزة امنية _ ولا ضير من التذكير بحادثة اجهاشها بالبكاء والعويل على الهواء مباشرة عند تلقيها خبر مقتل احد رؤساء الاجهزة الامنية البارزين _ اوردت معلومات هي اشبه باخبار ثرثرة صباحية على فنجان قهوة او معلومات توردها صحافة صفراء للاثارة وبيع المزيد من النسخ . تلصلصت المذيعة على اسرار الناس، تحدثت دون خجل عن مشاكل عائلية وخصوصيات. بدت كـ"ام العريف" تورد "خبريات" من كل حدب وصوب دون اي ترابط منطقي او معرفي. لا مكان لدى "الاستكبار الاعلامي" للادلة والبراهين. الوظيفة المطلوب تأديتها لا تتحقق الا بمنسوب من الاسفاف واللااخلاقية والاثارة. لا فرق بين اعتماد غوغل كمصدر "مسند" لاستقاء المعلومات وبين تكرار ببغائي ونشر لمعطيات اخترعتها غرف سوداء مغلقة لم تستطع حتى الان تحقيق مبتغاها بالرغم من استنفاذها لكل الادوات الوسخة الممكنة في العالم.

2015-11-05