ارشيف من :آراء وتحليلات
الارهاب في مالي.. وقضية الأزواد العادلة
يرى كثير من المحللين بأن دخول الجماعات التكفيرية على الخط في مالي وتبنيهم لقضية شعب الطوارق في الانعتاق من الاستعمار الغاشم لأراضيهم والاضطهاد الممنهج لشعبهم، أساء كثيرا لهذه القضية العادلة ولهذا الشعب المغاربي الذي يستوطن إقليم الأزواد وأقاليم أخرى في دول جوار مالي. فالأمر يشبه تماما حديث القاعدة وداعش عن نصرة القضية الفلسطينية في أحيان كثيرة إثر ارتكاب جرائم إرهابية يندى لها الجبين.
فالطوارق في الصحراء الكبرى الإفريقية هم ضحية الاستعمار الفرنسي الذي رغب حين هم بمغادرة المنطقة في إحياء أمجاد مملكة سونغاي وتمكين الطوارق من إنشاء دولتهم مقابل أن ينهب ثروات هذه الدولة ويبقى وصيا عليها. لكن زعماء الطوارق رفضوا هذا المقترح غير السيادي فكان أن تم تفتيت أراضيهم بين دول الجوار وتم في هذا الإطار إلحاق أهم الأقاليم (الأزواد) بدولة مالي رغم الاختلاف العرقي بين القوميتين، وبات البعض يطلق على الإقليم تسمية شمال مالي.
تاريخ من الاضطهاد
لكن القبائل الأزوادية الطارقية المغاربية لم تستسلم للواقع وقاومت الجيش المالي المدعوم من فرنسا رغبة منها في الانعتاق والتحرر وحماية الثروات الطبيعية التي يرقد عليها الإقليم وأهمها اليورانيوم والمعادن. فكان أن أمر الرئيس المالي الأسبق موديبو كايتا بتسميم الآبار التي يرتوي منها الصحراويون إضافة إلى القتل والتعذيب والتهجير.
ولم يشذ سلفاه موسى تراوري وآمادو توماني توري عن هذا الخط وواصلا الإضطهاد الممنهج للطوارق ما اضطر نسبة هامة منهم تهاجر إلى الجزائر وتستقر هناك. وحتى الرئيس "الديمقراطي" ألفا عمر كوناري لم يمنح الكثير من الحقوق لهذا الشعب المضطهد ولم يفعل الكثير لتغيير ما رسخه أسلافه لدى عموم الماليين بأن طوارق أزواد هم من استعبد الماليين في عصر ما وباعهم رقيقا إلى شعوب شمال إفريقيا المغاربيين.
دعاية تكفيرية
ويستغل التكفيريون اليوم هذه القضية العادلة ويسوقون أنفسهم حماة لهذا الشعب المضطهد ليضمنوا لأنفسهم موطئ قدم في أزواد وكامل الصحراء الكبرى الإفريقية. وقد وجدت هذه الدعاية آذانا صاغية لدى بعض أبناء الطوارق الذين انخرطوا في هذه الجماعات معتقدين أنها قادرة على تحريرهم من ظلم حكومات مالي المتعاقبة المدعومة من الفرنسيين الذين يرابط جيشهم بتلك الربوع.
ولم يكن مفاجئا أن يعلن إرهابيو فندق باماكو في العملية الأخيرة التي استهدفت العاصمة المالية وتم خلالها قتل واحتجاز رهائن من الأجانب بأنهم ارتكبوا مجزرتهم ردا على الاضطهاد الذي يتعرض له الأزواديون في الشمال من قبل الجيشين المالي والفرنسي. ولعل المتضرر الرئيس، إضافة إلى المدنيين الأبرياء، من هذه العملية الإرهابية هي حركات التحرر الوطني في أزواد التي تسعى إلى تحرير أراضيها وإقامة دولتها أو نيل حقوقها كاملة والتمتع بحكم ذاتي في إطار الدولة المالية يمكنها من الانتفاع ولو بالقليل من ثروات الإقليم المترامي.