ارشيف من :آراء وتحليلات
الاستراتيجية الاسرائيلية في سوريا: إما نظام موال للغرب أو الاستنزاف
لم يكن تبني العدو الاسرائيلي استراتيجية إضعاف كافة أطراف الصراع في سوريا سواء محور المقاومة أم الجماعات التكفيرية والارهابية، قرارا ابتدائيا، وانما لجأ اليه بعد مراحل من الصراع في الساحة السورية، وبعد فشل رهانات سابقة لم يحقق من خلالها ما كان يؤمله. جوهر الرهان الاسرائيلي السابق، الذي استمر نحو سنتين، استند الى تقدير مفاده أن الجماعات المسلحة قادرة على اسقاط الرئيس الاسد واستبداله برئيس ونظام حليف للمعسكر الغربي ويشكل امتدادا للحزام الامني الاقليمي للكيان الاسرائيلي. وممن عبر عن هذا الرهان في حينه وبشكل رسمي رئيس وحدة الابحاث في الاستخبارات العسكرية العميد ايتي بارون، الذي رأى انه حتى العام 2013 كان بالامكان اسقاط الاسد وان يكون البديل نظاما معاديا لمحور المقاومة، وبعد هذا التاريخ باتت "اسرائيل" أمام مروحة خيارات ينطوي كلٌّ منها على قدر من السلبيات وعلى تفاوت فيما بينها.
أما في المرحلة الحالية، فاعتبر نتنياهو خلال كلمة له في منتدى سابان (6/12/2015) أنه "في حال حكمت داعش في سوريا هذا أمر سيئ"، وفي حال كان النظام الحاكم نظاما مقاوما، وبحسب الالفاظ التي استخدمها نتنياهو "وفي حال حكمت ايران في سوريا هو ايضا أمر سيئ". ورأى نتنياهو أنه في ضوء ذلك، تقوم الاستراتيجية الاسرائيلية على "عدم العمل من اجل تعزيز طرف ضد اخر في الحرب هناك، وانما تعمل على اضعاف الطرفين معا". متابعاً أن "سياسة دولة اسرائيل تقوم على العمل بين الخطوط".
بعد فشل الرهانات السابقة وجدت "تل أبيب" نفسها، الى جانب العديد من القوى الغربية وبعض العربية والاقليمية، امام سلة خيارات بديلة، أقلها سوء الابقاء على حالة الاستنزاف لمحور المقاومة إن لم يكن بالإمكان إسقاطه في سوريا. من هنا أتى موقف نتنياهو الذي ردده في مناسبات متعددة بأن هزيمة داعش والابقاء على ايران بمثابة ربح المعركة وخسارة الحرب. وما نقلته القناة الاولى في التلفزيون الاسرائيلي قبل ايام بأنه قال للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه ضد القضاء على داعش في حال كان ذلك لمصلحة ايران. وهو ما يعني أنه مع ابقاء داعش وأخواتها، طالما يواصلون تأدية الدور الوظائفي الذي يقومون به في المرحلة الحالية.
لكن السؤال الذي يجعل الموقف الإسرائيلي أكثر جلاء، ماذا لو بات العدو امام خيار من اثنين إما انتصار محور المقاومة أو حكم داعش والنصرة واخواتهما. ما هو موقفه الحقيقي؟ يمكن استشراف الجواب بأكثر من طريقة، لكن يمكن الاكتفاء بما قاله وزير الامن موشيه يعلون في كلمته امام منتدى سابان عندما اكد، وسبقه الى ذلك العديد من المسؤولين بمن فيهم نتنياهو نفسه، أن ايران هي العدو الاكثر خطورة من داعش موضحا موقفه بالقول إن "داعش سيُهزم ولكن ايران دولة اقليمية عظمى ولديها مشروع خلاصي وستكون أكثر قوة". وما من شك بأن أي جماعة انسانية تختار ما يبعد عنها الاكثر خطورة، إن لم يكن هناك بديل آخر. ويلتقي مع يعلون أغلب، أو كل، القادة السياسيين والعسكريين.
البديل الاسرائيلي ليس في متناول اليد؟
تنبع مشكلة اسرائيل من أن الخيار البديل الذي يجسد طموحاتها، باسقاط نظام الاسد واستبداله بآخر معادٍ لمحور المقاومة، دونه معادلات اقليمية ودولية. وبالتالي يمكن الحديث عن خيار نظري لا يملك مقومات التحقق بفعل موازين القوى الفاعلة. ومن هنا يأتي لوم الاسرائيلي للإدارة الأميركية، وعلى لسان يعلون ايضا في المناسبة نفسها، الذي رأى أن على الادارة التوقف عن الجلوس على الجدار في الشرق الاوسط وبدء قيادة الحرب. مشيرا الى ان هذا الجلوس دفع دولا في الشرق الاوسط للتوجه الى روسيا وهو ما يشكل تحديا عالميا.. وحذر من أن جلوس الولايات المتحدة على الجدار ينتج فراغا في سوريا تملأه ايران أو روسيا أو داعش. وفي ضوء هذا الاقرار الاسرائيلي، يتضح لنا أن ما تنتهجه "اسرائيل" من خيارات استراتيجية هو بفعل محدودية الخيارات، بعد فشل الرهانات السابقة، وفي محاولة لتقليل الخسائر ودفع ما هو أعظم.