ارشيف من :آراء وتحليلات
خطر الارهاب يتربص بالخضراء
بعد بيروت وباريس يضرب الارهاب مجددا قلب العاصمة التونسية النابض، ففي وقت الذروة وفي شارع محمد الخامس استُهدفت حافلة للامن الرئاسي ما أسفر عن استشهاد 14 وجرح 20 آخرين. وعلى الاثر اعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ في البلاد لمدة 30 يوما. وجاءت هذه العملية بعد أقل من أسبوع على استهداف الراعي التونسي مبروك السلطاني من قبل التكفيريين.
وفي الحقيقة، فإن هذه الجماعات الارهابية تعمل على تصفية ما تطلق عليهم اسم "الطاغوت"، وما هم إلا عناصر الأمن وأفراد الجيش الوطني، لكن الجديد في العملية هو استهداف الحرس الرئاسي لأول مرة في حادثة تحمل اكثر من دلالة ورسالة.
وبنظرة شاملة على الساحة التونسية، نرى أن التكفيريين باتوا قادرين على الوصول الى قلب العاصمة وعلى تنويع أهدافهم بين مدنية وعسكرية. وهذا الهجوم لن يكون الاخير في سلسلة الهجمات التي يريد الإرهاب تسديدها، لأن الخضراء دخلت منذ فترة في حربها على الإرهاب وتمكنت قوات الامن فيها مؤخرا من إحباط عدد من العمليات والمخططات الارهابية.. وقد ارتفعت الاصوات المطالبة بالاسراع في عقد المؤتمر الوطني لمحاربة الارهاب لعرض مختلف اشكال مواجهة هذه الحرب سواء الفكرية والاستراتيجية والثقافية او العسكرية والامنية.
ويبدو جليا ان الجماعات الارهابية باتت تستهدف الجميع في تونس، ما يحتم ضرورة الوحدة والتلاحم في مواجهة هذا الخطر الداهم. اذ تستغل الخلايا النائمة الازمة السياسية والتصدع على رأس حزب النداء الحاكم والفوضى الامنية في الجوار الليبي لتحقيق اهدافها.
حرب متعددة الاشكال
يشار الى ان الجماعات التكفيرية التونسية تستهدف المدنيين منذ مدة، ولعل الشريحة الأكثر عرضة لنيران و "سكاكين" هذه الجماعات، هي رعاة المواشي في الفيافي والقفار ممن يقصدون الربى بحثا عن الكلأ لإطعام الأغنام التي منها يعتاشون.
وآخر ضحايا هذه الجماعات الراعي مبروك السلطاني الذي لم يتجاوز عمره الستة عشر ربيعا وهو يتيم الأب، فقير الحال، يعيل والدته الفاقدة للبصر. وقد تم ذبحه من قبل الإرهابيين وفصل رأسه عن جسده وإرسال الرأس إلى والدته مع ابن عمه، الأمر الذي أثار حالة من الهلع في صفوف عشيرته ولدى غالبية التونسيين خاصة بعد أن ترك الجسد في الجبال واضطر الأهل إلى البحث عنه قبل أن تنهشه الحيوانات المفترسة.
حرق الجبال
وقد ذهب البعض بعيدا إلى حد الدعوة إلى حرق الجبال ودكها بالمدفعية أو بالقصف الجوي وإبادة ما فيها من حيوان ونبات ووحوش آدمية سافكة للدماء، بعد أن ضاقوا ذرعا بممارسات هذه الجماعات التكفيرية. فالتمشيط يبدو صعبا في تلك الأحراج ذات التضاريس الوعرة التي يضطر الجنود إلى عبورها في كثير من الأحيان سيرًا على الأقدام لصعوبة مرور الآليات العسكرية عبرها فيعرضون أنفسهم لخطر القنص والألغام التي يزرعها الإرهابيون في شعاب هذه الجبال.
لقد اضطرت عائلات تعيش في المناطق النائية إلى اللجوء إلى التجمعات السكنية القريبة والمبيت في المدارس خوفا من هجمات ليلية لبعض العناصر التكفيرية وبات الأمر مثيرا للقلق. ويبدو أن لا مفر من تدريب الأهالي في المناطق الحدودية والنائية على استعمال السلاح ومدهم بالأسلحة ووسائل الاتصال للمشاركة في جهود الدولة لمحاربة هذه الآفة التي بقيت تونس محصنة منها لسنوات بخلاف جيرانها الذين تمكنت منهم هذه الآفة منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي.
التجربة الجزائرية
يرى البعض أن لا بد من الاستفادة من التجربة الجزائرية سواء فيما يتعلق باللجان الشعبية المحاربة للإرهاب والمساندة للدولة أو من خلال سنِّ قانون للوئام المدني مثلما حصل في الجزائر مع اعتلاء بوتفليقة سدة الحكم مع نهاية عقد التسعينيات. إذ من الممكن، بحسب هؤلاء، أن يساهم هذا القانون الاستثنائي في تشجيع كثير من العناصر التكفيرية التي تتحصن بشعاب الجبال على "التوبة" وإلقاء السلاح والانخراط التدريجي في الحياة المدنية مع عموم المواطنين.
في المقابل يرى البعض أن لا مجال للعفو على من رفع السلاح بوجه أبناء وطنه ولا بد من ملاحقته واستهدافه بالقتل في ساحة المعركة، ومن يتم القبض عليه حيا لا بد أن يحاكم ليكون عبرة لمن تسول له نفسه أن يهدد استقرار الدولة وأمن المواطنين. فالعفو عن هؤلاء من خلال قانون وئام مدني، بحسب أصحاب هذا الطرح، قد يشجع آخرين على الانخراط في هذه الجماعات لسفك الدماء وبث الرعب في قلوب ساكنة القطر وفي ضيوف الخضراء من السياح والمستثمرين الأجانب، وهم يدركون أنه بإمكانهم في أي وقت، ومتى شاؤوا، أن يعودوا إلى استئناف حياتهم كمواطنين يتمتعون بجميع حقوقهم المدنية شأنهم شأن بقية الساكنة.