ارشيف من :المغامرة التركية في سوريا
اسقاط الطائرة الروسية...أين الرد؟
مع التدخل الروسي الفاعل ديبلوماسيا وعسكريا وأمنيا في المعركة الكبرى ضد الارهاب حيث يبدو ان الرئيس بوتين نجح في جرّ قسم مهم من دول العالم للوقوف مع اهدافه في هذه الحرب، ونجح ايضا في تحييد القسم الآخر اقله ديبلوماسيا واعلاميا حيث لا يستطيعون التصريح صراحة عن حقيقة دعمهم لهذا الارهاب ووقوفهم معه، بدأت ملامح التغيير الميداني تظهر على كامل الخارطة السورية.
من خلال هذه المساندة المباشرة التي قدمها الروس للجيش السوري وحلفائه عن طريق التغطية الجوية المركزة والواسعة والتي طالت غالبية مناطق تواجد الارهابيين قصفا لمنشآتهم العسكرية ورماية لمراكزهم وآلياتهم وعناصرهم ورصدا ومراقبة لتحركاتهم وانتقالاتهم ، وحيث بدأت معارك السيطرة الميدانية للجيش السوري تتدافع وتتزاحم بشكل يمكن للمراقب ان يستنتج اكثر من امكانية واضحة في استكمال هذه السيطرة في اكثر من اتجاه، اقدمت تركيا وبواسطة صاروخ جو - جو على إسقاط طائرة روسية قاذفة من نوع سوخوي 24 فوق منطقة حدودية مع سوريا كانت تقوم بمهمة قصف جوي تغطية لعمليات تقدم الجيش السوري في ريف اللاذقية الشمالي وتحديدا في جبل التركمان .
هذا التصرف التركي والذي حصل عن سابق تصور وتصميم، بعيداً عن اي خطأ ناتج حسب ما هو معروف في عالم الطيران الحربي مثلا عن "هدف غير واضح" او عن تقدير خاطىء للرامي او عن عدم تنسيق مع غرفة العمليات الجوية او غيرها من الحالات التي تحدث في حالات التداخل الجوي المتقارب عادة ، لم يكن الا تعبيراً عن صدمة وخيبة من التغيير الميداني في سوريا والذي بدأت تتوضح معالمه كالتالي:
جنوبا، نستطيع القول ان المبادرة الآن هي بيد الجيش السوري لاستعادة السيطرة على مراكز المسلحين مع الشرذمة الواضحة لديهم في مدن وارياف درعا والقنيطرة، وذلك بعد اقفال غرفة عمليات الموك ابوابها ووضعها خارج الخدمة لاسباب متعددة ومنها التمني " الحاسم " الروسي على الاردن بالتعقل ومقاربة الامور بطريقة واقعية اكثر لناحية استحالة الوصول الى انهيار الدولة والجيش والنظام في سوريا .
وسطا، يبدو ان الامور آيلة الى تسويات ميدانية بعد اقتناع اغلب قادة وعناصر المسلحين بعبثية معركتهم ومواجهتهم للجيش السوري الذي يمدّ يده دائما لهؤلاء لاجراء مفاوضات ومصالحات وخصوصا ان عدد المسلحين الاجانب في هذه المناطق قليل نسبيا، وبسبب عدم قدرتهم على احراز اي تقدم وخصوصا بعد التطورات الأخيرة الايجابية الظاهرة بشكل واضح في الميدان لصالح الجيش السوري.
شرقا، لا شك ان السيطرة مؤخرا على بلدتي مهين وحوارين وعلى سلسلة جبال الهيل الحاكمة والمشرفة على مدينة تدمر ستؤسس لمعركة استعادة السيطرة على عاصمة البادية وعلى القريتين التي اصبح دخول الجيش السوري عليها قاب قوسين، والذي يعزز هذا التفوق الميداني الواضح على هذه الجبهة الشرقية هو الاستفادة القصوى من فعالية القصف الجوي المركّز الذي يشكل تغطية واسعة ودقيقة على مراكز داعش وعلى خطوط امداده من دير الزور او من داخل العراق في الانبار عبر مدينة البوكمال، خصوصا ان هذه التغطية الواسعة ترافقت مع خطة دقيقة لرصد اي تحرك في تلك البقاع يأخذ شكل تحرك عسكري او تحرك لنقل النفط الداعشي الذي يبدو انه اصبح من الماضي بالنسبة للتنظيم الارهابي .
شمالا، في الوسط وعبر ادلب واريافها، تأخذ المعركة شكل الترقب والحذر مع بعض المحاولات الفاشلة لتقدم المسلحين باتجاه صوران في ريف حماه الشمالي القريب وذلك عبر مورك ومحيطها شرقا او غربا، والسبب في ذلك يعود إلى ان الجيش السوري يربط هذه الجبهة ميدانيا باي تقدم له في مناوراته الحالية في ريف حلب الجنوبي الغربي او في ريفي اللاذقية الشمالي والشرقي والتي أخرجت الاتراك عن طورهم، حيث يتمدد الجيش السوري وحلفاؤه بشكل واضح لاستعادة السيطرة على هذا الريف الحيوي والحصول على نقاط ارتكاز استراتيجية ستؤسس لإسقاط مراكز المسلحين في سهل الغاب وامتدادا الى جسر الشغور وكامل الحدود الشمالية الغربية مع تركيا ضمن معبر كسب الحيوي، ولما لهاتين المناورتين، في ريف حلب الجنوبي الغربي او في ريفي اللاذقية الشمالي والشرقي من تأثير مباشر في اكمال الضغط على المسلحين في المحافظة الشمالية الوسطى ( ادلب بالكامل وبالتالي سيكون لذلك تداعيات مهمة ستؤسس حكما لفقدانهم السيطرة على مواقعهم هناك .
في ريف حلب الشمالي تأخذ المناورة الحساسة التي يحضّر لها الجيش السوري وحلفاؤه اهمية قصوى في هذه المعركة الواسعة، والتي تنتظر وتتطلب اولا اكمال السيطرة على خان طومان ومحيطها في الريف الجنوبي الغربي واكمال ربط مواقعه التي سيطر عليها مؤخرا في الحاضر والعيس وتل حدية المشرفة على طريق حلب دمشق في محيط الايركادا، وذلك للحصول على بقعة تجمع واسعة ستكون قاعدة انطلاق لعملية مهاجمة باتجاه الشمال مباشرة وعبر تنفيذ اختراق نوعي شبيه بالاختراق الذي نفذه شرقا والذي أدى الى فك الحصار عن مطار كويرس والى السيطرة على بقعة مهمة من الريف الشرقي لحلب، وهذا الاختراق المدعوم من نقطة ارتكاز قوية في باشكوي حيث تتواجد قواته التي تتعرض بشكل دائم لمحاولات تقدم من المسلحين، سيؤسس لفك الحصار عن نبل والزهراء ولاكمال التمدد شمالا حتى معبر باب السلامة على الحدود مع تركيا وذلك بعد السيطرة على مارع وعلى اعزاز
هذه المناورة الاخيرة والتي لا شك بصعوبتها، ستعطي الدولة والجيش في سوريا النقاط الايجابية التالية:
- فك الحصار عن نبل والزهراء وما لذلك من اهمية ميدانية وعسكرية وانسانية ووطنية.
- ضبط المعابر الحيوية مع تركيا والبالغة الاهمية والتي يستعملها المسلحون لادخال العناصر والتعزيزات والعتاد لاغلب مواقعهم في حلب وفي اريافها .
- انتزاع ورقة التحكم بالمنطقة الآمنة من تركيا والتي تحلم فيها الاخيرة على حدودها في تلك المناطق، وفرض استبعادها نهائيا.
- اكمال الحصار على المسلحين داخل مدينة حلب وتضييق الخناق عليهم للوصول الى استسلامهم وبالتالي الى استعادة الجيش السوري السيطرة بالكامل على المدينة الاستراتيجية.
واخيراً، إن هذا العمل العدائي التركي والذي جاء بالطبع منسّقا مع الولايات المتحدة الاميركية ومع حلف شمال الاطلسي بعد ان تخطّت روسيا هؤلاء جميعا وأحرجتهم من خلال الموقف الحاسم والقرار الجريء في تدخلها ضد الارهاب بهذه الطريقة الصاعقة، لن يؤثر في العمليات الجوية الروسية في سوريا والتي قد تتطور الى عمليات خاصة تأخذ طابع الانزالات الخاطفة في نقاط حساسة، كما ستبقى مناورة استعادة السيطرة على ريف حلب الشمالي مع الاعتراف بضرورة تنفيذ كامل المناورات الاخرى ، مكانا مناسبا للرد الموجع على الاتراك من خلال تأمين نقاط استراتيجية ، ستشكل عنصرا فعالا لدى الدولة والجيش في سوريا ولدى الرئيس الاسد شخصيا في المفاوضات المرتقبة لايجاد الحلول السلمية للازمة السورية .