ارشيف من :ترجمات ودراسات
الولايات المتحدة والدول الغربية تتهيأ للتصعيد العسكري في سوريا والعراق
الكاتب: Thomas Gaist
عن موقع: Mondialisation.ca
1 كانون الأول / ديسمبر 2015
من الواضح، بعد ما يزيد قليلاً عن الهجمات الإرهابية التي نفذت في باريس، أن الولايات المتحدة والطبقات المسيطرة في أوروبا، تنوي استخدام تلك الهجمات كمبرر للتصعيد المكثف للحرب في سوريا والعراق. وقد برز بسرعة توافق على شن هجمات برية وجوية على مدن في هذين البلدين.
مرشحون للانتخابات الرئاسية الأميركية وبرلمانيون عديدون رفعوا عقائرهم في ندوات نقاشية أجريت الأحد الماضي [على قنوات تلفزة] ليطالبوا باتخاذ إجراءات عسكرية في تلك المنطقة التي تجتاحها أصلاً حروب ضارية.
ففي النشرة المتلفزة التي تحمل اسم " Face the Nation " (أمام الأمة)، طالب جيب بوش بإقامة منطقة حظر طيران ومناطق آمنة على الأرض في سوريا. كما طالب بضم القوات البرية الأميركية التي نشرت مؤخراً في العراق إلى الجيش العراقي، وبالسعي من أجل قيام الولايات المتحدة بـ "إعادة تعبئة زعماء العشائر السنية الذين سبق وكانوا شركاء فاعلين خلال الهجمة العسكرية [الأميركية]". واضاف بوش بأن على الولايات المتحدة أن تقوم بـ "تسليح الأكراد بشكل مباشر".
وخلال النشرة نفسها، قام السيناتور ليندسي غراهام بدعوة القوات الأميركية إلى "شن هجمات جديدة بهدف إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد واجتثاث النفوذ الإيراني في المنطقة... كي لا تخسر أميركا عاصمة أخرى".
وطالب غراهام بإرسال ما لا يقل عن 20 ألف جندي أميركي للتدخل البري في سوريا والعراق وذلك في إطار قوة عربية تضم عدداً من الجنود أكبر بكثير تكون متمركزة في أوروبا ومهمتها احتلال مناطق خاضعة حالياً لسيطرة داعش.
وقال غراهام أن هذا الغزو الجديد للعراق يسمح للولايات المتحدة بضمان إبعاد النفوذ الإيراني عن هذا البلد. لأن إيران بنظره "هي في كل مكان في العراق، والإيرانيون ملأوا الفراغ الذي تركه الأميركيون عند انسحابهم".
كما ارتفعت أصوات شخصيات قادمة من المؤسسة العسكرية ومن أجهزة الاستخبارات إلى شن عمليات واسعة النطاق وإلى استخدام أسلوب الأرض المحروقة.
وفي تعليق مطول نشر الأسبوع الماضي بعنوان ""الدولة الإسلامية" حضور على الأرض"، استشهدت صحيفة فاينانشال تايمز بمسؤولين كبار في الأجهزة العسكرية والأمنية الغربية دعوا إلى شن هجمات عدوانية جديدة ضد العراق وسوريا.
كما استشهدت المقالة بخبراء أوصوا بتنفيذ عمليات حصار جديدة على مدن عراقية كالرمادي وتكريت والموصل، وكذلك بقصف مركز يستهدف البنى التحتية المدنية والمناطق المدنية التي تستند إليها داعش.
وفي هذا الإطار، نقلت فاينانشال تايمز عن الخبير العسكري البريطاني أفضل أشرف أن الحصار الأميركي الدامي للفلوجة في العام 2004 "نموذج يجب أن يطبق" في إطار العمليات البرية ضد داعش. وأشارت الصحيفة إلى أن ذلك الإجراء كان قد "تطلب حشد آلاف الجنود الذين مارسوا العنف خلال عدة أشهر". وبنتيجة ذلك، تحولت "مدينة المساجد" إلى "مدينة ركام وأنقاض". كما استشهدت بأقوال كثيرة لأفضل أشرف الذي رأى أن من الضروري شن هجمات من نوع الهجوم على الفلوجة في العراق كله.
وأكد أشرف - سبق له أن شغل منصباً رفيعاً في جهاز مكافحة الإرهاب في بغداد - أن تلك العمليات العسكرية كلفت أموالاً طائلة جداً. كما أكد أن الحملة الجوية لا يمكنها إلا أن تقف عند حدود معينة، وأن قصف المدن الواحدة بعد الأخرى ليس ناجعاً بما يكفي للتخلص من داعش. لذا ينبغي أن يصار إلى قصف تكريت والرمادي والموصل وسوريا في الوقت نفسه، ما يعني أن العملية يجب أن تكون شاملة ومكثفة.
وأوضحت الفاينانشل تايمز أن الحرب التي تشنها الولايات المتحدة قد دخلت في "طور جديد" حيث أن "المواقع التي يجب أن تستهدفها الولايات المتحدة وحلفاؤها تتضمن البنية التحتية الاقتصادية للدولة الإسلامية إضافة إلى مواقع عسكرية في مناطق مدنية".
وصرح الجنرال دايفد ديبتولا للفاينانشل تايمز بقوله : "لن نعتمد بالكامل على ناجعية القوة الجوية. إذ يمكننا أن نفعل ما نريد في غضون أسابيع بدلاً من أن نفعله خلال عدة سنوات".
وقد اشتكى هذا الجنرال الأميركي المتقاعد من أن واشنطن كانت مترفقة أكثر من اللزوم في قصفها لأهداف تقع قرب مناطق وبنى تحتية مدنية، الأمر الذي يمنح أعداءنا، وفق تعبيره، "فرصاً أجد صعوبة في فهمها". ودعا الجنرال التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إلى رفع منسوب القصف إلى مستوى يعادل مستواه خلال حرب الخليج، عام 1990 و1991، أي إلى 1200 غارة يومياً.
وفي الوقت الذي تتجه فيه واشنطن نحو رفع القدرة التدميرية للقصف الذي تقوم به، يتبين بوضوح أن المشاركة العسكرية المتزايدة من قبل فرنسا وألمانيا وبريطانيا تجعل من سوريا حلبة رئيسة لحرب بالوكالة معولمة بشكل كامل.
لقد قام الجيش الفرنسي، منذ عمليات باريس، بتكثيف وتسريع حملته الجوية ضد شمال سوريا. والآن، ستحظى أعمال القصف الفرنسي بمساعدة طائرات الاستطلاع الألمانية "تورنادو".
كما تنوي ألمانيا إرسال 1200 جندي مع قوات بحرية وجوية أخرى إلى ميدان المعركة. وقد أدلى مسؤولون ألمان بتصريحات لصحيفة دير شبيغل مفادها أن هذه القوات قد تنخرط سريعاً في عمليات حربية.
ويبدو أن بريطانيا جاهزة بدورها للقيام بتدخلات جديدة كبرى. فالبرلمان سيصوت الأربعاء على إجراءات عسكرية عامة في سوريا. وأياً تكن نتيجة التصويت، فإن العشرات من عناصر القوات الخاصة البريطانية سيتم نشرهم في سوريا خلال الأسابيع القادمة على ما أعلنه مكتب رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون.
وبحسب وسائل الإعلام السورية واللبنانية، يمكن أن تكون روسيا على وشك القيام بإرسال قوات برية هامة إلى سوريا.
وتأتي الأنباء عن إمكانية نشر قوات برية روسية في وقت ازدادت فيه حدة التوتر بين موسكو وأنقرة بشكل لا سابق له بعد أن أسقطت الطائرات التركية قاذفة قنابل روسية الأسبوع الماضي. وقد ردت وسائل الإعلام الروسية والسورية بإدانة تركيا مؤكدة دعم أنقرة للجماعات الإرهابية الإسلامية والأرباح المالية التي تجنيها من بيع النفط المستخرج من المناطق الخاضعة لداعش.
وقد نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) خلال نهاية الأسبوع المنصرم، أن الحكومة التركية عززت مؤخراً دعمها للإرهابيين ورفعت مستوى تزويدهم بالأسلحة والذخائر بهدف تمكينهم من الاستمرار في ارتكاب أنشطتهم الإجرامية مقابل ما يقدمونه لها من نفط وقطع أثرية يسرقونها من سوريا والعراق ويبيعونها لتركيا بأثمان بخسة. وهكذا تستفيد تركيا من وجود الإرهابيين الذين سمحت لهم ببسط سيطرتهم على بعض المناطق الحدودية.
والحقيقة أن الدولة التركية متورطة إلى حد بعيد في شبكات داعش وجماعات إرهابية أخرى، وهذه الشبكات هي نتاج عمليات سرية تشرف عليها، بهدف إسقاط الرئيس الأسد، الولايات المتحدة والسلطات الأوروبية وتركيا وإمارات الخليج.
وفي حين تتدافع الولايات المتحدة والدول الأوروبية بغية الحصول على حصص أكبر في عملية تقسيم جديد لسوريا، يأتي تصاعد الحرب السورية بالوكالة ليدفع القوى الإقليمية نحو المزيد من المجازفات العدوانية، وهذا ما يرفع من احتمالات اندلاع حرب شاملة مفاجئة.
وخلال فترة نهاية الأسبوع، قامت طائرات إسرائيلية بخرق مفاجئ للأجواء السورية لضرب أهداف قرب الحدود اللبنانية، الأمر الذي يبدو أنه كان السبب في اختراقات قامت بها طائرات حربية روسية للمجال الجوي الإسرائيلي.
كل هذه الأحداث تبين بوضوح وجود خطر متصاعد في إمكانية نشوب حرب شاملة وعالمية. فبعد أسابيع من الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى اتفاق أو تحالف بهدف وضع حدًّا أمام الحرب في سوريا، تأتي التطورات الأخيرة على الأرض لتبين أن القوى الكبرى تتجه بقوة نحو الحرب.