ارشيف من :آراء وتحليلات
تركيا وتطبيق نظرية العمق الاستراتيجي
كتاب يزيد عن السبعمائة صفحة يتحدث عن دور تركيا في المنطقة. صاحب الكتاب مهندس السياسة التركية احمد داوود اوغلو يتحدث عن الاهمية التي توليها تركيا لتطبيق مضمون كتاب احمد اوغلو (العمق الاستراتيجي موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية). ملخص هذا الكتاب هو التأكيد على دور أنقرة الفاعل الاقليمي والاستراتيجي وخططها للوصول الى نقطة تصفير المشاكل خصوصا مع الدول المجاورة للاقتداء بتركيا كمثال يحتذى به في حل التعقيدات الداخلية والاقليمية.
دخلت تركيا الى المنطقة من البوابة السورية حيث نشأت علاقة متميزة بين البلدين ترجمت بزيارات متبادلة لرئيسي البلدين أذابت كل الجليد والغت تأشيرات الدخول والحواجز بين الطرفين لنكتشف فيما بعد ان رجب الطيب اردوغان وخلال زياراته المتكررة الى دمشق كان يتآمر على الرئيس بشار الاسد وعلى سوريا بالقيام باتصالات مخفية مع جماعة الاخوان في سوريا وعلى رأسهم خالد مشعل وقيادة حركة حماس من مكان استضافته في دمشق.
واصلت تركيا التلطي بعنوان كبير يدغدغ مشاعر العرب والمسلمين هو فلسطين ومناصرة القضية الفلسطينية ومساندة المقاومة في غزة. اردوغان التركي "الطيب" الذي هاجم شيمون بيريز في مؤتمر دافوس وترك المؤتمر احتجاجا على تصرفات العدو الاسرائيلي كدنا نصدق انه سيأتي لنا بالحق العربي في فلسطين بعد ان غاب هذا الحق عن اهتمامات العرب انفسهم وان مواجهة بين العدو الاسرائيلي وتركيا اصبحت على وشك الحصول لنكتشف زيف الموقف التركي عندما سكتت عن مهاجمة سفينة مرمرة في عرض البحر وبعد سقوط 9 شهداء اتراك برصاص الصهاينة وانتهت بسيطرة الكوماندوس الاسرائيلي على سفينة مرمرة دون ان تحرك تركيا ساكنا للرد على العدو لمقتل المواطنين الاتراك بل طالبت فقط باعتذار اسرائيلي لم يحصل ليختفي الصوت التركي المزيف بدعم الفلسطينيين.
كما أن تركيا دخلت بازمة دبلوماسية مع فرنسا عندما أقرت الاخيرة بحصول مجزرة الارمن وطالبت تركيا بالاعتراف والتعويض على الارمن. ولا ننسى الدور التركي في زعزعة وتخريب الامن المصري والليبي من خلال دعم ارهابيي جماعة الاخوان في البلدين. كذلك فإن تركيا دخلت وغرقت حتى اذنيها في الازمة السورية و ضد الرئيس بشار شخصيا وتحولت الى داعم وراع للارهاب في سوريا والمنطقة باكملها عبر ايوائها وتدريبها وفتح مطاراتها لداعش واخواتها.
الحلم التركي بدأ بسعي تركي حثيث يهدف لاسقاط الاسد عبر تحالف مع قطر والسعودية فبادرت الى اطلاق المواعيد وتحديد الاوقات لرحيل الرئيس السوري وحتى اليوم لم يحن موعد رحيل الاسد الذي يتمتع بمحبة وتأييد شعبة وجيشة وسيبقى كذلك الى ما شاء الله، وذلك بعد الاقرار العالمي بضرورة التعامل مع الاسد، وهو اقرار نسف الحلم التركي باسقاط الرئيس السوري والتحول الى خطة بديلة.
فتركيا اليوم اندفعت نحو حلم جديد وهو السيطرة على مجمل الشمال السوري وصولا الى مدينة حلب، وخير دليل سعيها في انتزاع منطقه آمنة للحدود السورية التركية. وقد زادت تركيا من دعمها للمسلحين والارهابيين بفتح حدودها موعزة الى اجهزة المخابرات التركية تزويد الارهابيين بالسلاح والمال وهذا ما كشفته الصحيفة التركية حرييت عن تورط الاجهزة التركية حتى اذنيها في المؤامرة ليس على سوريا فقط بل على الاتحاد الاوروبي بفتح ابواب الهجرة غير الشرعيه للاجئين السوريين وغير السوريين وحتى الارهابيين منهم الى اوروبا ما اربك الاتحاد الاوروبي وادخله بازمة مع تركيا.
جاء الطلب السوري الرسمي من روسيا بوتين بالتدخل المباشر في سوريا الذي افشل الحلم التركي مرة اخرى. تركيا دخلت في ازمة حقيقية مع روسيا عبر محاولة انقرة تنفيذ اوامر واشنطن برسم خطوط حمراء للروس في سوريا التي تمثلت باسقاط طائرة روسية حربية من نوع سوخوي 24 بحجة انتهاكها المجال الجوي التركي. تداعيات حادثة اسقاط الطائرة الروسية تتفاعل حتى الان ولن تنتهي بالافق المنظور لكن رب ضارة نافعة لان هذه الحادثة فتحت الباب امام الروس لاعادة ترتيب الاستراتيجية العسكرية بدخول الطائرات والدبابات والصواريخ وقطع بحرية روسية حديثة لتعزيز القبضة الروسية ما قضى على الحلم التركي في سوريا.
روسيا كشفت كذب انقرة بمحاربة الارهاب لتثبت روسيا للعالم وبالوثائق وبالصور عبر الاقمار الاصطناعية زيف نوايا اردوغان واحمد اوغلو وكيفية استفادة عائلة اردوغان من النفط السوري المسروق وبيعه بالاسواق التركيه او شحنه عبر الموانئ التركيه ليباع باسعار رخيصة تعود بالفائدة على عائلة اردوغان. من هنا تحاول تركيا التعويض عن خسارتها في سوريا بالدخول الى العراق ومحاولة تركية جديدة لرسم حدود الدوله السنية في الموصل العراقي لتقطيع اوصال الاكراد لا سيما حزب العمال الكردي.
الملاحظ ان موقفا عراقيا موحدا ضد التدخل التركي الى العراق والتهديد باللجوء الى مجلس الامن نجح في ردع تركيا عن المضي بمغامرتها في العراق واعلن عن البدء بانسحاب القوات التركية التي دخلت مؤخرا الى العراق. وهنا نسأل ما دامت تركيا اسقطت الطائره الروسية لأن الطائرة الروسية انتهكت السيادة التركية بخرق الاجواء التركيه ماذا نسمي دخول القوات التركية الى الاراضي العراقية ؟ الا بعتبر وجودها رغما عن ارادة العراق دولة وشعبا خرقا للسياده العراقيه ؟؟ اليس من حق العراق الدفاع عن ارضه وسيادته؟
ان اعلان انقرة عن البدء بالتراجع والانسحاب تحت مسمى انسحاب القوات التي دخلت مؤخرا والابقاء على القوات التركية الموجودة اصلا على الاراضي العراقية لهو دليل على بدء العد العكسي لافول النجم التركي في المنطقة. وبعد فشل تطبيق مضمون كتاب احمد اوغلو وفشل سياسة اردوغان في تركيا سيكون سقوط منظومة العدالة والتنمية في تركيا هو الحل الامثل لتطبيق ما سمي بالعمق الاستراتيجي لموقع تركيا..
*مستشار وباحث في الشؤون الإقليمية