ارشيف من :آراء وتحليلات
’اسرائيل’ بين تركيا وروسيا: مصالح متداخلة ومتضاربة
شكل التدخل العسكري الروسي نقطة تحول في مجرى التطورات السياسية والعسكرية على الساحة السورية. وباتت روسيا عاملا اساسيا يفرض نفسه على كافة الاطراف الاقليمية والدولية المعنية بالواقع السوري، بمن فيهم"اسرائيل". ازاء هذا المستجد الاقليمي والدولي على الساحة السورية، اختارت تل ابيب نهجا "تنسيقيا" مهد له نتنياهو خلال زيارته الى روسيا، اواخر أيلول الماضي، ثم خلال لقائه بالرئيس بوتين في باريس على هامش قمة المناخ العالمي.
لم يكن تبني "اسرائيل" خيار التنسيق مع الجيش الروسي في سوريا، إلا نتيجة محدودية الخيارات الماثلة امامها، وتهدف بشكل اساسي الى الحؤول دون الاصطدام بالجيش الروسي الذي سينعكس ايجابا من منظور اسرائيلي لصالح حزب الله وحلفائه. ورغم أن التحييد المتبادل يخدم كلا الطرفين الروسي والاسرائيلي، إلا أن الاخير لم يتبن هذه الاستراتيجية إلا بعد تقديره لمفاعيل الخيارات البديلة والتي بالتأكيد أظهرت له بأن أي صدام مع الجيش الروسي سينعكس سلبا على الامن القومي الاسرائيلي ويحرم الاسرائيلي المساحة التي يستغلها من اجل تنفيذ ضربات موضعية محددة على الساحة السورية.
ولا شك بأن الانكفاء الاميركي والغربي، ايا كانت أسبابه، امام التقدم الروسي في سوريا كان سببا اساسيا كي ينحو الاسرائيلي نحو المسار التنسيقي على قاعدة أقل الخيارات سوء خاصة في ضوء ادراكه بأن التدخل العسكري الروسي ينعكس ايجابا لمصلحة محور المقاومة في سوريا والمنطقة.
الى ذلك، يأتي اسقاط سلاح الجو التركي طائرة السوخوي الروسية محطة اضافية في حركة الصراع والمواجهة على الساحة السورية. ويلاحظ أن "اسرائيل" الرسمية لم تحاول أن تقف بشكل صريح الى جانب أي من الطرفين، لكنها حاولت الاستفادة منه لتعزيز التنسيق مع الجانب الروسي، عبر الحديث عن خروقات جوية روسية للاجواء الاسرائيلية، وانه عبر التواصل بين الطرفين لم يحصل أي صدام.
الموقف الاسرائيلي غير الصريح ازاء حادثة اسقاط الطائرة الروسية، يعود الى أن تل ابيب تجد نفسها مدفوعة بعدد من العوامل المؤثرة في بلورة خياراتها ازاء روسيا وتركيا، سواء على خلفية الازمة المستجدة بينهما أو فيما يتعلق بمجمل سياساتهما على الساحة السورية.
من جهة قد تجد "اسرائيل"، ابتداء، العديد من الاسباب التي تدفعها لاتخاذ موقف ايجابي الى جانب روسيا في مواجهة تركيا، خاصة وأنه تربطهما علاقات جيدة ومستقرة وفي مجالات متعددة.
في المقابل تسود العلاقات مع انقرة، نوع من التوتر السياسي. ويمكن لاتخاذ موقف مؤيد الى جانب روسيا أن يعود على "اسرائيل" بثمار اقتصادية، بعد العقوبات التي فرضتها موسكو على تركيا. كما يمكن لـ"اسرائيل" أن تشكل بديلا جزئيا لروسيا عن تركيا في مجالات الزراعة والسياحة ومجالات اخرى.
لكن، من منظور استراتيجي، تلعب تركيا دوراً أساسياً في مواجهة محور المقاومة في سوريا. وهو ما يجسد المنطق الاستراتيجي والمصالح الاسرائيلية الجوهرية. في المقابل، تلعب العمليات العسكرية الروسية في سوريا، دورا يمنح مشروعية دولية لاعداء "اسرائيل"، من ايران الى حزب الله والرئيس الاسد على اساس أنهم يشكلون القوة الاساسية لمحاربة داعش واخواتها. ونتيجة ذلك، لدى تركيا واسرائيل مصلحة مشتركة تقوم على اساس العمل على اسقاط الرئيس الاسد، واضعاف النفوذ الايراني في المنطقة لما يشكله من قوة دعم وخلفية استراتيجية لقوى المقاومة ضد اسرائيل، على أمل أن يؤدي ذلك الى تقويض قدرات حزب الله.
في ضوء ما تقدم، تجد "اسرائيل" نفسها امام مصالح متداخلة ومتضاربة. من جهة لا تريد الاصطدام بروسيا، فيما روسيا تقاتل الى جانب الجيش السوري وحلفائه. وبما يؤدي الى تعزيز المكانة الاستراتيجية لمحور المقاومة ومن ضمنهم حزب الله. في المقابل، تتقاطع المصالح الاستراتيجية بين "تل أبيب" وأنقرة، وعلى خط مواز تسود علاقات سياسية متوترة بين الطرفين.
وعلى ذلك، فالمخرج الوحيد الذي يجسد المصالح الاسرائيلية بصورتها المثلى، بلورة استراتيجية شاملة مدعومة اميركياً وغربياً وعربياً، تستند الى قوات برية تؤدي الى اسقاط الرئيس الاسد واستبداله بنظام يستكمل الحزام الامني الاقليمي الذي يحمي الامن القومي الاسرائيلي، ويقطع خط التواصل والترابط بين أطراف محور المقاومة، ايران – حزب الله. لكن مشكلة هذا الخيار أن مقوماته قد لا تكون متوفرة، ودونه الكثير من العقبات والمعادلات الاقليمية.