ارشيف من :آراء وتحليلات

اردوغان يتراجع.. و’تل ابيب’ تتلقفه

اردوغان يتراجع.. و’تل ابيب’ تتلقفه

لم يكن مفاجئا، من حيث المبدأ، الكشف عن اتصالات سرية بين انقرة و"تل ابيب" بهدف اعادة تطبيع العلاقات بين البلدين، خاصة وأن تركيا برئاسة رجب الطيب اردوغان، كما اسلافه، لم تتعامل مع "اسرائيل" كعدو، بل هي تختلف معها من موقع الاعتراف بشرعية احتلالها لفلسطين، تحت شعار الاعتراف بوجود "اسرائيل". ولم يكن مفاجئاً أن تستغل "اسرائيل" الازمة الاخيرة بين روسيا وتركيا، وأثمر ذلك تفاهمات أعلنت عنها "تل أبيب".

كشفت "اسرائيل" عن تفاهمات توصلت اليها مع انقرة، حول تطبيع العلاقات بين البلدين،  والغاء تركيا الدعاوى المقدمة بحق جنود وضباط جيش العدو، على خلفية الاعتداء الاسرائيلي على سفينة مرمرة عام 2010، وموافقة "اسرائيل" على التعويض لمتضرري السفينة، وموافقة تركيا على مرور انبوب الغاز الاسرائيلي عبر اراضيها، وتقييد حركة "حماس" على اراضيها، واجراء مداولات حول شراء تركيا للغاز الاسرائيلي.

بداية ينبغي القول إن هذه التفاهمات تم التوصل اليها  خلال اتصالات بين رئيس الموساد المعين حديثا، يوسي كوهين، ومساعد وزير الخارجية التركي فريدون سينبرلي اوغلو. مع الاشارة الى أن المسؤول الاسرائيلي لم يتولّ المفاوضات من موقعه كرئيس للموساد، الذي سيديره الشهر المقبل، وانما من موقعه كرئيس لهيئة الامن القومي الاسرائيلي.

اردوغان يتراجع.. و’تل ابيب’ تتلقفه

يأتي الاعلان عن التفاهمات بعد أيام معدودة على اعلان اردوغان عن أن "الشرق الاوسط سيكسب كثيرا من تطبيع العلاقات بين الطرفين (التركي والاسرائيلي). وهو ما يؤشر الى أن الاخير يرى في اعادة العلاقات مع تل ابيب جزءا من محاولة اعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة، وبما يعزز المحور الذي ينتمي اليه اردوغان.

مع ذلك، ينبغي التأكيد على أنه حتى الان ما تم التوصل اليه هو تفاهم، ولم يرتق الى حد اتفاق نهائي وشامل بين الطرفين. ومن الواضح، أن اسرائيل عامة، ونتنياهو خاصة، حققت انجازا سياسيا مع الاعلان عن هذه التفاهمات. في المقابل، يبدو أن ما دفع اردوغان كي يخطو هذه الخطوة هو العزلة التركية التي تبلورت بعد الازمة الاخيرة مع روسيا، والنكسات التي اصيب بها المشروع التركي في المنطقة.

مما يلفت ايضا، مسارعة "اسرائيل" للكشف عن التفاهمات، ويعود ذلك الى أن مصلحة نتنياهو اقتضت هذه الخطوة بعد توقيعه على مخطط الغاز بما يتعارض مع توصية لجنة الاقتصاد التابعة للكنيست. واراد نتنياهو بذلك أن يحصن خياره في قضية الغاز عبر الايحاء بأن انطلاق مخطط الغاز ساهم في اقتراب تركيا الى تل ابيب التي باتت أكثر حاجة لشراء الغاز بعد الازمة مع روسيا. هذا الى جانب حاجة نتنياهو لتسجيل انجاز سياسي نوعي في السياسة الخارجية في التقارب مع دولة بحجم تركيا من دون تقديم تنازلات تتصل بالساحة الفلسطينية.

بغض النظر عن الصيغة التي ستحكم وجود وحركة قياديي وعناصر حركة حماس في تركيا، فمن المؤكد أن الحرجة ستكون المتضرر الاكبر من أي اتفاق شامل ونهائي بين الطرفين التركي والاسرائيلي.

من أهم ما يلفت مضمون التفاهمات خلوها من أي نقطة تتصل بقطاع غزة. وهو ما قد يؤشر الى بقاء هذه القضية خلافية بين الطرفين. مع التأكيد على أن الإبقاء على الحصار هو موقف اسرائيلي نهائي في المرحلة الحالية. ولكن يبدو أن التحدي القائم يكمن في كيفية ايجاد مخرج يرضي الاسرائيلي ويطمئنه وفي الوقت نفسه يحفظ ماء وجه اردوغان.

في كل الاحوال، وأيا كان مآل مستقبل الاتصالات بين انقرة وتل ابيب، وما ستتمخض عنه،  فإنه متصل بمدى المرونة التي ستظهرها تل ابيب في قضية غزة تحت سقف ثوابتها، وما إن كانت ستراعي حراجة موقف اردوغان.

وعلى خط مواز، تؤشر هذه التفاهمات وما سبقها من وصف اردوغان لمفاعيل تطبيع العلاقات بين انقرة وتل ابيب، إلى أن سقف الخلافات بين الطرفين كان وما زال مسقوفاً بخيار استراتيجي تركي ينطلق من الاستناد الى اسرائيل كقوة اقليمية مساندة للخيارات الاستراتيجية التركية.

2015-12-25