ارشيف من :آراء وتحليلات
التسوية الشاملة وسياسة الوفاق الوطني
يحتاج الوضع السياسي في لبنان إلى عناية فائقة تخرجه من المأزق المستدام إلى الحل الشامل والدائم، والذي يولد الاستقرار والأمن الحقيقيين. وهذه الحاجة ضرورية إلى حد أنه لا يمكن تأجيلها إلى وقت مناسب يختار كل طرف سياسي على أساس إمكانية تحقيقه مكاسب في مواقع متعددة على الأطراف الأخرى.
مفاد القول أن الحاجة اللبنانية إلى الخروج من المأزق الصعب من النوع الذي لم يعد يحتمل تبادل الضغوط، ولعبة عضّ الأصابع، وانتظار الفرج من الخارج، والتغاضي عن المخاطر وعدم قبول الحقائق الواقعية وهذه كلها تقود إلى تقديم التسوية السياسية الشاملة على المستوى الوطني، اللبناني إلى ما سواها من الاستحقاقات المتعلقة بالسياسات الإقليمية للأطراف السياسية اللبنانية.
إن أوضاع البيت الداخلي مقدمة في هذه المرحلة على ما سواها من خلافات، ترتبط في الأساس بالمواقف العربية والإقليمية والدولية.
لا نقصد في هذا التقرير للوضع السياسي اللبناني القول أن القوى السياسية اللبنانية مضطرة للتراجع عن مواقفها من الأحداث حولها. لأن هذا الموضوع غير قابل الوقوع هذا من ناحية، من ناحية أخرى إن الصراعات العربية والإقليمية والدولية، إشكاليات حقيقية مرتبطة بالأوضاع في هذه الساحات، ولا يمكن لأي قوّة سياسية لبنانية أن تعدّل دينامية الصراع فيها، ولا يلزم أن تتركها تؤثر على ديناميكية الحياة السياسية الداخلية، إن لبنان يشكل بالنسبة للوضع العربي الإقليمي مؤشر التوازنات العامة لهذا الوضع وعليه فإنه شديد التأثر به، ولكن هذه الرؤية القديمة للوضع اللبناني، تتحوّل الآن إلى مواجهة تحدٍّ من نوع آخر، رغم قوة الصلة اللبنانية بالأوضاع العربية والإقليمية والدولية، فإن اللبنانيين مطالبون، بالسعي إلى الحفاظ على حيوية النظام السياسي، واستمرار سيادة الاستقرار والأمن والتنمية في الحياة السياسية اللبنانية.
في اختصار مفيد، إذا كان لبنان وثيق الصلة بالأوضاع العربية والإقليمية والدولية، وشأنه على ما يبدو وشأن أنظمة أخرى في هذا العالم، وإذا كان من الصعب حدوث فكاك الوضع اللبناني عن الأوضاع المحيطة به، هل ذلك يعني أن لبنان مضطر لتلقي النتائج الآتية من المحيط، دون أن يمارس حقه في حفظ النظام السياسي من خلال إطلاق دينامية الحياة في عروقه، وعدم تركه يعاني من القعود والجمود، ويتحول إلى جسم بليد، ينتظر أن تأتي له مقومات الحياة من الخارج، فيما هو مكتوف اليدين لا يفعل شيئاً...
نعم، نحن مختلفون حول أوضاع عربية عدّة، من سوريا إلى اليمن، ومختلفون حول اصطفاف في اتجاهات القوى الدولية، وكذلك في مواقف من طبيعة النظام الذي نختاره للمشرق العربي والإسلامي، ولكن هل يمنع هذا الاختلاف الوصول إلى التسوية والوفاق الوطنيين.
إن التسويات بالمعنى السياسي تحصل بين أفرقاء يختلفون في وجهات النظر، وتتباين مواقفهم من الأحداث والوقائع، أو السياسات الإقليمية والدولية، وهذا لا يمنع الوفاق الداخلي، بل إن هذا الوفاق، يمثل القميص الواقي من مؤثرات الأحداث الخارجية عليه، ويسمح لكل القوى أن تعبر عن مواقفها بطريقة حرّة ومؤثّرة.
الاختلاف في الموقف من الوضع الإقليمي والدولي، تتحمله الديمقراطية اللبنانية وقد حصل ذلك في حقبات عديدة من التاريخ السياسي للكيان اللبناني. كانت فيه التسوية الداخلية تتحقق في ظل الخلافات الإقليمية والدولية وكان يقال، أن القوى الإقليمية والدولية، استطاعت أن تساعد اللبنانيين في الوصول إلى الحل. هذه طريقة نظر الدراسات السياسية المعتنية بالأحداث والمواقف التفصيلية، لكن النظر الفلسفي للسياسة يستخرج من هذه الوقائع الحقيقة التالية:
إن التسوية اللبنانية ممكنة في ظل استمرار الخلافات الإقليمية والدولية، وذلك واحدة من حقائق ضرورة الكيان اللبنانية بالنسبة لكل الشعب اللبناني وكان هذا الشعب في ظروف صعبة يجد حلاً لمشكلاته رغم أن العالم من حوله يكون في حالة صراع لا تهدأ...
إن اللبنانيين مطالبون بالاستفادة من الضرورة الصريحة للتسوية السياسية الشاملة، والتي عبر عنها خطاب الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله. وتلك واحدة من أهم نتائج النظر الوطني الصادق لحقيقة الوطن اللبناني وضرورته لمواطنيه اللبنانيين كما لغيرهم من شعوب ودول المنطقة العربية والإسلامية. إن الوفاق اللبناني حاجة وضرورة لمقاومة الإرهاب الذي تحوّل إلى خطر على العالم المعاصر، لأن لبنان في قلب الصراع ضدّ هذا الإرهاب وسبق وقلنا أنه استطاع بقوة شعبه وجيشه ومقاومته من هزيمة الإرهاب التكفيري. والتسوية المنتجة للوفاق الوطني تعطيه عناصر قوّة إضافية في حربه على الإرهاب، حتى يخدم نفسه وبقية العالم...