ارشيف من :آراء وتحليلات

لماذا رفض نتنياهو مطلب واشنطن تعزيز مكانة السلطة؟

لماذا رفض نتنياهو مطلب واشنطن تعزيز مكانة السلطة؟

رفض نتنياهو تقديم تسهيلات للسلطة الفلسطينية، تقدم بها وزير الخارجية الاميركية جون كيري، تهدف إلى تعزيز مكانتها في هذه المرحلة التي تواجه فيه "إسرائيل" تحديا أمنياً عجزت حتى الآن على مواجهته. الطرح الاميركي ينطوي على السماح للفلسطينيين بالبناء في مناطق "ج"، التي تخضع للسلطتين الامنية والادارية الإسرائيلية، بحسب اتفاقيات اوسلو.

ما هي خلفية المطلب الاميركي واهدافه، ولماذا رفضه الإسرائيلي؟ وهل للتركيبة الحكومية الدور الاساسي في بلورة الموقف الرافض أم أن نتنياهو نفسه يرفض مثل هذه الخطوات؟.

بداية، من الواضح أن منشأ المبادرة الاميركية، تعود إلى أن واشنطن ترى في استمرار العمليات الفلسطينية مؤشرا قوياً على عجز الإسرائيلي عن قمع الحراك الشعبي الفلسطيني، وبعبارة أخرى عن قمع انتفاضته الجديدة التي ابدع لها اساليب جديدة تتلاءم مع الظروف الامنية والسياسية. في المقابل، أثبت الفلسطيني أن غضبه ليس حالة طارئة يمكن تنفيسه ببضع عمليات هنا أو هناك وانما هو تعبير عن موقف شعبي صارم من الاحتلال وافرازاته، خاصة بعدما أظهرت السلطة فشلا في انتزاع أي انجازات حتى لو كانت متواضعة. ما رأت فيه الولايات المتحدة أرضية لامكانية انفجار واسع قد يخرج سيطرة "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية.

لماذا رفض نتنياهو مطلب واشنطن تعزيز مكانة السلطة؟

في هذه الاجواء، كان لا بد لأميركيا، من بلورة خيار بديل قابل للتطبيق بعيدا عن استئناف المفاوضات. وعلى هذه الخلفية أتى "الابداع" الاميركي المتواضع والفاشل.
مع ذلك، رفض نتنياهو هذا العرض مشترطا أن يتم تراجع مستوى "العنف" أولا، وحاول فرض معادلة على الاميركي يتم بموجبها السماح للفلسطينيين بالبناء، مقابل الاعتراف الاميركي للطرف الإسرائيلي بالبناء الاستيطاني في الكتل الاستيطانية الكبرى.

هدف نتنياهو من وراء الموقف الالتفاف على المطلب الاميركي عبر اتباع سياسة "نعم ولكن". وحتى لا يبدو كمن يرفض بالمطلق خطوة كهذه، شرطها بقضايا يدرك أنه من الصعب الموافقة عليها. وعلى افتراض تم الالتزام بهذه الشروط – وهو مستبعد - سيُسجَّل انجازاً ذلك لإسرائيل وله.

كما هدف نتنياهو إلى أن لا يبدو كمن قدم "جوائز" للفلسطينيين تحت ضغط العمليات. ومن اجل ذلك اشترط اولا تراجع مستوى العنف. لكن نتنياهو يدرك انه على فرض حصل هذا التراجع الذي يطالب به فسينطوي على اتهام للسلطة. باعتبار أن تراجع ما يسميه "مستوى العنف" فهو بهدف أن تحصل السلطة على هذه الانجازات التي تضمنها الطرح الاميركي. وبالتالي فإن منفذي العمليات يتحركون بإيحاء من السلطة ويمكن لها أن تؤثر عليهم، فيما الامر ليس كذلك في الواقع.

إلى ذلك، حرص نتنياهو على ألا يسجل سابقة تُظهر للفلسطيني جدوى الضغط الامني على إسرائيل. وأهمية هذا الموقف، من منظور إسرائيلي، أن هذه السابقة سوف تشجع الفلسطينيين على مواصلة الضغط بل ورفع منسوبه من اجل تحقيق المزيد من الانجازات.

بعد ما تقدم، يأتي اعتبار تركيبة الحكومة اليمينية التي تستند إلى اغلبية هشة، 61 عضو كنيست من أصل 120. وفي هذا المجال يبرز البيت اليهودي اليميني المتطرف، واعضاء كنيست داخل حزب الليكود نفسه، ممن يحاولون المزايدة على نتنياهو عبر التشدد في مواقفهم. ولا شك بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحرص على ألا يسجل على نفسه بأنه اقل اخلاصا وتمسكا منهم بالخط السياسي لليمين الإسرائيلي، لكنه في الوقت نفسه مضطر إلى ممارسة على قدر من المناورة بحكم توليه منصب رئاسة الحكومة.

على خط موازٍ، يمكن لنتنياهو أن يتذرع بالمواقف المتشددة داخل حكومته، وبأنه غير قادر على تمرير المطلب الاميركي لأن ذلك سيهدد استمرارها. خاصة وأنها تستند إلى 61 عضو كنيست بحيث أن أياً منهم قادر على تغيير موازين القوى داخل الكنيست واسقاط الحكومة.

مع ذلك، ينبغي التذكير بحقيقة أن ما طرحه الاميركي بعيد كليا عن طموح السلطة الفلسطينية التي تطالب باستئناف المفاوضات وصولا إلى اتفاق نهائي. إذ لم يقدم كيري سوى بعض "التسهيلات" التي تهدف إلى محاولة امتصاص غضب الشارع الفلسطيني، وبالرغم من هذا السقف المتواضع لم يستطع تمريره.

2015-11-27