ارشيف من :نقاط على الحروف
عندما تُشرى الرصانة بالمال
نشرت صحيفة "الشرق الاوسط" السعودية بكل تفاخر خبرا حول قيام الدورية الأميركية الشهيرة "فورين بوليسي" باختيار ولي ولي العهد السعودي (النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع) محمد بن سلمان كأحد أكثر الشخصيات تأثيرا في العالم. وقالت الصحيفة نقلا عن المجلة الاميركية أن السبب في اختيار الامير محمد بن سلمان "هو الدور الفاعل والواضح الأثر الذي يقوم به منذ توليه منصب وزير الدفاع في يناير/كانون الثاني الماضي".
واضافت الصحيفة ان هذه الدورية التي وصفتها بالرصينة، أكدت "أن الأمير محمد بن سلمان آمن بوجوب التضحية بالدماء والأرواح لمواجهة المد الإيراني وإبعاد طهران من العالم العربي، وذلك بانطلاقة عملية عاصفة الحزم لتخليص اليمن من الميليشيات المدعومة من طهران، وإعادة الشرعية". وأشارت الشرق الاوسط نقلا عن المجلة في حديثها عن اختيار سلمان إلى "الحيوية التي يضخها في الاقتصاد السعودي، عبر الاتفاقيات التجارية الثنائية عالمياً ولعل آخرها الصفقات التجارية مع روسيا".
اما سياسيا فقد كان "التأكيد على أن ولي ولي العهد السعودي أحد المؤثرين في إعادة رسم الدور الذي تلعبه السعودية في خدمة قضايا المنطقة العربية".
إن هذا التصنيف للفورين بوليسي ليس جديدا، بل هو يعيدنا الى الاجواء التي تلت هجمات الحادي عشر من ايلول حيث صرفت المملكة مليارات الدولارات لاعادة تلميع صورتها التي تهشمت بعد ثبوت ضلوع خمسة عشر سعوديا من اصل تسعة عشر متورطين في هذه الهجمات. وقد تمت عمليات التلميع هذه بالتعاون والتعاضد بين المملكة والمسؤولين الاميركيين في عهد بوش الابن.
ويبدو ان هذه التجربة التي اتت أكلها الى حد ما تقوم المملكة باعادة انتاجها من جديد، لكن هذه المرة بعد اجراءات قامت بها المملكة وتتعلق بهيكلة الحكم والتمهيد لنقل السلطة الى الجيل الثاني من سلالة مؤسس الدولة "الحديثة" للمملكة.
في الوقائع، بدأت حملة اعادة "تلميع الصورة" بعد الاتهامات المتتالية والموثقة للسعودية بكونها الداعم والمصدر الاساس للارهاب التكفيري. كانت بوابة هذه الحملة عبارة عن مزاعم من مراكز احصائية تقول فيها ان المملكة لا تتصدر لائحة الدول من حيث عدد الارهابيين الذين يلتحقون بداعش واخواتها. ففي عام 2013 كانت الاحصاءات ان المملكة تتصدر هذه اللائحة بعدد يقارب 11.000 سعودي، ثم اختفت هذه الاحصائية من التدوال ليستعاض عنها بتونس بالمرتبة الاولى بثلاثة الاف تتقدم بذلك على السعودية (2500). ثم تتابعت الحملة عبر اصدار المملكة لما سمي بقانون مكافحة الارهاب.
ولم تنتهِ الحملة بتعيين سعودي في مجلس حقوق الانسان، وبتقدم لها على لائحة الدول التي تساوي في التعامل في الرجل والمرأة.
هذه الحملات اتت في وقت توجه فيه الاتهامات للمملكة بانها ترتكب جرائم ضد الانسانية في اليمن، ان عبر استهداف المدنيين والقتل الجماعي، او عبر استخدام اسلحة محرمة دولية، فضلا عن التعاون الوثيق والمفضوح بينها وبين تنظيم القاعدة في اليمن.
في هذا السياق، يبدو واضحا حجم الضخ المالي السعودي للكثير من المؤسسات الاعلامية والبحثية، العربية منها والغربية، حيث تعتبر المملكة انها تخوض حرب وجود، وكل واحد لا بد له ان يحدد موقفه: اما معنا او ضدنا. لا وجود لخيار ثالث بعد الان في سياسة المملكة.
لكن حديث الفورين بوليسي وان كان يرتبط بحملة اعادة تلميع الصورة، الا اننا ايضا لا يمكننا فصله عن الصراع على السلطة داخل المملكة. فولي ولي العهد يصرف الكثير من المال على بناء شبكة علاقات تسمح له اما بالاطاحة بولي العهد محمد بن نايف، او تحجيم صلاحياته الفعلية على اقل التقادير. ويقوم بن سلمان بهذه الحملة عن طريق الامساك باهم المشاريع المنتجة والمربحة اقتصاديا. فبعد حادثة سقوط الرافعة في الحرم المكي تم تعليق العقد مع شركة «بن لادن» المتعهدة لاعمال توسعة الحرم، ما فتح الباب للشركات التابعة لولي ولي العهد بالاستيلاء على هذه العقود. فضلا عن ان بن سلمان بات يهيمن على الشركات النفطية الاساسية في المملكة وعلى راسها «ارامكو». اضافة الى السمسرات التي يحققها من عقود شراء الاسلحة بمليارات الدولارات وهي عقود تحقق له مكسبين : الاول العمولات، والثاني شبكة العلاقات مع الدول والشركات التي تتم الصفقات معها.
تُعمي هذه الصفقات والمصالح اعين الحكومات الغربية، الاوروبية منها والاميركية، فُيعاد تلميع مصدر الارهاب على انه ضحية للارهاب تارة، او انه في طليعة المحاربين له تارة اخرى. فتتحول جرائم الحرب في اليمن الى انجازات في مواجهة «المد الايراني»، وصفقات الاسلحة العبثية على انها محاولات تنموية اقتصادية..وهكذا.
وفي المحصلة فانه عندما تُشرى رصانة مجلة كالفورين بوليسي بالمال، فلا ينبغي للشعوب الغربية ان تتفاجأ عندما ترى ارهابيين ينتشرون في شوارع عواصمهم يقتلون ويذبحون، بل كل ما يمكنهم فعله هو ان يسألوا ويسائلوا تلك الرصانة المشتراة.