ارشيف من :آراء وتحليلات

الخلفية الجيوستراتيجية للتدخل العسكري الروسي في سوريا (2/4)

الخلفية الجيوستراتيجية للتدخل العسكري الروسي في سوريا (2/4)

نستكمل في هذا الجزء ما قد أشرنا اليه في الجزء الأول من مساهمة الكثير من المحللين والإعلاميين في تضليل الرأي العام الوطني والدولي.

ـ4ـ بعد استفراد اميركا بدور "الراعي الأوحد" للمفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية، فشلت اميركا في إيجاد "حل سلمي" للنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، لسبب بسيط جدا يعرفه حتى أطفال فلسطين الذين يخرجون الان الى الشوارع حاملين السكاكين، وهو ان إسرائيل تريد حلا واحدا، نهائيا، للقضية الفلسطينية، وهو: طرد او إبادة جميع الفلسطينيين، وإعلان قيام "الدولة اليهودية" الخالصة.

رسوخ التحالف الروسي ـ السوري

ـ5ـ بعد خروج مصر من معادلة الحرب مع إسرائيل، اصبح النظام السوري اكثر تمسكا بالوجود الروسي في سوريا لمنع سقوطها الكلي في قبضة إسرائيل.

امام هذه الوقائع طرحت الإدارة الأميركية منذ مطلع القرن فكرة "انشاء الشرق الأوسط الكبير" و"الفوضى البناءة". ثم اطلقت موجة ما سمي "الربيع العربي". وتزامن ذلك مع تحريك الازمات المفتعلة والصدامات المسلحة في بعض الدول المحيطة بروسيا (جورجيا، أوكرانيا، صربيا، مقدونيا)، لاجل التهويل على روسيا واضعاف اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط.

ولكن النتائج جاءت عكسية تماما. اذ ان روسيا زادت استنفارها النووي ـ الصاروخي ضد الكتلة الغربية، وتمسكت اكثر بوجودها في سوريا، وتعاونها العميق مع ايران، ودعمها غير المحدود للمقاومة في لبنان. وشيئا فشيئا بدأت موجة "الربيع العربي" المزعوم تنحسر وترتد على أصحابها.

الخلفية الجيوستراتيجية للتدخل العسكري الروسي في سوريا (2/4)

الغرب يخشى الحرب النووية مع روسيا

ـ6ـ ان قيادات اميركا وجميع الدول حليفتها في الناتو وغيره تدرك تماما، بناء لمعلوماتها الخاصة، ان أي مواجهة شاملة بينها وبين روسيا ستكون حتما مواجهة نووية، وان روسيا مصممة وتمتلك القدرة التكنولوجية على ان تكون الضربة الأولى لها، أي لروسيا، وهي ستكون ضربة قاضية على اميركا المحاصرة بالغواصات النووية حاملة الصواريخ الباليستية والمجنحة النووية، من المحيطات الثلاثة التي تحيط باميركا، ناهيك عن الطيران النووي الاستراتيجي.


التحضير لحرب عالمية

ـ7ـ القيادة الأميركية (خصوصا) لم تتخل نهائيا عن الاستراتيجية الهجومية ضد روسيا. ولكنها تخلت (او صرفت النظر مرحليا) عن فكرة الاستراتيجية الهجومية النووية تحديدا، لانها ادركت انها ـ في المعطيات الراهنة ـ ستكون خاسرة فيها لا محالة. ولكن القيادة الأميركية استبدلت فكرة الاستراتيجية الهجومية النووية ضد روسيا بفكرة التحضير لحرب عالمية واسعة النطاق، يمكن من خلالها اما تحقيق نصر على روسيا، بالأسلحة الكلاسيكية غير النووية، او على الأقل اضعافها الى الحد الأقصى، ومن ثم شن حرب غربية شاملة عليها، بالتنسيق مع الطابور الخامس "الديمقراطي" الروسي الموالي للغرب، والانتصار عليها بالأسلحة الكلاسيكية وما الى ذلك من اضاليل المخابرات والخبراء الغربيين.


مشروع سلطنة عثمانية جديدة

وتقضي هذه الخطة بزعزعة فسيفساء الدول "السايكس ـ بيكوية"، لتظهر على انقاضها دولة موحدة كبرى، تقودها تركيا، على غرار الإمبراطورية العثمانية. وتتولى المخابرات الأميركية والإسرائيلية والتركية وبعض الدول "العربية" اخراج هذه الامبراطوية الى الوجود بسيناريو تبدو معه كأنها دولة "مستقلة" بكل معنى الكلمة وعلى الجميع الاعتراف بها.

ومع وجود تيار شعبي كردي واسع النطاق في تركيا يعارض البقاء في الاطار التركي ويطالب بتشكيل دولة كردية مستقلة، فانه يمكن العمل على الفصل التام لإقليم كردستان العراق عن الدولة العراقية، وضم المنطقة الكردية السورية الى هذا الإقليم، والعمل لاجل فصل المنطقة الكردية الإيرانية عن ايران وضمها الى الإقليم أيضا، واخيرا يمكن اجراء بعض التعديل على الحدود الجنوبية الشرقية لتركيا وضم بعض المناطق منها الى الإقليم الكردي أيضا، ويتم اعلان هذا الإقليم بوصفه "الدولة الكردية الكبرى" على ان تنضوي هذه الدولة تحت قيادة الامبراطورية المبتغاة.


مشروع "البانيا الكبرى"

ـ8ـ نظرا للأهمية الاستراتيجية الكبرى لشبه جزيرة البلقان، باعتبارها معبرا بريا رئيسيا لاوروبا، من جهة، ولروسيا من جهة أخرى، نحو الشرق الأوسط، يجري العمل من جديد لاثارة القلاقل والمذابح الدينية والاثنية في البلقان، بهدف رئيسي هو تفرقة السلافيين والارثوذوكس، وخلق "البانيا الكبرى" تنضوي تحت لواء الامبراطورية القادمة.

عليه، بناء على هذه المعطيات وغيرها، بدأت الحرب العالمية الداعشية ضد روسيا. والمهمة المباشرة الأولى: طرد روسيا من سوريا، واسقاط النظام السوري الحالي. والمهمة الأخيرة هي تدمير الدولة الروسية من الداخل.

الاختلاف النوعي بين "حرب أفغانستان" و"الحرب في سوريا"

ـ9ـ من هنا اتخذت القيادات الغربية واليهودية العالمية وبعض العرب قرار شن الحرب العالمية على روسيا، استنادا الى "التجربة الناجحة" للحرب على الجيش السوفياتي في أفغانستان. ولكن حسب الخبراء الروس فان الجيش السوفياتي قد فشل في أفغانستان لاسباب لا يمكن ان تتكرر بعد الان لا في سوريا ولا في غيرها.

 

يتبع

2015-12-25