ارشيف من :آراء وتحليلات

اللاجديد واللاجدي في قمة باريس للمناخ

اللاجديد واللاجدي في قمة باريس للمناخ

في كل عام ينعقد مؤتمر دولي بهدف إنقاذ الأرض من الكارثة المناخية. لكن الكارثة المناخية لا تفعل غير المزيد من التفاقم وتدمير الحياة على الأرض. ذلك أنها أصبحت مجالاً خصباً من مجالات الاستثمار الرأسمالي.  


رسم يمثل برج إيفل بكامل عظمته وأبهته وثقله. ذلك الصرح الحديدي الضخم الذي أصبح واحداً من أهم معالم العاصمة الفرنسية، وبكلمة رمزاً أساسيا من رموز الحضارة الصناعية، يستلقي فوق ورقة شجرة خضراء لفحتها الشمس فبدأت بالتفحم تحت لهيبها الحارق.


ذلك هو شعار قمة باريس للمناخ 2015 التي انعقدت خلال الفترة بين 30 تشرين الثاني / نوفمبر و12 كانون الأول / ديسمبر الحالي. وكما هو واضح، شعار ناجح بامتياز في التعبير عن مدى الكارثة: عشرة آلاف طن من الحديد لم يعد يحول دون سقوطها المرعب على الحضارة والحياة باسرها غير ورقة شجرة خضراء بدأ يأكلها اللهيب.
لكن لماذا هذه العاصفة من التصفيق الحاد والابتهاج والعناق المتبادل والأيدي التي تشد على الأيدي بالتهاني الحارة؟

اتفاق غير مسبوق


لأن الكارثة أصبحت وراءنا، نحن البشر. لن تتحطم الحضارة والحياة ! وكيف يمكن لذلك أن يحدث بعد أن اصطف 195 رئيس دولة وراء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس للتوقيع على اتفاق غير مسبوق للحد من ظاهرة الاحتراق العالمي (الاسم الرسمي للظاهرة بالعربية، أي الاحترار، غير موح بالشكل الكافي).

اللاجديد واللاجدي في قمة باريس للمناخ
وليس الأمر مجرد حد من استفحال الظاهرة, هكذا وبكل هذه العمومية والبعد عن التحديد والدقة. فما جرى الاتفاق عليه هو عدم السماح لارتفاع درجة الاحترار بأن يتجاوز حدود درجتين مئويتين من الآن وحتى العام 2100 . هكذا وبكل جدية. وصفاقة !!!


درجتان مئويتان فقط لا غير، في الوقت الذي يقول فيه بعض الاختصاصيين بأن درجة حرارة الأرض قد ارتفعت منذ ما قبل الثورة الصناعية حتى الآن في حدود تصل إلى 6 درجات مئوية. بينما يقول اختصاصيون آخرون بأنها قد تبلغ 4،8 بالمئة.


هذا يعني، أياً تكن الأرقام الصحيحة، أن الإنجاز الضخم المتمثل بالاتفاق الذي توصلت إليه قمة باريس هو من نوع الدعايات الكاذبة التي غالباً ما تحتل شاشات التلفزة.
وبهذا المعنى، فإن قمة باريس والـ 32 قمة ومؤتمر التي سبقتها منذ مؤتمر استوكهولم الذي انعقد عام 1972، ليست أكثر من رقصة عالمية مجنونة تقوم بها حفنة من آكلي لحوم البشر قبل الشروع بالتهام الضحية.


إن هذه القمم والمؤتمرات التي يجتمع فيها المئات من الرؤساء والألوف من الموظفين والمرافقين، وما بين كل قمة وقمة من لجان ودراسات وأبحاث وما يتطلبه ذلك من أسفار وفنادق ومطاعم وتكاليف، وكل ذلك من الأنواع الفخمة، هي، بحد ذاتها، إسهامات كبرى في دفع الكارثة المناخية نحو المزيد من التفاقم.   


جميع الإجراءات التي تم الاتفاق على تنفيذها اعتباراً من العام 2020، أو 2025، حتى العام السعيد 2100، تتمحور حول التخلص من الشر المتمثل بالنفط والغاز، أو بكلام أكثر علمية، من الطاقة الأحفورية. ولكن، أليست الطاقة الأحفورية هي التي من أجل وضع اليد عليها يشن الغرب حروبه التي تزهق الملايين من الأنفس وتحرق الأخضر واليابس.

الشرط الإجباري


وإذا كنتم تعترفون بأن الثورة الصناعية التي تقوم عليها أنماط العيش المعاصرة والقائمة بدورها على آلات تعمل، من السيارة والطائرة والمكيف الكهربائي وما إلى ذلك، بمحركات تحرق الوقود لتحوله إلى طاقة فلماذا لا تمتلكون الجرأة على توجيه أصابع الاتهام إلى هذه الثورة بصفتها المسؤول الوحيد عن الكارثة المناخية.


الصداقة مع البيئة ومكافحة الانحباس الحراري أكاذيب شبيهة بالحروب التي تشن من أجل نشر الديمقراطية أو اجتثاث الإرهاب. فالكارثة المناخية هي، شأن الحروب التي تدر الأرباح على صناعة السلاح، وشأن الأمراض التي تدر الأرباح على المؤسسات الطبية، مجال خصب للاستثمار وتحقيق الأرباح. ليس فقط لأنها تسمح للغرب المتقدم بمواصلة استغلاله للبلدان الفقيرة عبر تزويدها، بأثمان باهظة، بالتقنيات الضرورية لإنتاج ما يسمى كذباً بالطاقة النظيفة "البديلة"، بل لأنها تسمح له خصوصاً بأن يكون المصدر الوحيد للغذاء على المستوى العالمي. لأنه يمتلك التقنيات اللازمة لإنتاج الأغذية في ظروف هذه الكارثة، بعد أن تمكن من تحقيق تقدم كاسح على مستوى تدمير مصادر الغذاء التقليدية في العالم.


هنالك أمراض لا مجال لمعالجتها بغير الجراحة. وإذا ما استحال تخدير المريض لهذا أو ذاك من الأسباب، فإن البقاء على قيد الحياة يستلزم موافقة المريض على إجراء الجراحة...  في اللحم الحي. معنى الكلام أن التخلي الكامل عن المحركات العاملة على النفط أو الغاز أو الكهرباء أو الذرة... أي عن نمط العيش الأميركي السائد عالمياً، والذي يبذل الناس في سبيله المهج، أصبح شرطاً إجبارياً من شروط البقاء واستمرار الحياة.

2015-12-22