ارشيف من :آراء وتحليلات

هل ستنضم فرنسا الى المحور الصحيح في مواجهة الارهاب؟

هل ستنضم فرنسا الى المحور الصحيح في مواجهة الارهاب؟

في واحدة من أعنف العمليات الارهابية واكثرها دموية وتنسيقاً ورعباً، بدت فرنسا عاجزة، ضعيفة، فاشلة ومصدومة، تلك "الدولة العظمى" في التاريخ وسنِّ الشرائع وفي ضبط الامن وغزو البحار وفي الثقافة والفن وفي تقنيات الاتصالات ومراقبتها وفي السيطرة على اجراءات ضبط حدودها ومعابرها...

 

لم يكن الاستهداف الدموي الذي اصابها في عمق عاصمتها وعلى امتداد تنوعات " الليل الباريسي" المشهور مفاجئاً بالمبدأ، فالتهديدات لها تزايدت في الفترة الاخيرة وبدت الامور قاب قوسين، ولكن ما سرُّ تلك الصدمة؟

هل ستنضم فرنسا الى المحور الصحيح في مواجهة الارهاب؟

هل بسبب العدد الكبير من القتلى شهداء الارهاب؟ او بسبب العدد الهائل من المصابين المظلومين اصحاب الحالات الحرجة؟ ام بسبب توزع العمليات في اماكن مختلفة وتزامنها بشكلٍ بدت الشرطة الفرنسية وعناصر الامن عاجزين عن السيطرة على جميع تلك العمليات، في وقتٍ تحتاج كلٌ منها الى غرفة عمليات واسعة لادارة المواجهة بفعالية وبسرعة للتخفيف قدرالامكان من النتائج الكارثية لهذا النوع من الارهاب الصاعق ؟

لقد بدا الرئيس الفرنسي مذهولاً ومتلعثماً عند تصريحه الاول عقب العمليات الارهابية، ليتمالك نفسه لاحقاً ويقرر مواجهة هذا الارهاب معتبراً ان الدولة الفرنسية في حالة حرب، وهي جاهزة لمواجهتها وستدافع عن نفسها، واعلن عن اتخاذ كافة الاجراءات الخاصة بحالات الحرب فوراً، واضاف لاحقاً بان الدولة الفرنسية واخيراً، علمت من اين جاء الارهابيون، وعلمت ايضاً ان هناك تواطؤا داخليا سهّل لهم التنفيذ، وقد يكون سبب تأخره في اكتشاف مصدر هذا الارهاب بأنه لم يكن يعلم ولم يكن يهتم أو يتابع جيداً العمليات الارهابية التي حصلت وتحصل في ساحاتنا ومدننا وشوارعنا، وتحصد خيرة ابنائنا وتزيد من شهدائنا في مواجهة هذا الجهل والتخلف والحقد الاعمى ، ولم تتأخر داعش عن مساعدته بتبنّي هذه العمليات كي لا يكون محرجاً في التسمية حيث تعرف جيداً انه لا يستطيع ان يسمي الاشياء باسمائها .

اذن عرف الرئيس الفرنسي ان داعش هي من خطط وحرّض ونفّذ هذه العمليات الكارثية على دولته ، تلك العمليات التي تحتاج الى جهود منظمات قادرة والى امكانيات دول كبرى لكي تُنفذ بهذه الطريقة الواسعة والمدروسة، ولكن هل يعلم من هي داعش؟ طبعاً ... هي ما تسمى بدولة الخلافة، ولكن هل يعلم فخامة الرئيس ان جميعهم ساهموا في خلق داعش وان دولته مساهم فاعل في بناء اساسيات دولة داعش مع شركاء كبار معروفون ؟

هل يعلم فخامته ان دولته ساهمت منذ بدايات نشأة ما يسمى بدولة الخلافة في هذه النشأة ، وانه كان لها اليد الطولى في التحريض الاعلامي الذي ، وبهدف تقوية المنضوين تحت رايتها ، وبهدف زيادة عددهم لمحاربة النظام السوري ولتفتيت دولة العراق ، ساعد على خلق هذه النزعة الاصولية المتطرفة وذلك عن طريق غضّ النظر الخبيث عن هذا التحريض ؟؟

هل يعلم ان المؤسسات والاجهزة الامنية في دولته تجاهلت او ابعدت نظرها ( الدقيق عادة  عن عمليات التجنيد الواسعة داخل المجتمع الفرنسي او عبر مواقع الكترونية متخصصة ومعروفة لتحضيرمقاتلين للذهاب الى سوريا والعراق، وخصوصاً ان هذا المجتمع هو الاكثر احتضاناً على الساحة الاوروبية لِمُجنّسين من اصول عربية افريقية اسلامية ؟

هل يعلم فخامته ان اجهزة مراقبة الحدود والمعابر في دولته لم تتابع ولم تكترث للخروج الغريب من الاراضي الفرنسية او حتى من الاراضي الاوروبية الاخرى ، والمرتبطة بنظام مراقبة السجلات الاسمية المشتركة في دول الاتحاد الاوروبي ، لاغلب هؤلاء المتشددين والمعروفين من هذه الاجهزة والمتوجهين الى تركيا بجوازات سفر حديثة ومتقاربة ارقام وتواريخ  الاصدار، بتأشيرات سياحية وببطاقات سفر" ذهاباً فقط دون الاياب "؟؟
اذا لم يكن يعلم فخامة الرئيس الفرنسي ذلك فمن الواجب تذكيره ولفت نظره الى ما يلي:


- ان فرنسا هي من المتحمسين الاوائل في لعبة شد الحبال ضد روسيا وايران ..
- ان فرنسا هي من العناصر المهمة في النادي العالمي لتصنيع وتجارة الاسلحة المتطورة، وانها دخلت في لعبة "داعش" إرضاءً لاصدقاء ولزبائن "دسمين" ومتمولين ومهووسيين بشراء الاسلحة الاغلى ثمنا في العالم ...
- ان فرنسا منخرطة من رأسها وحتى اخمص قدميها في مشروع الولايات المتحدة الخبيث لتقسيم المنطقة ولضرب العرب والاسلام ديناً ومجتمعاً وامة ارضاءً لاسرائيل ...

في هذه المحنة التي تمر فيها الدولة والشعب في فرنسا لا بد من تقديم العزاء لاهالي الشهداء والمصابين ، ومن الصلاة وطلب الرحمة الآلهية لهم ، ولا بد ايضا من تذكير الرئيس الفرنسي بالعملية الارهابية التي حدثت  عام 2000 في مسرح موسكو ، ومقارنتها بالعملية الارهابية الدموية التي نفذتها داعش اوائل العام الحالي في مبنى المجلة الفرنسية الساخرة  " شارلي ابيدو " وغير البعيد عن مسرح  " الباتكلان " حيث  الفاجعة الاكثر دموية من بين هذه العمليات ، علّه يستنتج ولو بدا ذلك صعباً على قدرته التحليلية المحدودة بشكل واضح للعيان ، بان قرار الدولة الروسية في محاربة الارهاب كان واضحاً وصريحاً ، وان الحسم في ذلك هو المطلوب دون تمييع ودون النظر الى مصالح مادية وعنصرية دنيئة ، ويحتاج فخامته الى من يذكره ايضا بان ما يسمى بدولة الخلافة هي شركة مساهمة غير محدودة المسؤولية ، ساهموا جميعاً في بنائها ورعايتها وفي توجيهها ، وبان دولته العظمى او حكومته او سياسته هي من اكبر المساهمين في هذه الشركة وتبعاً لهذه المساهمة تتحمل فرنسا المسؤولية الكبرى في هذا الدمار وفي هذا القتل الذي يصيب فرنسا اولاً وكافة المجتمعات في كل اقطار العالم .

2015-11-16