ارشيف من :نقاط على الحروف
الجولاني ’مضحكٌ’ على الشاشة
بعد ساعةٍ من الزمن، كان "جلياً" أن زعيم جبهة "النصرة" ليس لديه الكثير ليقوله، بدا الأمر واضحاً أكثر من اللازم. كان الرجل الذي أجادت الجزيرة كثيراً بـ"تلميع" صورته، وجهدت وسائل إعلامٍ عدّة على تقديمه على أنّه قائدٌ "معتدل" و"لطيف" مقارنةً مع "شياطين" داعش. كان الأمر "مضحكاً" للغاية وخصوصاً مع مداخلات هادي العبدالله التي كانت أشبه بتدخلات "دعم" بدلاً من الأسئلة التي كانت ينبغي له "القيام" بها. كانت المقابلة التي افتقدت كثيرًا لحرفية الجزيرة، وإداء مذيعيها ومقدّميها الذين تمرسوا وللغاية في مهنةٍ تحتاج كثيراً إلى "صنعة" أكثر منها إلى العرض المباشر.
في حرفة الأمر:
يعرف جميع صنّاع التلفزة، كما الجمهور في عصرنا الحالي بأن "التلفاز" هو "صنعةٌ" قبل أي شيء، ذلك أنّ عرض "المباشر" كما هو دون "تتبيلة" هنا و"تبهيرة" هناك فإن التواصل بين "الجمهور" وبين "المعروض" سيكون في حدوده الأقل. هذا ما حدث وبشكلٍ مباشر في هذا "الفيديو" الذي بثّته جبهة النصرة في محاولةٍ منها لإظهار "وجه" أميرها كما لو أنّه "محرر الأمّة". بدا الرجل واثقاً بنفسه من خلال استعمال تقنية الصوت المتدني الارتفاع، الهادئ السرعة، فوق هذا أكد الأمر من خلال تثبيت كتفيه أثناء الحديث وظهره "الجالس" الحركة، مقارنةً مع الإعلاميين الذين بدوا مترددين، خافضي الصوت بشكلٍ يوحي أنّهم خائفون أو "غير مرتاحين" على الرغم من أنّهم قضوا يومين معاً، أكثر من ذلك بدا عدم التنسيق عالياً بينهم. في وقت بدا فيه الجولاني غير آبه بمداخلات "الإعلاميين" أو أنه في كثيرٍ من الأحيان لم يكن يسمع لمقولتهم، فيكمل كلامه؛ وهذه التقنية تستعمل عادةً إذا ما كنت تستضاف على "قناة" أعدائك، لا في لقاءٍ يهدف إلى "تبخيرك" ومظهرتك كقائدٍ للأمة.
هز الإعلاميون رؤوسهم غير مرَّة كما لو أنّهم تلامذة صغار أمام "أستاذ مدرسةٍ"، هذا ما لم يتوجب مظهرته في هذا النوع من اللقاءات، خاصة أنه لقاءٌ يهدف إلى "تجميل الصورة"، كان الأفضل مثلاً أن يلاطف الجولاني مقابليه، ويضحك بوجههم، لا بل أكثر من ذلك كان من الأفضل أن يظهر "نوعاً" من الابتسام (ولو اللفظي، خصوصاً أن ملامحه كانت "مغطاة" بشكل الكتروني في الفيديو). كان الإعلاميون ببساطة في تلك المقابلة "واهنين"، "مرتعبين"، مع أنّ المنطق يستدعي غير ذلك، فلماذا يقابلون شخصاً يرعبهم إلى هذا الحد؟ أوهل يجب "مظهرة" ذلك في فيديو هدفه الأساس إظهار محاسن وميزات القائد الأعم، يضاف إلى ذلك طبعاً السقطات المخيفة من نوعية كهذه مثلاً: ففي الدقيقة 19:02 يوجّه الرجل رسالة للنساء والجياع والأطفال ليخبرهم بأن النصرة تقدّم خيرة مقاتليها وخيرة ما تملكه في محاربة النظام، بالتالي فإن "جوع هؤلاء النساء والأطفال" هو "أمرٌ مقدّر" و"طبيعي" ويجب احتماله، طالما أن النصرة تقدّم "أفضل ما لديها"!
في العمق أكثر:
لوحظ أن الأسئلة التي أطلقها الإعلاميون في تلك "المقابلة" كانت طبيعتها "موجهة" إلى حدٍ كبير(ولو أن النصرة حاولت مراراً الإيحاء بأنّه ليس لقاء بل مؤتمراً صحافياً، مع العلم أن المؤتمر الصحافي يكون ذا شكلٍ أكبر وأعم، فضلاً عن أن طبيعة المشاركة فيه تكون مختلفة قلباً وقالباً). كانت الأسئلة كما لو أنّ واضعها شخصٌ واحد، وتم توزيع الأدوار على عدّة أشخاص كي يتكلّموا جميعاً بشكلٍ يوحي بالتوزيع العادل. لكن في حرفة "الميديا" الأمر لا ينبغي أن يكون كذلك البتة، أي أنه كان يجب مثلاً أن تعطى الأسئلة بعداً "حاداً" بعض الشيء، بعداً "تقريباً" بين جبهة النصرة بقائدها بدلاً من "استسخافه" شخصياً، بتظهيره بمظهر "العارف" بجميع الأشياء، مع العلم أنه أطلق عدداً كبيراً من المواقف العدائية تجاه الجميع، تجاه حلفائه في المعارضة، الذين وسم بعضهم بالخيانة، حتى إنه وصل إلى وسمهم بأنهم "خونة للدماء"، إضافةً إلى تعليقه على من ذهب إلى الرياض بأنه "ضعيف" وإن لم يصفه كذلك بدقة، بل وصفه بأن الضغوط عليه كانت كبيرة. باختصار كانت طبيعة الأسئلة تشير إلى "غباءٍ" إعلامي وقلة خبرةٍ وحيلة. يقول المنطق الإعلامي في حالاتٍ كهذه أن يكون اللقاء على سبيل المثال مع مقدّم برامج واحد، أو بشكل "خطاب" مباشر دون حاجة "لمقابلةٍ" مع أكثر من طرف، إذ بدا أن ليس هناك من "عدة أطراف"، فالأسئلة جميعها بدت مدروسة وبدقة من قبل "مدققي" النصرة وأميرها شخصياً: لم يحرج الرجل ولا مرةً واحدةً، لم يقحم في أي زاويةٍ حادة، وحتى أنه لم يضطر إلى أن يرفع صوته لإثبات وجهة نظره أو يحرّك يديه أكثر انفعالاً لإثبات فكرة ما. بدا الأمر أشبه بمهزلةٍ مضحكة في مقابلةٍ معدّةٍ سلفاً جرى العمل عليها إنما دون أي حرفةٍ من أي نوع. هنا يكمن السؤال الأهم: أين كانت الجزيرة ومحترفوها؟ ولماذا لم تستعن النصرة بهم مثلاً؟
خلال ساعةٍ من الزمن، بدا الرجل "واعظاً" لا ضمن "مقابلة"، هذا أولاً، بدا "متفسلفاً" و"مسكوناً بالخيال" ثانياً خصوصاً أنَّ "الانتصارات والإنجازات" التي قال بأن النصرة تقوم بها لا يعرف بها أحدٌ "غيره". أخيراً؛ كانت المقابلة –حرفياً- عبارة عن انتحار لرجل –واهماً- يعتقد أنّه يوماً ما سيصبح زعيماً لسوريا.