ارشيف من :ترجمات ودراسات
تريدون الحرب ؟ روسيا جاهزة !
الكاتب : Pepe Escobar
عن موقع agoravox الالكتروني
22 كانون الأول / ديسمبر 2015
لا يحتاج أحد لقراءة كتاب زبغنيو بريجنسكي "رقعة الشطرنج الكبرى" (1977) ليدرك أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة تدور حول مسألة واحدة تشتمل على جميع المسائل الأخرى : الحيلولة، باستخدام جميع الوسائل الممكنة، دون ظهور قوة أو قوى قادرة على إزعاج أحادية واشنطن القطبية المتعجرفة، ليس فقط في أوراسيا بل أيضاً في العالم كله.
ويعتمد البنتاغون الرسالة نفسها التي يمكن تلخيصها في اللغة الديموقراطية بعقيدة الهيمنة الشاملة.
لكن سوريا أدت إلى انهيار جميع هذه التقديرات كقصر من ورق. لذا لا ينبغي أن نجد من الغريب أن يكون القلق هو القاعدة السائدة حالياً في واشنطن المفتقرة إلى أي نظام قيادة يمكن أن تراه العين. من هنا، فإن أقصى ما يمكن أن نصف به إدارة أوباما هو كونها قد أصبحت "بطة عرجاء".
لقد دخل البنتاغون حالياً في عملية تصعيد من نوع الحرب الفييتنامية حيث بات له وجود عسكري في كامل سوريا والعراق. هنالك قوة خاصة من 50 عنصراً ترابط الآن في شمال سوريا كـ "مستشارين" يساعدون الأكراد السوريين (وحدات حماية الشعب) وبعض الفصائل السنية "المعتدلة". ما يجب أن يفهم من ذلك هو إفهام هؤلاء (الأكراد والفصائل المذكورة) بما تريد منهم واشنطن أن يفعلوه. لكن البيت الأبيض يقدم القوة المذكورة بشكل رسمي على أنها "تدعم القوى المحلية" (بحسب تعبير أوباما) من خلال قطع طرق الإمداد المتصلة بمدينة الرقة، عاصمة الخلافة المزعومة.
200 عنصر آخرون من القوات الخاصة سيصلون قريباً إلى العراق بزعم أنهم سيشنون "حرباً مباشرة" ضد قيادة داعش المتمركزة حالياً في الموصل.
كل هذه الجهود التي يتم تقديمها على أنها "جهود" تبذل في إطار "تدخل جزئي في العراق وسوريا" تقود زمر العاملين في مراكز الأبحاث الأميركية إلى صياغة تقارير مضحكة حول موضوع البحث عن "التوازن الكامل بين اجتياح على نطاق واسع وبين انسحاب كامل"، وكل هذا في وقت يعلم فيه الجميع أن واشنطن لن تسحب يدها أبداً من الثروات النفطية الاستراتيجية في الشرق الأوسط.
من الناحية النظرية، كل هذا التواجد العسكري الأميركي على الأرض يفترض به أن يكون منسقاً مع تحالف جديد وفوق واقعي إلى حد إثارة الذهول. هذا التحالف يضم 34 بلداً "إسلامياً" (لم تدع إيران إلى الدخول فيه) وهدفه محاربة داعش بما لا يقل عن الرحم الإيديولوجي لجميع تنويعات السلفية الجهادية التابعة للسعودية الوهابية.
من الآن فصاعداَ، باتت سوريا مدرجاً لإقلاع التحالفات. هنالك حتى الآن أربعة تحالفات : ألـ "4 +1" (روسيا، سوريا، إيران، العراق، إضافة إلى حزب الله)، وهذا التحالف هو الذي يقاتل داعش حقاً وحقيقة. وهنالك التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وهو عبارة عن تشكيلة تضم حلف الناتو ومجلس التعاون الخليجي، مع العلم أن هذا المجلس لا يفعل شيئاً. وهنالك التعاون العسكري المباشر بين روسيا وفرنسا. وهنالك أخيراً المهزلة "الإسلامية" الجديدة التي تقودها السعودية. وفي المقابل، هنالك عدد مذهل من التحالفات بين جماعات "سلفية" و"جهادية "، وهي تحالفات ظرفية تدوم لعدة أشهر أو لعدة ساعات.
وهنالك أيضاً تركيا التي تلعب لعبة مزدوجة ودنيئة في ظل إردوغان.
هل نحن مرة أخرى أمام حالة سيراجيفو ؟
لا تكفي كلمة "متوترة" لتوصيف التوترات الجيوسياسية الراهنة بين روسيا وتركيا، وهي توترات لا يبدو عليها مطلقاً أنها تتجه نحو التراجع. وبالطبع، فإن امبراطورية الفوضى تستفيد من ذلك وتأخذ وضعية المشاهد بامتياز إذ طالما استمرت التوترات فإن آفاق التكامل الأوراسي تظل منعدمة تماماً.
والأكيد أن الاستخبارات الروسية قد استبقت جميع السيناريوهات الممكنة ذات الصلة بتحركات عسكرية للناتو وتركيا على الحدود التركية-السورية، أو بإمكانية أن تعمد أنقرة إلى إقفال البوسفور والدردنيل أمام "قطار روسيا-سوريا السريع". وهنا، يمكن لأردوغان ألا يكون مجنوناً بما يكفي لمنح روسيا مبرراً جديداً لإعلان الحرب. لكن روسيا تتجنب المجازفة.
لقد نشرت روسيا سفناً حربية وغواصات قادرة على إطلاق صواريخ نووية فيما لو قررت تركيا -بغطاء من الناتو- أن تضرب المواقع الروسية. لقد كان بوتين واضحاً تماماً : روسيا ستستخدم السلاح النووي في حال الضرورة إذا ما تعرضت قواتها التقليدية للخطر.
وإذا اختارت أنقرة أن تنفذ عملية انتحارية بإسقاط طائرة سو-24 أو سو-34، فإن روسيا ستسيطر -بكل بساطة- على المجال الجوي على طول الحدود بواسطة ما تمتلكه من صواريخ إس-400. وإذا ما ردت تركيا، بتغطية من الناتو، من خلال هجوم يشنه جيشها على المواقع الروسية، فإن روسيا ستستخدم صواريخها النووية وستجر الناتو إلى الحرب ليس فقط في سوريا بل ربما في أوروبا. وهذا يستوجب استخدام الصواريخ النووية لضمان إبقاء البوسفور مفتوحاً أمام الاستخدام الاستراتيجي.
وبهذه الصورة يمكننا أن نلمس التشابه بين سوريا اليوم وسيراجيفو العام 1914.
منذ منتضف العام 2014، استعرض البنتاغون لست عشرة مرة جميع أشكال الألعاب الحربية بسيناريوهات مختلفة بين الناتو وروسيا. وجميع هذه السيناريوهات كانت حظوظ الناتو فيها أكبر من حظوظ روسيا، ولكن جميع الحروب الافتراضية كانت نتائجها لصالح روسيا.
ومن هنا، فإن السلوك النزوي لإردوغان يخيف عدداً كبيراً من المتحالفين من واشنطن إلى بروكسل.
بعض المعطيات حول الصواريخ الذاتية الدفع
يدرك البنتاغون جيداً القوة النارية التي يمكن لروسيا أن تطلقها فيما لو تم استفزازها بشكل يتجاوز الحدود من قبل جهة كإردوغان مثلاً. وفي ما يلي بعض الأمثلة :
يمكن لروسيا أن تستخدم الصاروخ الجبار " SS-18" الذي يطلق عليه الناتو إسم "شيطان"، حيث أن كل "شيطان" ينقل عشرة رؤوس متفجرة تتراوح قوة كل واحد منها بين 750 و1000 كيلوطن تكفي لتدمير ما يوازي من حيث المساحة كامل منطقة نيويورك (وكامل مساحة بريطانيا).
أما الصاروخ البالستي العابر للقارات " Topol M " فهو الأسرع في العالم، إذا يطير بسرعة ماك 21 (25700 كم في الساعة). ولا وجود لأي سلاح مضاد لهذا الصاروخ. وفي حال إطلاقه من موسكو، يمكنه أن يضرب نيويورك في غضون 18 دقيقة، ولوس أنجلس في غضون 22 دقيقة و 8 ثوان.
أما الغواصات الروسية، وكذلك الأمر بالنسبة للغواصات الصينية، فيمكنها أن تطلق قذائفها من البحر غير بعيد عن الشواطيء الأميركية وأن تصيب أهدافاً على سواحل الولايات المتحدة في غضون دقيقة واحدة. وقد تمكنت غواصات صينية أن تطفو بالقرب من حاملات طائرات أميركية دون أن تتمكن حاملات الطائرات تلك من رصدها واكتشاف وجودها. ويمكن للغواصات الروسية أن تفعل الشيء ذاته.
إن بإمكان النظام المضاد للصواريخ S-500 أن يقفل روسيا بشكل محكم أمام الصواريخ الذاتية الدفع والصورايخ العابرة للقارات. (تكتفي روسياً رسمياً بالإقرار بأن صواريخ S-500 لن تدخل في الخدمة إلا في العام 2016، ولكن تسليمها قريباً لصواريخ S-400 إلى الصين يعني أن صواريخ S-500 ربما تكون قد أصبحت جاهزة فعلاً للاستخدام).
مقابل صواريخ S-500 ، تصبح صواريخ باتريوت شبيهة بصواريخ V-2 التي كانت تستخدم خلال الحرب العالمية الثانية.
وفي هذا المجال، يقول مستشار سابق لقائد العمليات البحرية الأميركية، يقول علناً أن كامل جهاز الدفاع الصاروخي الأميركي لا يساوي شيئاً بالمرة.
وتمتلك روسيا أسطولاً من القاذفات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت. ويضم هذا الأسطول قاذفات Tupolev V-2 التي يمكنها الإقلاع من قواعد جوية تقع قي أواسط روسيا وأن تطير فوق القطب الشمالي وأن تطلق، فوق المحيط الأطلسي ومن مسافات آمنة، صواريخ ذاتية الدفع مجهزة برؤوس نووية، وأن تعود إلى قواعدها ليشاهد ملاحوها آثار القصف الذي قامت به على شاشة التلفزة.
ويمكن لروسيا أن تشل عملياً كل ما يمتلكه الناتو من قواعد متقدمة وذلك عن طريق أسلحة نووية تكتيكية ذات عبوات صغيرة. وليس من قبيل الصدفة أن تكون روسيا قد اختبرت، خلال الأشهر الماضية، الوقت الذي يمكن للناتو أن يرد فيه على الهجمات في ظروف مختلفة.
ويطير صاروخ اسكندر بسرعة تفوق بسبع مرات سرعة الصوت ويبلغ مداه 400 كلم. وهو قادر على تدمير مدرجات الطيران ونقاط الإسناد اللوجستي وغير ذلك من البنى التحتية في مسرح عمليات باتساع جنوب تركيا مثلاً.
لذا، لا بد للناتو من أن يسعى إلى تدمير جميع الصواريخ من طراز إسكندر [إذا ما أراد القيام بأي عمل عسكري]. لكن، عليه في هذه الحالة أن يواجه صواريخ S-400 أو، أسوأ من ذلك، صواريخ S-500 التي يمكن لروسيا أن تنشرها في مناطق الدفاع على كامل مسرح العمليات المفترضة. فنصب صواريخ S-400 في كالينين غراد مثلاً يمكنه أن يشل جميع عمليات الناتو في أوروبا.
وعندما يتعلق الأمر بالقرارات العسكرية، فإن روسيا تفضل، اعتماد مفهوم "السيطرة المتعقلة". وهذه الأخيرة هي عبارة عن تكتيك هدفه إيصال معلومة منتقاة إلى العدو تجبره على اتخاذ قرارات لا تنسجم مع مصلحته. أي أنها عبارة عن فايروس يمارس نفوذه على العدو ويتحكم بعملية اتخاذه للقرارت. ويمكن لروسيا أن تستخدم هذا المفهوم على المستويات التكتيكية والاستراتيجية والجيوسياسية.
وفي صباه، تعلم فلاديمير بوتين كل ما ينبغي تعلمه بخصوص "السيطرة المتعقلة" في مدرسة الاستخبارات الروسية التي تحمل الرقم 401، وبعد ذلك خلال عمله كضابط في الـ " KGB " ثم في الـ " FSB".
والآن... والسؤال موجه إلى إردوغان والناتو : هل ما زلتم عازمين على إعلان الحرب ؟