ارشيف من :آراء وتحليلات
باكستان: بعد عام على ’ديسمبر الأسود’ أين الحل؟
مفجعٌ شهر "ديسمبر عام 2014 " بالنسبة للباكستانيين. أسموه "ديسمبر الأسود" وأصبح مناسبة للوقوف عنده وأخذ العبر والبحث عن الأسباب والتداعيات. آنذاك استفاقت باكستان وكل العالم صبيحة 16 كانون الأول/ديسمبر 2014 ، على مجزرة من أبشع ما قد يتصوره العقل البشري. تفجير إرهابي ضخم بمدرسة للأطفال بمدينة بيشاور تابعة للجيش الباكستاني راح ضحيته 141 شخصاً غالبيتهم من الأطفال. فاجعة كانت السبب المباشر لانطلاقة عملية عسكرية واسعة قادها الجيش الباكستاني تحت مُسمى "ضرب عضب"، والتي حظيت بدورها بتأييد كل الأحزاب الباكستانية في البرلمان الباكستاني، وما تزال مستمرة حتى كتابة هذه السطور .
من المؤكد أن باكستان قد حققت الكثير على صعيد الحد من أعمال العنف، واتسمت خطوات قيادة الجيش في مكافحة الإرهاب وأعمال العنف بكونها هامة وقوية ، لكن مع تجدد ذكرى "ديسمبر الأسود المفجعة"، يتجدد السؤال عن جدوائية هذه الإجراءات منفردةً. برأي الخبراء إن العمل العسكري وحده غير مجدٍ لقلع شجرة التطرف والإرهاب الملعونة من الجذور، حيث إن العمل العسكري أشبه ما يكون بحقنة "مورفين" (حقنة مسكنة للألم) ليس أكثر ، لا سيما وأن هناك قراءة للعملية العسكرية من زاوية أنها ليست إلا محاولة لقلب الأمور على حكومة نواز شريف بشكلٍ سلس في لحظةٍ ما على إجماع البرلمان الباكستاني .
فإن كانت باكستان جادة في محاربة الإرهاب فلماذا لا تُفعِّل جبهة مواجهة التطرف ايدلوجياً وثقافياً؟ لماذا لا تزال هذه الجماعات المتطرفة تشكل جزءا من استراتيجية اصحاب القرار في أفغانستان و كشمير المحتلة؟ وإلى متى ستبقى منابر التكفير عامرة في باكستان وترعاها جهات سياسية بحجم آصف علي زرداري رئيس حزب الشعب (بوتو) والرئيس السابق لباكستان؟ يتساءل الخبراء.
صحيحٌ أن باكستان خطت خطوات مهمة في الحد من خطاب الكراهية ومشاعر التشدد المتفشية في البلاد ، لكن ما تزال المدارس الدينية ، ورجال الدين ، وبعض وسائل الإعلام تواصل خطابها المتطرف، وتستعملهم بعض الأجهزة الأمنية كببغاوات للتحريض على الهند وبث خطاب اسلامي راديكالي مفاده أن باكستان تحت خطر الإرهاب الأمريكي .
يؤكد المراقبون أن على باكستان إذا كانت جادة في رغبتها بمحاربة الإرهاب أن تحاربه ثقافياً أولًا. على سبيل المثال أجريت دراسة استطلاعية عن الخطر الداعشي فظهر أن 62 % من المواطنين الباكستانيين لا يملكون موقفاً واضحاً تجاه هذا التنظيم، فهم حتى الآن لا يتحسسون خطره!!
أما ثانياً فعلى الحكومة الباكستانية أن تعالج وبشكل سريع قضية الطبقية التي تقسم المجتمع الباكستاني إلى فقير وغني ، عزيز وذليل ، مثقف وجاهل ، متخم وجائع ، وهذا ما استفادت منه اجهزة مخابراتية في تكوين جماعات تكفيرية هي في الحقيقة تجمع الطبقة التي لا نصيب لها من العيش الكريم في باكستان على اساس ديني كحل للمشكلة الاجتماعية في باكستان، فيرى البعض وهو محل بحث أن باكستان أمة منقسمة بعمق، وبالتالي قضية القضاء على الإرهاب الذي يمثل ظاهرة اجتماعية بحسب ما يرى بعض الخبراء الاجتماعيين غير ممكنة ما لم تتم معالجة الانقسامات الاجتماعية الحادة والمتوسطة.
في الخلاصة، نأمل في النهاية لباكستان وكل العالم الإسلامي التخلص من بذور الإرهاب والتطرف في مجتمعاتنا على أساس بث روح المحبة والإلفة، فكما استعمل البعض لغايات غير اسلامية وصهيو-امريكية بعض المفاهيم الإسلامية وبشكل ملتبس ومغلوط لبناء منظومة الفكر التكفيري، بإمكاننا كأمة حل قضية التطرف والإرهاب عبر استخلاص روح الإسلام من القرآن الكريم والتمسك بالوحدة الإسلامية كحل سوسيو-سياسي للتغلب على انقساماتنا الثقافية والاجتماعية .