ارشيف من :نقاط على الحروف
أخي الشهيد... يكاد دمك يضيء
يحضرني وجهك في عناق الغياب الأخير، وأنت تعصر عينيك فوق كتفي وتشدّ على يدي لأحتفظ بعطرك بين أصابعي.. وأعود أكثر في ذاكرتي، فيحضرني وجودك فوق شجرة الزيتون وتحت ظلالها، تجهد في جمع حبات الزيتون المتبعثرة بين التراب، ولا تملّ من البحث عنها بين الأوراق والحجر، فيلفتني صبرك على إخراجها من رحم الأرض لتستحيل حياةً بشكل الزيت ولونه.
هذا الصبر على إخراج الحياة يتكرر في مشهد اخر، وأنت تصبر في جهادك حتى الشهادة، فتُحيي بدمائك أمةً وأجيال..
كل شيء هنا يعيدنا إليك، من رائحة الزيتون التي تدلّ عليك، إلى تاريخ اليوم الذي بات جزءاً منك ويربطنا فيك. هذا اليوم يا أخي يوم الشهيد، يُقدم علينا بثقل الغياب وروعة العز الذي تركته لنا.
تصبح الكتابة في مثل هذا اليوم واجباً، وأنت تلاحقني بابتساماتك الكثيرة، تعيد إلى ذاكرتي كلماتك عن الشهداء والشهادة، حتى نسجت من حديثك ثوباً سرعان ما ارتديته وارتقيت، فبات قولك فعلاً…
يكاد دمك يضيء
كل شيء هنا يعيدنا إلى الشهداء. من شجرة الزيتون التي تُدفن جذورها في الأرض فتُنبت حياتاً، إلى حبة الزيتون التي تُعصر فتُخرج من قلبها زيتاً صافياً يضيء بلونه العسلي قرص الشمس عند ساعات الفجر الأولى. كذلك الشهداء، ترتاح أجسادهم تحت التراب فتولد حقيقة الحياة، وتخرج من أرواحهم عُصارة العشق لله فيلمع الكون بلون الزيت ويملأ النور الحياة.. "اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"... وحدهم الشهداء يعلموننا كيف نحيا، ووحدهم يعطوننا فرصة الشعور بالكرامة..
يا أخي، في يومك أريد أن أغبط التراب الذي يعانق جسدك وكل الشهداء. وأود يا محمد لو كانت يدي تطال السماء فأمررها فوق وجهك الذي أشتاقه كثيراً، ثم أضعها بين كفيك كآخر لقاء، وأستأنس النظر إلى عينيك وأسمعك بلا انتهاء.. لو أني أراك أراك.
أعرف أنك قريب لا يفصلنا عنك سوى جسدك الذي يجاور الشهداء في روضتهم، وأعرف أنك تسمعني وتقرأ، وأنك لو استطعت أن تجيبني لفعلت، لأنك لم تخذلني يوماً. أشعر بروحك تلامس داخلي الذي يكتب عنك، وأعلم أنك الان تبتسم لأنك سجلت إسمك في محضر الشهداء وبات يوم الشهيد يومك أيها الشهيد المنتصر..