ارشيف من :آراء وتحليلات
هل يحقّق أردوغان وعد أتاتورك؟
زينب عقيل
ما انفكت تركيا تنكأ في جرحٍ من جراحٍ ما زالت تَخِزها منذ الحرب العالمية الأولى، وكيف لا تنكأ في جرحٍ ينزف نفطًا! تركيا التي تخلّت عن الموصل في لحظة ضعف، لم تبارح أطلالها لحظة.
بعد انهيار "رجل أوروبا المريض" في الحرب العالمية الأولى، وقّع العثمانيون هدنة مع الحلفاء في 8 تشرين الأول عام 1918، انتهت بها العمليات القتالية في الشرق الاوسط. إلا أنها لم تعيّن الحدود الجنوبية للدولة العثمانية. حكومة الأستانة طالبت أن تكون الموصل ضمن أراضيها. وفي اليوم التالي كانت الجيوش البريطانية على بعد 20 كلم2 تقريبا من الموصل ولم تدخل. لكنّها دخلت بعد 16 يومًا.
تركيا اعتبرت ذلك احتلالًا غيرَ مشروع، فيما استندت بريطانيا الى بندٍ في الهدنة، ينصُّ على "احتفاظهم بالحق في احتلال أي مواقع استراتيجية داخل تركيا في حال استجدت ظروف تهدد أمنهم وسلامتهم". من هنا تدحرجت مشكلة الموصل.
إلى عام 1920، وقف مصطفى كمال أتاتورك أمام مجلس الأمة مؤكدًا "إنّ حدودَ أمتنا من الاسكندرون جنوبًا وفي الجنوب الشرقي تضم الموصل". واستمرت التجاذبات بين أنقرة وبريطانيا، كادت تودي بالسلام بين الطرفين. حتى تبنتها عصبة الأمم، فأسفرت عن اتفاقية حصلت في انقرة، وُقِعت بعد محادثاتٍ جرت في الخامس من حزيران عام 1926. مما جاء في بنودها:
-تتبع ولاية الموصل للعراق، ويكون خط بروكسل هو الخط الفاصل الذي يتفق عليه العراق وتركيا.
-يعطي العراق 10% من عائدات نفط الموصل لتركيا لمدة 25 سنة.
-في حال تخريب وحدة الأراضي العراقية يحق لتركيا التدخل في ولاية الموصل والأراضي المحيطة بها بمساحة 90 كلم2 .
نوّاب الجمهورية التركية الحديثة استنكروا الاتفاقية محتجين على أتاتورك، فقطَع عليهم وعدًا يستمهلهم "ريثما يأتي وقت نكون فيه أقوياء، ونضع أيدينا على الموصل".
ثمّ في العام 1946 وُقِّعت اتفاقية أخرى بين البلدين، أكدت على بنود اتفاقية أنقرة، وركّزت على شرط وحدة الأراضي العراقية، وأي شيء من قبيل التقسيم سيجعل الاتفاقية ملغاة.
انقضى القرن الماضي والموصل لم تنقضِ عن وخز الحكام الأتراك. يتحينون الأزمات والحروب والنكسات الديبلوماسية. عام 1991 وقبل يوم واحد من اندلاع حرب الخليج الثانية، ألمح الرئيس التركي السابق طورغوت أوزال أنّ "الشرق الأوسط بعد الأزمة لن يبقى على ما هو عليه" محذرًا من تغيراتٍ جغرافيةٍ في المنطقة. وقد ورد في جريدة الحياة في العدد 172 من سنة 1995، عن نيةِ أوزال احتلالَ لواء كركوك – الموصل. وقد منع تنفيذَها عدم القدرة على تأمين الدعم اللوجستي. وبعد انتهاء الحرب، لم ينقطع أوزال عن التذكير"بأننا لو قمنا بهذه العملية، لاستطعنا المطالبة من جديد بحقوقنا المغتصبة منذ سنين في نفط كركوك – الموصل".
مخططات أوزال وتصريحاته لم تبرَح الغرف المغلقة، إلا أن تصريح خَلَفه سليمان ديميريل عام 1995، صُنِّف سابقة في الديبلوماسية التركية الحديثة، عندما أعلن أنّ "الموصل ما زالت تابعة لتركيا". فاعتُبر ذلك انتهاكٌ صارخٌ للمواثيق والمعاهدات الدولية.
الواقع أن الموصل محظيةٌ تستحق أن تُنتهك لأجلها السيادات والقوانين، فبالإضافة الى محاسنها الإقتصادية في التجارة والزراعة عبر التاريخ، كُشِف عن مفاتنها النفطية عام 1846. إذ كشفت التقارير الاستخباراتية البريطانية عن وجودِ نفطٍ فيها. والواضح أن تركيا مستميتةٌ لاستعادتها ولو عبر حصان طروادة.
ويبدو أن حصان طروادة اليوم، هو القوات المدرعة التي دخلت "لحماية خدمات التدريب للقوات العراقية في قضاء الموصل"، وهي كتيبةٌ من 130عسكريا و20 دبابة. إلا أنه دخل من غير علم الحكومةِ العراقية.
الحكومةُ العراقيةُ طالبت بسحب القوات، وهددت "باستخدام كلّ الخيارات". ومن ضمنها اللجوء الى مجلس الأمن. فما النتيجة والفيتو الأول وهو الولايات المتحدة الأميركية على علمٍ ودرايةٍ بالأمر؟ وماذا يمكن أن تكون الخياراتُ لدولةٍ ليسَ أضعفَ منها، وداعشُ ترتع في معظم سيادتِها؟
على الصعيد الرسمي ردّ رئيسُ الوزراء العراقي حيدر العبادي "ان العراق سيضطر الى ضرب تركيا لاعتدائها على سيادة العراق في الموصل". فيما نوّه رئيس المجلس الاسلامي الأعلى السيد عمار الحكيم "إن تعامل الدولة العراقية يسير وفق خارطة طريقٍ واضحة، تبدأ بالديبلوماسية والتصعيد الشعبي والعقوبات الاقتصادية". كما لوّح رئيس لجنة الأمن البرلمانية النائب حاكم الزاملي "إننا قد نطلب من روسيا قريبًا التدخل العسكري في العراق بشكل مباشر ردًا على التدخل التركي".
من جهتها، كتائب سيد الشهداء وهي أحد فصائل الحشد الشعبي هددت بـ "ضرب المصالح التركية في العراق"، فيما دعت حركة النجباء الحكومة العراقية الى "التعامل مع تركيا على أساس أنها دولة إرهابية".
ردود الأفعال هذه دفعت تركيا أمس إلى "سحب جزء من قواتها في مخيّم بعشيقة الى شمال العراق"، وقد نقلت وكالة الأناضول عن مصادر عسكرية أنها انسحبت في إطار "ترتيبات جديدة دون أن تحدد وجهتها بالضبط". إلّا أننا لم ندرك بعد كيف يُعتَبرُ ذلك انسحابًا، وما هو إلا إعادة تموضع كما تشير المصادر. كما لم ندرك أيضًا، كيف استطاعت القوات التركية انشاء مخيم تدريب في عمق الأراضي التي تسيطر عليها داعش.
يذهب محللون الى القول ان "الحكومة العراقية عاجزة عن أي أمر يُذكر، لأن المطلوب منها أن تكون على هذا الشكل من أجل إنجاز المخططات الجاهزة منذ مدة طويلة". فهل تكون هذه المخططات ما ورد على لسان رئيس الاركان الامريكي السابق ريموند اوديرنو أن " تقسيم العراق ربما يكون الحلّ الوحيد"؟ وهل لتركيا دور فيما يحدث للعراق قبل وبعد احتلال داعش، يشبه الدور الذي لعبته في سوريا، يسرّع في إنجاز مخطط التقسيم، الذي بدوره "سيخرب وحدة العراق" ويُلغي اتفاقية أنقرة، فيحقق أردوغان وعد أتاتورك؟