ارشيف من :ترجمات ودراسات
الحقيقة حول ’آلة تصنيع الإرهابيين’: لا يمكنكم أن تنفوا علمكم بذلك!
الكاتب : Patrice Gibertie
عن موقع agoravox
18 تشرين الثاني / نوفمبر 2015
انفجرت القنابل في إسبانيا وبريطانيا عندما كان هذان البلدان يشاركان في الحرب على العراق. واليوم، لا تنفجر القنابل في بولندا ولا في ألمانيا، بل في فرنسا. لماذا؟
السبب بنظري، جيوسياسي. إنه التدخل الأرعن من قبل الغرب في الشرقين الأدنى والأوسط : "آلة تصنيع الإرهاب".
العدو هو أيضاً في الداخل. يتغذى على السلفية، وإيديولوجيا الخلافة، والدعاة الذين تمولهم بلدان الخليج. ومع هذا، فإننا نستقبل المسؤولين في هذه البلدان بحفاوة بالغة. والمسألة هنا هي جيوسياسية، ولا شيء غير ذلك.
ضربة مرعبة وجهتها فرنسا، لكنها أصابت فرنسا. أصبح لفرنسا 11 أيلول/سبتمبر خاص بها. كانت تنتظر كليمانصو أو ديغول، لكن عليها أن تكتفي بجورج بوش.
لا، لم يعد الأمر مجرد مسألة جيوسياسية. أصبح فاجعة.
الشك والحقيقة أيضاً قد يظهرا بجلاء أكبر فيما لو توجهنا بأبصارنا نحو بعض العقول المتحررة.. الأميركية.
الولايات المتحدة بلد آسر نجد فيه الأسوأ، أي بوش وماك كين. ولكننا نجد فيه أيضاً الأفضل: نجد قدرة عالية المستوى على الاعتراف بالأخطاء.
المثقفون الأميركيون لا يجهلون مسؤولية بلدهم عن ولادة تنظيم القاعدة في الثمانينات. زبيغنيو بريجنسكي يذهب إلى حدِّ الإقرار بتبني هذا التنظيم، لأن التهديد السوفياتي كان أكبر. المصنوع ينقلب على الصانع والأميركيون يدفعون الثمن المرتفع لـ 11 أيلول / سبتمبر.
هل يأتي يوم نعرف فيه، نحن في فرنسا، حقيقة الدور الذي لعبناه في رواندا قبل 20 عاما؟ هل يأتي يوم نطلع فيه على مسؤولية سياستنا الخارجية في أزمة الشرقين الأدنى والأوسط، وبالتالي في المأساة السورية وفي تداعياتها المباشرة، أي في مجازر 13 تشرين الثاني / نوفمبر ؟
في الولايات المتحدة، هناك سياسيون كثيرون يتمتعون بشجاعة الاعتراف بأخطاء دولتهم. وحتى في بلجيكا، هناك صحافيون استقصائيون يقومون بعمل جيد في هذا المجال.
أما في فرنسا، فإن عدد أمثال هؤلاء قليل جداً. ومع هذا، فإنهم لا يجدون من يسمع مواعظهم غير الصحراء. أذكر منهم فريدريك بيشون الذي ألف كتاباً مهماً عنوانه "سوريا... لماذا أخطأ الغرب ؟".
نرجو أن تستمتعوا بقراءته.
منذ العام 2012، أدى كل من الدعم الجنوني المقدم إلى "الثوار المعتدلين" والحملة الإعلامية التي شنها الغرب ضد النظام السوري إلى تعزيز المتطرفين على أرض المواجهة. ولم يتردد فابيوس في دعم تنظيم القاعدة. فهو يعتقد بأن الأسد لا يستحق البقاء على وجه الأرض.
لقد أخطأ الغرب بخصوص الواقع السوري عندما ظن أن النظام لن يجد جهة تقدم له الدعم. كما عول الغرب على المعركة التي يخوضها الإسلاميون. فهؤلاء "يقومون بعمل جيد" وفق تصريح أدلى به لوران فابيوس الذي استاء، شأن مشيخات النفط، من قرار واشنطن وضع "جبهة النصرة" على قائمة التنظيمات الإرهابية.
وأخذ الجهاديون الفرنسيون بالتوجه نحو سوريا بعد تسميم عقولهم من قبل دعاة سلفيين، لكن هؤلاء الجهاديين لا يشعرون بأنهم يذهبون لمواجهة من يرغب وزير خارجيتنا بمواجهتهم. ولم تصدر أية إدانة للجهاديين! ولم يتخذ أي إجراء بحق من يذرعون الأرض ذهاباً وإياباً عبر تركيا.
بعد أيام قليلة من هجمات 13 تشرين الثاني/نوفمبر، قامت القناة التلفزيونية الفرنسية "BFM" بتنظيم حلقة نقاش تحت عنوان: "سوريا: هل تؤدي الضربات الفرنسية إلى ردع المرشحين المستقبليين للجهاد؟".
وفي حلقة النقاش هذه، ذكَّر فريدريك بيشون بالأخطاء التي وقعت فيها السياسة الفرنسية التي وصفها بأنها محزنة. ماذا لو كان الجهاديون أولاد فابيوس الميؤوس منهم ؟ كما ذكر بأن توجه الجهاديين من فرنسا إلى سوريا مرتبط برغبة فابيوس بإسقاط الأسد... وبمنح إجازة مرور لكل من يريد التوجه إلى سوريا.
من يجرؤ في يوم على طرح هذا السؤال البسيط: ألم تقم وسائل الإعلام بشرعنة نشاط الجهاديين الدوليين الهادف إلى إسقاط الأسد؟
لنعد إلى المسؤولية التي تقع على عاتق فابيوس.
مقتطف من مقالة نشرتها صحيفة "لوموند" في كانون الأول/ديسمبر 2012: "خلال وجوده في مراكش، أعرب وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عن ابتهاجه بالقرار الصادر الشهر الماضي والقاضي بتشكيل الائتلاف الوطني السوري الذي يضم فصائل المعارضة، وبكون فرنسا هي أول دولة تعترف بهذا الائتلاف الذي اعترفت به حتى الآن أكثر من مئة دولة بوصفه الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري" وأضاف فابيوس: "هذا أمر مهم جداً بالنسبة إلى الشعب السوري. وفوق ذلك، تم اتخاذ سلسلة من القرارات على الصعيد الإنساني منها تقديم مساعدات مالية كبيرة من قبل السعودية تحديداً، حين دفعت 100 مليون دولار لمساعدة الشعب السوري".
وأضاف فابيوس : "لقد استمعنا إلى الرئيس الجديد للائتلاف الوطني السوري الذي شدد على أن جميع المكونات السورية، سواء كانت من الأقليات أو من الأكثرية، ستحظى بالاحترام في الحكومة المقبلة. إنه يوم مهم. ولكن تبقى هناك آلام كثيرة والكثير من العمل المطلوب من أجل "رحيل" الأسد. أعتقد أن هذا اليوم هو يوم أمل بالنسبة للشعب السوري".
بالمقابل، أصطدم قرار الولايات المتحدة بوضع جبهة النصرة، وهي تنظيم جهادي يقاتل إلى جانب المتمردين، على قائمة التنظيمات الإرهابية، اصطدم بانتقادات شديدة اللهجة من قبل مؤيدي المعارضة. فقد اعتبر فابيوس أن العرب جميعاً "يقفون ضد القرار الأميركي لأنهم [جهاديو النصرة] يقومون بعمل جيد". وأضاف فابيوس أن "الأمر واضح تماماً وأن رئيس الائتلاف يؤيد هذا التوجه".
يحصل الإرهاب الناشط في سوريا على فيض من الإسلحة بأشكال مباشرة أو غير مباشرة عن طريق مشيخات الخليج. وعلى الأرض، يعرف الجهاديون أن حصولهم على هذه الأسلحة التي يبيعها الغربيون إلى المشيخات مرهون بانضمامهم إلى الجماعات السلفية المدعومة من قبل هذه المشيخات ذاتها. ففي العام 2013، لم يكن هناك وجود للثوار "المعتدلين" ولا أحد كان يتكلم عن داعش، بل عن تنظيم القاعدة في سوريا والعراق.
وفي هذه الفترة، أرسل الغرب أوائل جهادييه. وكان هؤلاء أشبه بـ "زعران" الأزقة الذين يحبون المغامرات منهم إلى المسلمين الملتزمين. ومع الوقت، تلبس القتل والنهب بالتدريج بلباس الدين.
الانعطافة الكبرى: المصنوع يفلت من أيدي صانعيه
رغب فرنسوا هولاند في "معاقبة بشار" وأخذ بتهيئتنا لقصف دمشق. أما كاميرون وأوباما فقد شدوا على يدي رئيسنا الحربجي. لماذا.
الأميركيون والبريطانيون يعرفون مدى الخطر الذي يشكله التدخل العسكري المباشر. ولم يتوقف دومينيك دو فيليبين عن ترداد درسه في الشأن الجيوسياسي: كل تدخل غربي يغذي الإرهاب، والحرب تجر إلى الحرب. الأميركيون يعرفون واقع أرض المعركة ويعرفون أن لا وجود لثورة علمانية وديموقراطية ذات مصداقية. فقد سبق للدعم الذي قدموه إلى الإخوان المسلمين ومحمد مرسي أن أدى إلى كارثة. فمرسي قام بضرب المسيحيين والديمقراطيين. أما السعودية فقد دعمت انقلاب السيسي، فيما قدمت قطر دعمها للإخوان.
لا شيء أسهل في سوريا من انتقال الأشخاص والدعم الخارجي من حركة إسلامية إلى أخرى. وفي العراق، أقام أبو بكر البغدادي "الدولة الإسلامية" (داعش) في نيسان / أبريل 2013 وضم إليها تنظيم القاعدة والتنظيمات الجهادية الأخرى. وبعد ذلك، قرر توحيد داعش والنصرة. وخلال الأشهر اللاحقة، دبت الفوضى ووصلت إلى حد نشوب معارك بين "الجهاديين". وفي بداية العام 2014، استقرت مجموعة من شذاذ الآفاق القادمين من فرنسا وبلجيكا عبر تركيا في شمالي حلب. وبين هؤلاء نجد العقل المدبر للعمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا وبلجيكا خلال العام 2015. وكان هذا الشخص يكثر من التقاط الصور وتصوير شرائط الفيديو على هاتفه الخليوي. وقد تمكن شخص سوري من الحصول على ذاكرة هاتفه الخليوي وسلمها إلى التلفزيون البلجيكي. وبالطبع، جاء الريبورتاج الذي بثه التلفزيون البلجيكي مثيراً للرعب. بعض القراء يعرفون هذا الريبورتاج لأنني قمت بعرضه عام 2014 مع إدانة للخطاب الذي يلمع صورة "الثوار الجيدين". ويمكنكم أن تشاهدوا في الريبورتاج المسؤول المباشر عن العمليات الإرهابية التي ضربت باريس في 13 تشرين الثاني / نوفمبر 2013. شخص مجنون أكثر مما هو شخص متدين.
وفيما بعد، قامت المجموعة المذكورة بمبايعة داعش وارتكبت العديد من المجازر، غير أن بعض أفرادها ضلوا على ولائهم لجبهة النصرة. وكانت تلك اللحظة قد شهدت انشقاقات في صفوف الجهاديين، وبات هنالك إسلاميون تدعمهم دول الخليج (والتحالف الغربي) من جهة، وداعش من جهة أخرى.
والتذكير مهم هنا، بأن جميع هذه التنظيمات تريد تطبيق الشريعة واحتراف القتل.
منذ صيف العام 2014 : صفقة خاسرة وفشل كلي لخط فابيوس
على الأرض، انتهى جهاديو الفريقين إلى التفاهم والاتفاق على محاربة الأسد والأكراد في ظل حرية انتقال كبيرة بين التنظيمات وعلى مستوى التمويل. وهكذا، كانت الأسلحة التي يتم تسليمها إلى "المعتدلين" تنتقل سريعاً إلى أيدي داعش.
إن معلقي الطبقة السياسية الأميركية هم أكثر من أن يكونوا مثيرين للاهتمام. لنستمع إلى الجمهوري راند بول وهو يتحدث في مقابلة أجرتها معه قناة "سي إن إن":
"أعتقد أن علينا في البداية أن نفهم كيف حدث ووصلنا إلى هذا الوضع. لقد قمنا بتسليح داعش في سوريا. وقد تعاونت داعش، وهي من إفرازات تنظيم القاعدة، مع الثوار السوريين الذين تدعمهم إدارة أوباما من أجل إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد.
لقد قاتلنا إلى جانب القاعدة، وقاتلنا إلى جانب داعش. والآن علا شأن داعش في بلدين اثنين. أين يكمن الخلل ؟ نحن مع داعش في سوريا، ما يعني أن الذين يريدون المشاركة في إيقاف داعش في العراق هم متحالفون مع داعش في سوريا. ذلكم هو التناقض الحقيقي في مجمل سياستنا".
انتهى كلام راند بول.
فوق أرض المعركة، يمكن لجماعة ما أن تغير انتماءها بلا أية مشاكل. ويمكن تفسير التقدم الذي تحققه داعش بالإقبال الواسع على الانضمام إليها من قبل "الثوار" المعتدلين العزيزين على قلب لوران فابيوس.
صواريخ، عربات تويوتا جديدة، دبابات. الأموال الغربية، والأهم من ذلك، أموال مشيخات النفط، تصب مباشرة أو بشكل غير مباشر عند داعش.
سهولة الانتقال من تنظيم إلى آخر هي أمر يبدو أن فرنسا لا تنتبه إليه، أو تتظاهر بأنها لا تنتبه إليه. الأميركيون خدعوا في البداية، وقامت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بتسليح "الثوار" الذين سرعان ما يلتحقون بداعش. ولا يصعب علينا تخيل اعتدال الثوار الذين تحتضنهم تركيا أو السعودية.