ارشيف من :آراء وتحليلات

قراءة في موضوع تحرير العسكريين المخطوفين

قراءة في موضوع تحرير العسكريين المخطوفين

يوم أمس، اختتم فصل مأسوي امتد لأكثر من ستة عشر شهرًا تمثل بإطلاق سراح العسكريين المختطفين لدى تنظيم جبهة النصرة الارهابي في جرود عرسال، وذلك ضمن صفقة تبادل لم تظهر تفاصيلها بالكامل لاسباب تتعلق بسرية الملف وأخرى تتعلق بالتفاوض المفترض لاحقا بهدف فك اسر العسكريين الباقين الذين لم توضع النهاية لمأساتهم مع تنظيم داعش الارهابي، كما بقيت بعض المعطيات المتعلقة بإطلاق سراح موقوفين متهمين وغير محكومين غامضة لناحية العدد والاسماء، وذلك لأسباب سرية لها علاقة بامور امنية تقدرها الدولة اللبنانية ممثلة بجهاز الامن العام وبمخابرات الجيش اللبناني.

 

بمعزل عما شهده هذا الملف من تجاذبات سياسية وطائفية ومذهبية حيث ظهر الانقسام السياسي الواضح في النظرة الداخلية لهذا الموضوع من كافة جوانبه ، وبعيدا عن المعطيات المتعلقة بنشوء هذه الحالة الغريبة بعض الشيء عن تاريخ الجيش اللبناني او قوى الامن الداخلي حيث كان ذلك نتيجة لمعركة غامضة وغير واضحة لناحية التفاصيل الميدانية التي رافقتها ، فقد بدت الدولة في هذه القضية مكبّلة اليدين وعاجزة عن اي تصرف او اي تدبير عسكري او امني من شأنه مهاجمة هؤلاء الارهابيين في اوكارهم وفي اماكن تمركزهم وانتشارهم ، والسبب هو استعمالهم للعسكريين المخطوفين رهينة يحتمون بهم ويهددون بالتخلص منهم في حال إتخذ اي قرار بمهاجمتهم او باستعادة السيطرة على اماكن تواجدهم .

لقد استغل الخاطفون أيضًا هذا الملف لناحية حصولهم شبه الدائم على اغلب متطلباتهم اللوجستية التي يحتاجونها في اماكن انتشارهم في جرود بلدة عرسال ، وحتى انهم حاولوا ولاكثر من مرة الضغط لناحية تنفيذ اجندة سياسية او شعبية تتعلق بادارة الدولة والقوى الامنية والعسكرية للمعابر المؤدية الى اماكن تواجد مخيمات اللاجئين السوريين خارج او على تخوم البلدة المذكورة .

قراءة في موضوع تحرير العسكريين المخطوفين

خلال تنفيذ صفقة التبادل هذه، لم يكن مشهد عناصر جبهة النصرة الارهابية مشرفا للدولة اللبنانية وهم يصولون ويجولون مقابل مراكز ووحدات الجيش اللبناني وعناصر وضباط الامن العام اللبناني ، وقد بدا عناصر هذه المجموعة والذين لم يكن عددهم بسيطا، وكانهم اصحاب الارض ولهم السلطة والصلاحية ، وبدا عناصر الجيش والاجهزة الامنية كغرباء مرتزقة لا حول لهم ولا قوة ، وهذا لم يكن الا نتيجة لتحكم السياسة الفاشلة لهذه السلطة التي كان من المفترض ان تكون صاحبة السيادة على ارضها وعلى كل من يتواجد داخل حدودها الجغرافية .

لم يكن وضعا طبيعيا او مشرّفا ان تتحكّم النصرة بكامل مفاصل عملية التبادل حيث بدا قادتها الميدانيون المكلفون إدارة ما يعنيهم من الصفقة يديرون مناورة سيارات الصليب الاحمر الدولي واللبناني ومناورة تسليم العسكريين بطريقة مخزية وحسب معادلة حسابية تترافق مع تقدم آليات المساعدات والطلبات اللوجستية التي فرضوها، وتنمّ عن تسلط وعجرفة واستهزاء.

كل هذه المشاهد غير المشرفة وغير الطبيعية كنا استغنينا عنها بالأساس وكنا حافظنا على دماء شهداء كانوا رفاقا لهؤلاء المفرج عنهم اليوم، سقطوا ذبحا على يد هؤلاء الانجاس الذين فرضوا علينا هذا الموقف المخزي، لو كان لدى هؤلاء الجنود وعناصر قوى الامن المحررين عقيدة يجب ان تكون لدى كل من حمل سلاحا شرعيا ولدى كل من لبس بزة عسكرية واقسم على حماية وطنه وأرضه وعرضه، وهذه العقيدة هي عقيدة القتال حتى الاستشهاد وعدم الاستسلام.

ان هذه العقيدة التي يجب ان تكون ملزمة لجميع عناصر الجيش والقوى المسلحة مهما تنوعت رتبهم ووظائفهم ، يجب ان تُلقّن في مدارس ومعاهد هؤلاء جميعا، وهذه العقيدة هي التي تحافظ على شرف الدولة والوطن وحيث انها لو وجدت بالاساس عند الجنود المحررين لما تجرأ احد من هؤلاء الارهايين على التطاول على المؤسسات العسكرية والامنية ، ولو وجِدت بالاساس لما وجَدت نفسها السلطة في موقف الضعف والذل الذي بدت فيه .

2015-12-02