ارشيف من :المغامرة التركية في سوريا
روسيا في حرب معلنة ضد الإرهاب وداعميه
في خضم تحوّلات إقليمية ودولية كبرى، وعلى خلفية الحرب العالمية ضد "داعش"، ودخول العلاقات الإيرانية - الأميركية مرحلة "السلام النووي"، والدخول الروسي المباشر على خط الصراع الجيوسياسي في الشرق الأوسط، جاءت زيارة القيصر الروسي لإيران أثناء مشاركته في قمة الدول الأعضاء في منتدی الدول المصدرة للغاز، لتضع النقاط على الحروف في كثير من القضايا، بدءاً بمرحلة ما بعد اتفاق فيينا النووي، مروراً بسوريا، وصولاً الى التعاون الاقتصادي سواء على المستوى النفطي أو على مستوى التبادل التجاري، عبر مقترح إقامة منطقة للتجارة الحرة بين البلدين.
وتندرج زيارة بوتين إلى طهران التي توجها بلقاء مع آية الله السيد الامام علي الخامنئي، في إطار التحضير على الأرجح، لرفع وتيرة الانخراط الروسي في سوريا، وطلب المزيد من الانخراط الإيراني في سوريا وإرسال المزيد من القوات البرية.
العلاقة الروسية – الإيرانية تحالفية منذ تعاونهما في سوريا، وليس هناك ما يؤكد نظرية التنافس على النفوذ. وهذا ما تؤكده مستشارة مدير معهد الدراسات الاستراتيجية التابع للكرملين إيلينا سوبونينا تقول: "إن لدى الطرفين الأولويات ذاتها في سوريا، وأبرزها الحفاظ على الدولة من الانهيار، وفيما تعتبر طهران بقاء رأس النظام الرئيس بشار الأسد ضمانة لتحقيق ذلك، تتعامل موسكو مع الملف في شكل أكثر مرونة".
من جهة أخرى تقف تركيا معارضا لتمدد النفوذ الروسي المباشر في الأزمة السورية، فللمرة الأولى منذ انتهاء الحرب الباردة، تسقط دولة في حلف شمال الأطلسي طائرة روسية، وللمرة الثانية في غضون شهر تُجرح روسيا العائدة الى الشرق الأوسط في "هيبتها وكرامتها، وبعد سقوط الطائرة المدنية على يد تنظيم "داعش" في مصر، تسقط طائرة عسكرية على يد تركيا. وموسكو لم تجد فارقا بين العمليتين اللتين نفذتا عن سابق تصور وتصميم وحملتا رسالة اعتراض بالدم والنار على التدخل الروسي في سوريا. وبالتالي طرحت الكثير من التساؤلات أبرزها تساؤلان:
- الأول: هل اتخذت تركيا قرار إسقاط الطائرة الروسية وحدها ومن دون تنسيق مسبق مع الولايات المتحدة، أم أن تركيا لم تكن لتقدم على هذا "الاستفزاز المتعمد والجريء" لولا ضوء أخضر أميركي لتحذير روسيا من خلالها ولجم اندفاعتها في تدخلها بسوريا؟
- الثاني: كيف سترد موسكو، أين ومتى؟
من المؤكد أن بوتين لا يمكنه أن يسكت على هذه "الطعنة - الإهانة"، وإلا فإنه يعرض للخطر خططه في سوريا وعملية اقتحامه لمسرح الشرق الأوسط، ومن المؤكد أيضا أن بوتين لا يسعى الى حرب مباشرة مع تركيا والى رفع درجة التوتر والمواجهة مع الولايات المتحدة ومع "حلف الأطلسي"، الذي تضامن مع تركيا ظاهريا ولم يجاريها في رغبة التصعيد وفي مشروعها للمنطقة الحدودية الآمنة.
الرد الروسي جاء فوريا عبر:
- إلغاء وزير الخارجية لافروف زيارته الى تركيا، تمهيدا لإلغاء بوتين زيارته المقررة بعد أسبوعين.
- وقف كل حركة السياحة الروسية باتجاه تركيا، والتحضير لوقف مشاريع مشتركة.
- قطع كل الاتصالات والعلاقات العسكرية مع تركيا.
- تعزيز أنظمة الدفاع الجوي في شمال سوريا واستخدام نظام "إس 300".
- اتخاذ قرار بإسقاط أي طائرة تعتبرها موسكو تهديدا لقواتها في سماء سوريا.
بالإضافة إلى تصعيد العمليات العسكرية شمال سوريا للسيطرة على خط الحدود مع تركيا وإسقاط مشروعها "المنطقة الآمنة".
في الجانب "الاسرائيلي" صدرت توصيات للمسؤولين على المستويين السياسي والعسكري بالامتناع عن التعليق على إسقاط تركيا للطائرة الروسية، إلا أن ذلك لم يمنع المعلقين والمحللين الإسرائيليين، وأيضاً مصادر أمنية وسياسية، من التعبير عن القلق والحذر الشديد تجاه هذه التطورات التي أرجعت أسبابها إلى:
- المسألة الكردية التي قادت إلى تصعيد التوتر بين روسيا وتركيا.
- الغارات الروسية ضد ميليشيا تركمانية، وليس فقط ضد إسلاميين من أصول روسية.
بالاضافة الى ان السبب الرئيس وراء تدخل تركيا الفعلي في الحرب السورية مؤخراً، هو الرغبة في إنشاء حزام أمني بعرض 45 كيلومتراً على حدودها، وبهدف منع إنشاء كيان كردي.
- من ناحية" إسرائيل، إن قرار روسيا نشر منظومة اس 400 لحماية الأجواء السورية، سيجعل الوضع أكثر تعقيداً لجهة نشاط سلاح جوها الهادف الى منع وصول أسلحة الى حزب لله في لبنان، ولجهة التصدي لمخططات أمنية ضد "إسرائيل" انطلاقاً من الجولان.
انخراط روسيا في الحرب السورية أفرز انعكاسات دولية ظهر ابرزها في فرنسا المصدومة بهجمات إرهابية، فقد غيّرت نظام حياتها وهي تعيش حالة طوارئ معلنة، لكنها تعرف أن احتواء خطر "داعش" والإرهاب يستلزم مزيدا من الانخراط في حرب مفتوحة، وفي إطار تحالف دولي وحيد مما وضعها في موقع اقرب من موسكو . من هنا جاءت زيارة هولاند إلى واشنطن وموسكو بحثاً عن إقامة "التحالف الكبير" الذي تسعى إليه روسيا أيضا من أجل تدمير تنظيم "داعش".
هولاند الذي يواجه امتحانا صعبا ومهمة أصعب، محاصر من ضغوط داخلية من اليمين المعارض الضاغط باتجاه إجراء تغييرات في السياسات الأمنية والخارجية، وخصوصا تغيير سياسة فرنسا تجاه سوريا. يزاد عليها تجاذب خارجي يدور بين أوباما وبوتين حول سوريا، يضعه بين فكي كماشة أميركية - روسية.
من جهة أخرى قالت زعيمة اليمين في فرنسا مارين لوبن "المرشحة البارزة الى الانتخابات الرئاسية عام 2017:" إنه بعد الهجمات الدامية التي وقعت في باريس، من الضروري تحديد العدو، وهو التطرف الإسلامي. وهذا التحديد يرغم على إعادة النظر في صداقات عدة على الصعيد الدولي، ويرغم على طرح سؤال عما اذا كان بإمكاننا أن نبقى حلفاء السعودية وقطر وتركيا . فكل الذين يحاربون الأصولية الإسلامية المتطرفة يجب أن يعتبروا حلفاء من دون أي تحفّظ. وهذا ينطبق على مصر والإمارات وروسيا وإيران".
تطورات الموقف الفرنسي والاوروبي عامة تشجع روسيا على تصعيد موقفها. ومن الواضح أن الرئيس فلاديمير بوتين لن يكتفي فقط بالعقوبات الاقتصادية على تركيا، وسيواصل مساعيه للتغلب على "داعش" واخواتها من سلالة القاعدة. فهناك إصرار روسي واضح على الانتصار. وتطور العمليات الميدانية يظهر جدية موسكو في حربها على الإرهاب.