ارشيف من :آراء وتحليلات
إسقاط طائرة روسية أم سعي فاشل لإسقاط روسيا بوتين؟
مع سقوط أو إسقاط الطائرة الروسية المدنية فوق سيناء، يكون المحور الصهيو-أميركي قد انتقل إلى مرحلة جديدة من مراحل الحرب العالمية المحتدمة في المنطقة والمكثفة في سوريا تحديداً. لكن مثل هذا الحادث لن يغير مسار الحرب المتجه نحو القضاء المبرم على مشاريع الهيمنة.
قد يكون سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء ناجماً عن عطل فني. والعطل الفني يخدم أغراض المتضررين في الغرب وامتداداتهم هنا وهناك من سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لأنه يقدم شهادة على ضعف روسيا في مجال الطيران المدني والتكنولوجيا عموماً، وبالتالي على عجزها عن المضي في المباراة مع الولايات المتحدة حتى النهاية.
قنبلة داعشية؟
وقد يكون العطل الفني، فيما لو رست التحقيقات على تجريم العطل الفني، مجرد تغطية على عمل مقصود من نوع الانفجارات التي حدثت في تيانجين الصينية في 12 آب /أغسطس الماضي وعزاها البعض إلى "صواعق" اصطناعية تم إحداثها من قبل الأميركيين رداً انتقامياً على تخفيض الصين لقيمة عملتها.
لكن، يمكن توظيف الحادث للحصول على مردود سياسي أكبر عبر تحويل سقوط الطائرة إلى عملية إسقاط لها عن طريق تفجير بقنبلة وضعها تنظيم داعش. وقد يكون إسقاط الطائرة قد تم فعلاً عن طريق تفجير من صنع داعش. وهذا ما تفضله الأوساط الغربية التي تستعجل شن الحرب على روسيا.
وقد بدا ذلك واضحاً منذ اللحظات الأولى التي انتشر فيها خبر سقوط أو إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء. في البداية، أكثر من زعيم غربي أعرب عن اعتقاده بأن ما حدث ناجم عن تفجير وأن التفجير قد يكون بفعل صاروخ أطلقته داعش أو قنبلة أدخلتها داعش إلى الطائرة قبل إقلاعها من مطار شرم الشيخ.
ومن الاعتقاد والظن تدرجت التكهنات لتصل إلى يقين بنسبة 90 بالمئة (لاحظوا الدقة) بأن الضجيج الذي يقال بأنه قد سمع في أجهزة التسجيل قبل ثوان قليلة من اختفاء الطائرة هو صوت انفجار قنبلة.
لكن التكهنات، لم تلحظ أبداً ما فلت على لسان وسائل الإعلام منذ اللحظات الأولى من أن قائد الطائرة قد اتصل بمطار القاهرة الدولي وطلب الهبوط الاضطراري، وذلك إثر تعطل أجهزة الاتصال في الطائرة. ما يعني أن القنبلة المزعومة قد انفجرت وظلت الطائرة سليمة ومعافاة لمدة كانت كافية لأن يتصل قائد الطائرة بمطار القاهرة لإبلاغه بأن أجهزة الاتصال في الطائرة قد تعطلت.
كما لم تتضمن التكهنات أية إشارة إلى إمكانية أن يكون الانفجار من صنع جهة غير داعش. كالولايات المتحدة التي تمتلك برامج لإحداث كوارث طبيعية كالزلازل، أو لإحداث تغيرات حادة في الطقس من شأنها أن تكون أكثر قوة من مجرد تدمير طائرة في الفضاء.
أو كـ "إسرائيل" التي ربما تكون قد امتلكت اسلحة تكتونية من النوع المشار إليه، خصوصاً وأن الطائرة الروسية قد تحطمت على بعد كيلومترات قليلة من الحدود الإسرائيلة، بعدما أقلعت من مطار شرم الشيخ التي تشارك باب المندب في قيمته الاستراتيجية. والتي تعتبر مرفقاً هاماً للاقتصاد المصري إلى جانب النيل وقناة السويس والسد العالي...
سردية تلفيقية
إذن، وبغض النظر عن تبني التفجير من قبل شخص زعم أنه ينطق باسم داعش، هم يريدون بكل قوة (الكلام عن جميع المشاركين بشكل أو بآخر في الحرب على سوريا، وبدرجة أقل -لكنها واضحة ومتسارعة ومتصاعدة- على مصر) - أن تكون داعش هي التي قامت بتفجير الطائرة الروسية.
لأن ذلك بالتحديد هو ما تستقيم به السردية-التلفيقة التي يروجها أعداء سوريا ومصر وغيرهما من البلدان المقاومة أو السائرة في طريق المقاومة، والتي تقوم على دعائم أبرزها :
- التدخل الروسي في هذا البلد سيؤدي إلى انهيار روسيا كما سبق للتدخل في أفغانستان أن أدى إلى انهيار الاتحاد السوفياتي.
- إسقاط الطائرة الروسية من قبل داعش هو نقطة البدء في أعمال حربية تستهدف الوجود الروسي في سوريا وغير سوريا بجميع أشكاله العسكرية والاقتصادية والديبلوماسية.
- تنجم عن هذه الأعمال الحربية ردود أفعال رافضة في الداخل الروسي للتدخل في سوريا، مع ما قد يفضي إليه ذلك من إرباكات قد تنتهي بإسقاط حكم الرئيس بوتين.
على هذا، يكون إسقاط الطائرة الروسية، أو فكرة إسقاطها، نوعاً من إعلان الحرب أو، على الأصح، حلقة جديدة من حلقات الحرب العالمية المحتدمة في المنطقة والمكثفة بشكل خاص في سوريا.
والأكيد أن الروس يعلمون تماماً، وشأنهم في ذلك شأن محور المقاومة في المنطقة، أن داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية ليست أكثر من عصابات تخدم المشروع الصهيو-أميركي، ما يعني أن هذا المشروع هو المسؤول الأول والأخير عن كارثة الطائرة الروسية وغيرها من الكوارث التي تضرب العالم.
كما يعني أن إعلان الحرب بهذه الطريقة غير الأخلاقية (المشروع الصهيو-أميركي يعطي أفضلية خاصة للطرق اللاأخلاقية في الحروب وغير الحروب) يستدعي ردوداً مؤلمة قد تكون صعبة بعض الشيء، وصعوبتها ناجمة عن كونها تتوخى عدم الخروج عن حدود الإنسانية والأخلاق.