ارشيف من :آراء وتحليلات
تحالف الوهم السعودي والعباءة الاميركية
لم يمر سوى وقت قصير جدا حتى توالت ردود الافعال السلبية والقراءات والتحليلات التشاؤمية لأبعاد واهداف ودلالات تشكيل ما يسمى بـ"التحالف الاسلامي الدولي" من قبل السعودية الاسبوع الماضي.
وردود الافعال السريعة والتقييمات السلبية المبكرة، تعكس قبل كل شيء الخطوة المرتبكة التي اقدمت على اتخاذها الرياض، وكأنها تريد ان تتخلص من ضغط كبير، او تصرف الانظار عن مأزق عميق، او تدرأ خطرا عظيما.
وصف البعض التحالف الجديد بأنه تحالف وهمي، بينما اعتبر فيه البعض الاخر، تكريسا لحالة الاستقطاب المذهبي والطائفي التي اخذت تنتشر وتتمدد في مختلف بقاع العالم الاسلامي، لاسيما بعد بروز تنظيم داعش الارهابي، بينما رأى آخرون أنه تعبير عن تخبط السياسة السعودية الذي بدا واضحا اكثر من أي وقت مضى بعد رحيل الملك عبد الله وتنصيب شقيقه سلمان، الذي ترك ادارة وتسيير شؤون المملكة ورسم سياساتها وتحديد مواقفها لنجله محمد بن سلمان واستحداثه له منصب ولي ولي العهد، فضلا عن تنصيبه وزيرا للدفاع.
ماذا تريد الرياض وبماذا تفكر؟
ولا شك ان كل التوصيفات والقراءات والفرضيات المشار اليها آنفا، ان لم تتطابق وتنسجم مع الواقع، فإنها لا تبتعد عنه كثيرا.
أول اشكالية تطرح على ما يسمى بالتحالف الاسلامي الدولي، هو انه تشكل داخل كواليس القرار السياسي السعودي في الرياض، وتم تسويقه من هناك، وبعض-وربما اغلب-الاطراف التي قيل انها انضمت الى التحالف لم تبلغ مسبقا بالامر، او انها ابلغت من قبل الرياض، كتحصيل حاصل، وليس لغرض التباحث معها واستمزاج رؤيتها وبالتالي الحصول على موافقتها بالانضمام.
وما يدل على ذلك ان دولا كبيرة ومهمة، مثل باكستان والجزائر ولبنان وعمان، سارعت الى الاعلان والتصريح، بأنها ترفض الانضمام للتحالف الجديد، وانها تفاجأت بإدراجها في قائمة الدول الاعضاء، وأن دولا اخرى اوصلت الى الرياض استغرابها وتحفظها على ما تم الاعلان عنه عبر القنوات الدبلوماسية الخاصة، لانها لم تشأ تصعيد المواقف مع الرياض عبر وسائل الاعلام، ناهيك عن ان عددا غير قليل من الدول الاعضاء لا تمتلك أي تأثير سياسي او عسكري او اقتصادي، ووجودها في التحالف لا يتعدى كونه اضافة شكلية، وهذا يصدق - على سبيل المثال لا الحصر - على جيبوتي وليبيا وفلسطين وجزر القمر وبنين والصومال وسيراليون والغابون والمالديف.
الاشكالية الاخرى التي لا تقل اهميه وحساسية عن الاشكالية الاولى، هي ان السعودية باعتبارها الراعية والمبادرة لذلك المشروع لم تفاتح دولا لها ثقلها وتأثيرها وحضورها في المحافل الاقليمية والدولية، فضلا عن استهدافها بشكل رئيس من قبل الارهاب، كما هو الحال مع ايران والعراق وسوريا، وهو ما يترك لأول وهلة انطباعا بأن الرياض تعمدت استبعاد تلك الدول لاسباب مذهبية وطائفية، وهذا في حال صح، فأنه يفرغ التحالف المزعوم من محتواه، لانه لم يضم دولا اسلامية مهمة، ويجعله يحمل هوية طائفية ضيقة. وهو ما اشارت اليه الجزائر على لسان رئيس ديوان الحكومة السابق الدكتور منصور قديدير، بأن "الجزائر لديها نهج مختلف لمكافحة الإرهاب خلافا للسعودية وعدد من الدول العربية الأعضاء في التحالف، وان الاخير هو جزء من الصراع الجيوسياسي في المنطقة بين المملكة العربية السعودية وإيران، فلهذا الجزائر تفضل البقاء خارج الصراع، لأنها تخشى أن يجرها التحالف إلى حرب طائفية في المنطقة".
أو كما يؤكد استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة ان التحالف المعلن عنه من قبل السعودية "هو تحالف شكلي سياسي أكثر منه عسكري، ويحاول المتبنون له تجميع الدول السنية ضد الشيعة، وهو تحالف خطر مبني على الطائفية ويعمق الحرب الطائفية ولا يساعد على احتواء المشكلة".
وما يعزز هذه الرؤية، ان السعودية لم تشر في بيانها عن تشكيل التحالف الى تنظيم داعش، وكأن الاخير لايمثل الخطر الحقيقي الاكبر على البشرية جمعاء لا على العالم الاسلامي فحسب، وتلك مفارقة غريبة، تثير كمًّا من التساؤلات المنطقية والمعقولة.
الاشكالية الثالثة، تتمثل في ان الكثير من الوقائع والارقام والحقائق تؤكد بما لا يقبل الشك ان السعودية ضالعة ومتورطة في دعم وتمويل واسناد الجماعات الارهابية المسلحة اعلاميا وماليا وسياسيا ودينيا ومخابراتيا، سواء في العراق او سوريا او اليمن او باكستان او في اماكن اخرى، ولا يمكن بأي حال من الاحوال ان يتصدى طرف متهم ومدان بدعم واسناد وصناعة الارهاب، بقيادة تحالف من أي نوع كان للتصدي للارهاب. ومن يقول بخلاف ذلك، فهو اما جاهل بالحقائق، او ان له حساباته واجنداته الخاصة.
أما الاشكالية الرابعة، فهي ان المملكة قادت قبل تسعة أشهر تحالفا عسكريا لدعم حكومة عبد هادي ربه منصور في اليمن، ومواجهة الحوثيين والاطراف الاخرى المعارضة، وقد استنفرت الكثير من امكانياتها ومواردها وقدراتها المالية والعسكرية والمخابراتية، لاخضاع اليمن لهيمنتها ونفوذها، تحت ذريعة اعادة الشرعية، بيد انها ساهمت الى حد كبير في تدمير ذلك البلد وازهاق ارواح الاف الابرياء من ابنائه دون طائل، وهي تصرفت بطريقة مشابهة حيال سوريا، حينما قدمت كل اشكال الدعم والاسناد للجماعات الارهابية المسلحة، سعيا لتحقيق هدف اسقاط الرئيس بشار الاسد، الذي اجتمعت والتقت عليه الرياض وانقرة والدوحة وواشنطن وباريس وعواصم اخرى، بيد انها وصلت في نهاية المطاف الى طريق مسدود.
الاشكالية الخامسة، هي ان المبادرة السعودية بتشكيل التحالف الاسلامي جاءت متناغمة مع توجهات اميركية لانشاء قوات عربية بهوية سنية تتولى مهمة مواجهة الارهاب الداعشي. ولاول وهلة يبدو ان المراد من وراء تلك الاطروحات تطويق ومحاصرة ما يطلق عليه في بعض وسائل الاعلام العربية والغربية بـ"المد الشيعي" في مساحات واسعة من منطقة الشرق الاوسط، المعزز بتنامي الحضور والدور والتأثير الايراني بشكل ملحوظ في مختلف الملفات الاقليمية.
وما يقال عن ان واشنطن تخطط لاضعاف وتحجيم الحشد الشعبي في العراق، وحزب الله اللبناني، وحركة انصار الله اليمنية، ومحاصرة وتكبيل بشار الاسد ان لم تتمكن من الاطاحة به، اكثر من سعيها الى القضاء على تنظيم داعش والجماعات الارهابية الاخرى، قول قريب جدا من الواقع. ومن غير المستبعد-بل من الطبيعي جدا-ان تكون السعودية رأس حربه في مواجهة "المد الشيعي"، ولعل التحالف الاسلامي الدولي بالصيغة التي اخرج وظهر بها هو "الاداة الاميركية-السعودية" لذلك، وهذا ما تنبه له وحذر منه الكثيرون مبكرا.
وقد لا يكون غريبا، اذا كانت الصورة كذلك، ان تخرج تنظيمات ارهابية هنا وهناك، مثل ما يسمى بالجيش الاسلامي، او جيش رجال الطريقة النقشبندية مرحبة بالتحالف الوهمي السعودي، واكثر من ذلك مطالبة بالانضمام اليه.
فمن أي زاوية ننظر لذلك التحالف، نجده يحمل نفسا وتوجها طائفيا واضحا، يجعله عاجزا عن مواجهة الارهاب الحقيقي، وعن درء الاخطار المحدقة بالعالم الاسلامي، ناهيك عن عجزه استيعاب التنوع والاختلاف في جسد الامة الاسلامية، واذا كتب له ان يتحرك فأنه سيتحرك باتجاه الفوضى والتأزيم لا نحو التهدئة والتسكين.