ارشيف من :آراء وتحليلات
روسيا تطوق تركيا بالعقوبات وتغير قواعد اللعبة في سوريا
لم يكن اللقاء الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي باراك أوباما على ھامش قمة المناخ العالمية في باريس ھو حدث ھذه القمة، وإنما اللقاء الذي لم يحصل بين بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان ھو الحدث.
بوتين لم يلب رغبة أردوغان بلقائه، وهذا يعني أن موسكو مصممة على تدفيع تركيا ثمن الخطأ الكبير الذي ارتكبته بإسقاطها للطائرة الحربية الروسية، وبأنها تجاوزت جميع "الخطوط الحمراء". مع الاتجاه لإغلاق الحدود السورية-التركية وعزل البلدين عن بعضھما.
ولم يكتف الكرملين بذلك، فقد واصلت روسيا سياسة الضغوط الاقتصادية على تركيا في مختلف المجالات، خاصة فيما يتعلق بالمنتجات الغذائية والزراعية، وأعلمت جميع المؤسسات والمنظمات والأفراد في الحكومة الروسية الالتزام بحظر أو تحديد العمليات الاقتصادية الخارجية بما فيھا استيراد بضائع معينة مصدرھا تركيا إلى الأراضي الروسية.
وابتداء من 1 كانون الثاني 2016، يمنع أصحاب الأعمال الروس من توظيف العمالة التركية باستثناء الأشخاص الذين تم توظيفهم قبل هذا التاريخ، كما يمنع على شركات السياحة الروسية تقديم عروض للرحلات إلى تركيا. وستقوم الحكومة الروسية بوضع إجراءات ومعايير لحظر الرحلات الجوية بين روسيا وتركيا، أما في القطاع الثقافي فقد أعلنت وزارة التربية الروسية في بيان لها أن غالبية الجامعات الروسية الـ 44، قطعت أي اتفاق تعاون مع شركائھا الأتراك. وأعلن مركز البحث العلمي الروسي - التركي الذي مقره في مكتبة كبرى في موسكو إغلاق أبوابه.
وبموازاة ذلك، بدأت الصحافة وأجھزة الإعلام الروسية فتح ملفات الفساد والعلاقات التي قالت مصادر كثيرة، ومنھا على مستوى الكرملين، بتورط عائلة الرئيس التركي أردوغان في علاقات مشبوھة مع تنظيم "داعش".
تكشف للمرة الأولى موسكو، بالصور والفيديو، عن المسارات التي يستخدمھا تنظيم "داعش" لتھريب النفط المسروق من سوريا والعراق إلى تركيا. كما عرض مسؤولون في وزارة الدفاع الروسية صورا التقطت بالأقمار الاصطناعية قالوا:" إنھا تبين طابورا من شاحنات صھاريج محملة بنفط في منشآت يسيطر عليھا "داعش" في سوريا والعراق، ثم وھي تعبر الحدود إلى تركيا"، وذكروا:" أنھم على علم بثلاثة مسارات يمر من خلالھا النفط السوري والعراقي إلى تركيا." حيث الشاحنات تعبر الحدود بالمئات على الرغم من العمليات القتالية الدائرة في المنطقة. وتظھر اللقطات أنه لا يجري تفتيش تلك الشاحنات في الجانب التركي من الحدود.
ولم تكتف موسكو بذلك بل زادت من الضغوط على أنقرة عبر اتھامھا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعائلته بالاستفادة من النفط المھرب، مقابل توريد أسلحة ومسلحين إلى التنظيم.
وقال نائب وزير الدفاع الروسي اناتولي أنطونوف في مؤتمر صحافي إن "الطبقة الحاكمة السياسية، ومن ضمنھا الرئيس أردوغان وأسرته، ضالعة في ھذه التجارة غير المشروعة". موضحا:"أن روسيا "حذرت مرارا من خطر التعامل مع الإرھاب". وقال:"ألا تطرحون تساؤلات حول كون نجل الرئيس التركي يتولى رئاسة إحدى أبرز شركات النفط، وأن زوج ابنته عُين وزيرا للطاقة؟ يا لھا من شركة عائلية رائعة"، معلقا على تعيين بيرات البيرق ( 37 عاما) صھر أردوغان وزيرا للطاقة وعلى نجله بلال أردوغان الذي يملك مجموعة "بي أم زد " المتخصصة بالأشغال العامة والنقل البحري.
وقال أنطونوف إن "التدفقات المالية الناتجة من الإتجار بالمشتقات النفطية موجھة ليس إلى زيادة ثروة القيادة السياسية والعسكرية في تركيا فحسب، بل يعود جزء كبير من تلك الأموال بشكل أسلحة وذخيرة ومرتزقة جدد من مختلف الألوان". وتحدى السلطات التركية السماح بتفتيش المناطق التي تشير بيانات وزارة الدفاع الروسية إلى وجود طرق لتھريب النفط "الداعشي" فيھا، مشيرا إلى عقد مؤتمر جديد للكشف عن "معلومات عن الأسلحة والمواد المتفجرة التي يجري إرسالھا من تركيا إلى سوريا، وعن تدريب الإرھابيين في الأراضي التركية.
وكالعادة سارعت واشنطن للدفاع عن حليفتھا. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركي مارك تونر "نرفض رفضا قاطعا القول إن الحكومة التركية تتعاون مع داعش لتھريب النفط عبر حدودھا."
تركيا لم تتوقع الدخول العسكري الروسي في سوريا. كانت مفاجأة كاملة لھا. ومن ثم للقوى التي تدعمھا إقليمياً وداخليا في سوريا. النزول الروسي إلى الجو السوري أنھى عمليا خمسة شعارات كانت ترفعھا تركيا، وتدور بھا في المنطقة والعالم:
1- نھاية منطق المنطقة العازلة.
2- وفوقھا أيضاً منطقة حظر طيران، حيث بات الطيران الروسي ھو المسيطر.
3- نھاية منظومة قواعد الاشتباك التي وضعتھا أنقرة من طرف واحد، وحلت محلھا قواعد اشتباك مضادة ترسمھا روسيا وسوريا.
4- جاء التدخل الروسي، كما قال بوتين، بناء على طلب الرئيس السوري بشار الأسد الذي تجاوز مرحلة السقوط.
5- وجاء التدخل الروسي ليسقط أو يضعف واحداً من الأھداف الكبيرة لتركيا، وھو إضعاف أكراد سوريا ومن خلفھم أكراد تركيا و"حزب العمال الكردستاني". إن واحداً من اكبر الرابحين من التدخل الروسي ھم وحدات الحماية الكردية.
أردوغان الذي بدأ يشعر بالكلفة الكبيرة التي سيدفعھا، بات بالنسبة إليه موضوع المنطقة العازلة أمراً غير قابل للتحقق وھو ساقط حكماً. لأن ما كان يمكن القبول به من الجانبين الروسي والسوري قبل اسقاط الطائرة لم يعد ممكنا السير به بعد الحادثة.
والآن بعد إسقاط الطائرة الروسية، فإن ھذه الطعنة في الظھر، كما وصفھا بوتين، ستدفعه الى تغيير قواعد اللعبة ليس فقط التي أرادھا أردوغان من وراء اسقاط الطائرة بل قواعد اللعبة التي كانت قائمة قبل أزمة الطائرة.