ارشيف من :آراء وتحليلات
الخلفية الجيواستراتيجية للتدخل العسكري الروسي في سوريا(1/4)
اذا استثنينا الابواق الإعلامية المأجورة، التي تعمل بموجب ما تؤمر به، فللاسف ان هناك الكثير من المحللين والإعلاميين الموضوعيين والمحايدين يساهمون، وإن عن غير قصد، في تضليل الرأي العام الوطني والدولي بسبب الجهل وتناول الاحداث والوقائع كما تقدمها لهم آلة البروباغندا الغربية ولواحقها.
احتلال قبرص في 1974 مرتبط باكتشاف الغاز في شرقي المتوسط
ومثال على ما ذكرناه احداث قبرص في 1974 واحتلال الجيش التركي لشمال قبرص وقتل وتشريد عشرات الاف القبارصة اليونانيين وتقسيم العاصمة نيقوسيا. فهذه الاحداث تقدم فقط في اطار النزاع القبرصي ـ القبرصي والنزاع التركي ـ اليوناني.
احراق لبنان من اجل الاستيلاء على النفط والغاز
ـ2ـ اشتعال وتسعير الحرب اللبنانية في 1975؛ فهي تقدم في اطار النزاعات الطائفية اللبنانية والنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي والنزاعات العربية.
ولكن الان يتأكد أن تفجير الازمة القبرصية والحرب اللبنانية له علاقة باكتشاف مكامن النفط والغاز في شرق المتوسط وهو الاكتشاف الذي تم قبل تلك الفترة ولم يعلن عنه الا في السنوات الماضية. والى الان لا نجد محللين موضوعيين يتناولون أزمات المنطقة من زاوية اكتشاف النفط والغاز في شرق المتوسط مما سيغير الوضع الجيواستراتيجي للمنطقة بأسرها ويقلبه رأسا على عقب.
الكتلة المالية اليهودية ـ البروتستانتية الأميركية اغتالت الحريري
ـ3ـ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري: لا تزال كل التحليلات لعملية الاغتيال تدور في اطار الصراعات المحلية والإقليمية اللبنانية ـ اللبنانية واللبنانية ـ السورية والصراعات العربية. وهي لا تتناول الصراع بين الكتل المالية ـ النفطية العالمية: اليهودية ـ البروتستانتية (الانجلو ساكسونية)، والكاثوليكية، والعربية ـ الإسلامية. وعلى الرغم مما يسمى "ثورة الأرز" والانقسام السياسي في لبنان الى 8 و 14 اذار، وتشكيل المحكمة الدولية الكراكوزية التي يدفع الشعب اللبناني تكاليفها بعشرات ملايين الدولارات، فإن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل اللتين تراقبان الأجواء اللبنانية 24/24 ساعة واللتين تسجلان رقم وخط سير كل سيارة تمر في شوارع بيروت ومحيطها ترفضان حتى الان تقديم معلوماتهما وتسجيلاتهما الخاصة حول اغتيال الحريري لا للأجهزة القضائية اللبنانية ولا للمحكمة الدولية.
هذا وحده يكفي للتأكيد ان عملية اغتيال الحريري تخرج عن نطاق الصراعات المحلية والإقليمية، لتدخل في نطاق الصراعات الجيواستراتيجية العالمية.
على ضوء هذه الرؤية ينبغي النظر الى التدخل العسكري الروسي في سوريا، والحرب السورية بمجملها، بوصفها جزءا من الصراع الجيواستراتيجي العالمي بين الكتلة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، من جهة، وبين الفيديرالية الروسية بزعامة فلاديمير بوتين وحلفائها الدوليين وعلى رأسهم الصين وايران، من جهة أخرى. وهنا نتوقف عند النقاط التالية:
بوتين أعاد توجيه الأسلحة نحو الغرب دفاعا عن روسيا
ـ1ـ بعد استلام فلاديمير بوتين منصب رئيس الوزراء في اب 1999، كان اول ما فعله نفض الغبار عن جميع الأسلحة الاستراتيجية وإعادة توجيهها نحو الكتلة الغربية وحلفائها... فأدركت قيادات اميركا ودول الناتو والاتحاد الأوروبي واصدقاؤهم ان "وقت اللعب" في "الوقت الضائع" قد انتهى الى الابد، وان العالم مع بوتين سيكون غيره تماما بعدهما. وان الذي سيقرر مصير العالم بعد اليوم ليس عصابات لصوص البورصات واصحابهم في نيويورك ولندن وبرلين وباريس، بل الشعب الروسي.
نظرية "ملء الفراغ" لدوايت ايزنهاور
ـ2ـ في اعقاب العدوان الثلاثي (او "حرب السويس" على مصر في أواخر 1956، اعلن الرئيس الأميركي حينذاك الجنرال دوايت ايزنهاور ما سمي "نظرية ملء الفراغ" شرقي قناة السويس. وبالفعل فإن "شرقي قناة السويس" ـ أي شرقي المتوسط ـ اصبح مقرا بحريا دائما للاسطول السادس الأميركي الذي اخذ يتنزه باستمرار بين حيفا وقبرص وبيروت واليونان. والحجة آنذاك كانت إحلال النفوذ الأميركي محل النفوذ البريطاني والفرنسي، ومنع تمدد "النفوذ الشيوعي". فيما كانت اميركا تريد حماية أمن إسرائيل والاستيلاء على القناة.
من هنا، فان كونسورسيوم النفط العالمي الذي تسيطر عليه اميركا هو الذي كان يقف خلف نظرية ايزنهاور حول "ملء الفراغ" في "شرقي قناة السويس". فهذا الكونسورسيوم كان قد اكتشف منذ ذلك الحين او قبله وجود النفط والغاز في شرقي البحر الأبيض المتوسط. ولكن هذا الاكتشاف أبقي طي الكتمان. الا ان السياسة الأميركية في المنطقة اخذت تتمحور حول هذا الاكتشاف الاستثنائي الذي من شأنه قلب السوق العالمي للطاقة، ومن ثم قلب السياسة العالمية برمتها، رأسا على عقب.
دول "سايكس ـ بيكو" تآكلت من الداخل
ـ3ـ لقد قامت "اتفاقية سايكس ـ بيكو"، وفسيفساء الدول الكراكوزية التي نشأت عنها، على قاعدة اكتشاف النفط في العراق وايران والخليج منذ مطلع القرن العشرين. وكانت ـ ولا زالت ـ مهمة فسيفساء دول سايكس بيكو ان تقوم، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، بحماية استخراج وتدفق النفط نحو الغرب.
ومع اكتشاف النفط والغاز في شرقي المتوسط، الذي هو على تماس مباشر مع فلسطين ولبنان وسوريا وقبرص واليونان وتركيا، ومع الوجود الروسي في المنطقة، فقدت فسيفساء سايكس ـ بيكو أهميتها السابقة، ونشأ خطر زج استخراج النفط والغاز من شرقي المتوسط في الصراع العربي ــ الإسرائيلي، ومن ثم خطر تكاتف بعض دول سايكس ـ بيكو العربية فيما بينها وخلق جبهة موحدة "عربية ـ قبرصية ـ يونانية" تدعمها روسيا، ضد إسرائيل وتركيا.
اميركا اتجهت نحو تغيير خريطة المنطقة
وهذا ما دفع الولايات المتحدة الأميركية منذ نهاية حرب السويس للالقاء بكل وزنها لاجل تحقيق هدفين:
أ ـ الشروع في العمل على تغيير الخريطة السايكس ـ بيكية للمنطقة عن طريق إقامة الاحلاف الكبرى: حلف المعاهدة المركزية، الحلف التركي ـ الباكستاني، الحلف الإسلامي، وأخيرا "حلف بغداد" (وحينما سقط حلف بغداد بقيام الثورة العراقية في 14 تموز 1958، نزل الاسطول السادس الأميركي فورا في لبنان).
ب ـ إبعاد روسيا عن المنطقة. وقد نجحت السياسة الأميركية فعلا في ابعاد روسيا عن مصر واليمن الجنوبية والصومال وليبيا وأخيرا العراق. ولكن روسيا بقيت في سوريا، الامر الذي شكل عقبة كبرى امام الشروع في استخراج اميركا وحلفائها للنفط والغاز في شرقي المتوسط.